الحريري سفير «النوايا الحسنة» الى «جهنم».. عون!

لا يَصدُق مثل شعبي أو قول مأثور على أحد، كما يصدق المثل القائل "أن الطريق إلى جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة" على تيار " المستقبل " في لبنان، منذ ما بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005 ، هذا التاريخ الذي أراده القتلة بداية طريق لبنان إلى جهنم ونجحوا فيه للأسف ولو بعد خمسة عشر عاما.

كانت بداية مسيرة “النوايا الحسنة” بإسم الوحدة الوطنية والعيش المشترك، بالإتفاق الرباعي بين المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي من جهة، والثنائي الشيعي المتمثل بحركة أمل وحزب الله من جهة ثانية، و بشكل أساسي بحيث بدت القوى المسيحية السيادية وكذلك الشيعية المنضوية تحت لواء حركة 14 آذار، وكأنها تابع للثنائي السني – الدرزي ما أدى إلى ” تسونامي ميشال عون” في الإنتخابات التي أعقبت الإتفاق، وهو الذي كان قد عاد بإتفاق عقده مع الجهاز الأمني اللبناني – السوري يومها، والذي لم يكن ليتم طبعا بمعزل عن حزب الله، أقله إن لم نقل الثنائي الشيعي، وهو ما تأكد في 6 شباط 2006 عند إعلان إتفاق “مار مخايل” بين عون وحزب الله، الأمر الذي يعني بأن حزب الله في الوقت الذي كان يعقد فيه الإتفاق الرباعي مع المستقبل والإشتراكي، كان يخوض حوارا مع عون، أوصل إلى الإتفاق المذكور وكانت هذه أولى نكسات “النوايا الحسنة” .

كالعادة إختلطت الأمور ببعضها لتصبح الحكومة “حكومة فيلتمان” وحكومة التخاذل والتآمر على المقاومة

بعد الإنتخابات شكلت حكومة “وحدة وطنية” برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وبدأت جلسات الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري بهدف الإتفاق على “إستراتيجية دفاعية” لحل معضلة سلاح حزب الله، وكانت الأجواء إيجابية ووُعد الناس بتمضية صيف جميل وهادئ، فإذا بالحرب تندلع فجأة، عندما إختطف حزب الله جنديين إسرائيليين في عملية داخل حدود فلسطين المحتلة، أتت بعد حوالي أسبوعين من عملية مماثلة، قامت بها حماس في غزة وأسرت فيها الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، بحيث بدا الأمر وكأن هناك أمر عمليات واحد قد صدر، وكانت حرب تموز 2006 التي دامت 33 يوما وإنتهت ب “نصر إلهي” لحزب الله وبالقرار 1701 لدولة وحكومة لبنان، التي ما لبثت أن تحولت إلى هدف لقوى الثامن من آذار، وحليفهم الجديد التيار الوطني الحر، بسبب الخلاف على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولكن كالعادة إختلطت الأمور ببعضها لتصبح الحكومة “حكومة فيلتمان” وحكومة التخاذل والتآمر على المقاومة، فكان إنسحاب المكون الشيعي منها لنزع الميثاقية عنها، وبدء الإعتصام بوسط بيروت، ولكنها إستمرت بفعل الدعم الدولي والإقليمي وإلتفاف قوى 14 آذار حولها، وكانت هذه ثاني نكسات “النوايا الحسنة” .

إقرأ أيضاً: سجال البياضة- بيت الوسط يُرنّح مبادرة بري..وماكرون «يؤنب» الأكثرية!

ثالثة النكسات كانت بعد أحداث 7 أيار التي تسببت بها ساعة “تخل” من قِبَل وليد جنبلاط كما وصفها هو فيما بعد، ومؤتمر الدوحة الذي أرسى خارطة طريق موقتة للحل بإنتظار الإنتخابات النيابية، حين وافقت قوى 14 آذار بقيادة تيار “المستقبل” على إعطاء الثلث المعطل في الحكومة للمعارضة يومها وغيرها من التنازلات، وهنا بدأت أسطوانة “أم الصبي” عندما تدخل سعد الحريري لدى الرئيس فؤاد السنيورة، لحل عقدة توزير الوزير علي قانصوه ممثلا للحزب السوري القومي الإجتماعي، مع أن هذا الحزب كان قد هدد الرئيس السنيورة على خلفية أحداث حلبا، التي جاءت رداً على أحداث 7 أيار في بيروت، وهكذا كان .

تغييرات في السياسة الإقليمية جعلت من نوايا سعد الحريري الحسنة تصل به إلى فراش قصر المهاجرين بطلب ورعاية سعودية

بعد الإنتخابات النيابية وفوز قوى 14 آذار وتكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة، إستمر التعطيل الذي مارسته قوى 8 آذار بتقاسمها الأدوار، تارة من جانب حزب الله وأخرى من جانب التيار الوطني الحر، وكذلك إستمرت “النوايا الحسنة” عبر التنازلات ودائما تحت شعار وذريعة “أم الصبي” هذه المرة عبر ما سمي بالوزير الملك، مترافقة مع تغييرات في السياسة الإقليمية والدولية، جعلت من نوايا سعد الحريري الحسنة تصل به إلى فراش قصر المهاجرين، بطلب ورعاية سعودية، فكانت النتيجة إنقلاب أطاح بحكومته بطريقة مذلة، عندما كان في حضرة الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض بداية عام 2011، وخروجه من لبنان في نفي إختياري دام حتى العام 2014 .

في عام 2014 قادته “نواياه الحسنة” مرة أخرى لما سمي يومها “ربط نزاع” مع حزب الله، بإسم منع الصدام السني – الشيعي، في حين كانت المنطقة تغلي على إيقاع الأزمة السورية وظهور داعش في العراق، وبدايات الأزمة اليمنية عقب الإنقلاب الحوثي على الشرعية وعلى مخرجات المبادرة الخليجية، التي كانت قد وضعت أسس للحل بين الثورة الشعبية وبين نظام علي عبدالله صالح، فتشكلت حكومة الرئيس تمام سلام بعد مخاض طويل كالعادة، وهي الحكومة التي تسلمت دفة الحكم من الرئيس المنتهية ولايته ميشال سليمان، بعد أن عجزت القوى السياسية عن إنتخاب رئيس بديل بسبب تمسك حزب الله بمرشحه الوحيد ميشال عون، وعبر تعطيل نصاب جلسات الإنتخاب التي كان يدعو لها الرئيس نبيه بري، وإستمر الجمود السياسي مع ما يحمله هذا الجمود من آثار إقتصادية كارثية على البلد والناس، إلى أن قام سعد الحريري مدفوعا مرة جديدة بالنوايا الحسنة بإسم ملء الفراغ الرئاسي بأي ثمن، إلى ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية كحل وسط، ولكن حزب الله رفض وأصر على ميشال عون، فكانت النتيجة أن سعد الحريري خسر سمير جعجع والبعض من جمهوره السني ولم يربح حزب الله، فكان إتفاق معراب الذي أثبتت الأيام بأنه صيغ بنوايا سيئة من الجانبين ضد المسيحيين المستقلين أولاً، ومن جانب كل واحد منهم إتجاه الآخر.

كانت هذه التسوية أم النكسات لتيار المستقبل

فالتيار الوطني الحر أخذ من الإتفاق ما أراد، وإتجه نحو سعد الحريري لصياغة تسوية رئاسية، معتمدا على نواياه الحسنة التي خانته هذه المرة أيضاً، فكانت هذه التسوية أم النكسات لتيار المستقبل، فكان أن دفع غالياً من رصيده السياسي والشعبي بفعل تصرفات وإستفزازات جبران باسيل، الذي بات بعد تولي عمه ميشال عون الرئاسة في موقع الآمر الناهي، والذي إستغل ضعف موقف سعد الحريري الإقليمي، بعد الأزمة التي مر بها في علاقته مع المملكة العربية السعودية، وكان قانون الإنتخاب الهجين الذي وافق عليه سعد الحريري، ملتزما التسوية الرئاسية، الأمر الذي إنعكس على موقعه في الإنتخابات النيابية الأخيرة، بحيث خسر حوالي نصف كتلته النيابية، ولو أنه إحتفظ بالكتلة السنية الأكبر، ما أهَّله لتولي رئاسة حكومة العهد الأولى بعد الإنتخابات، والتي كان يعول عليها بأن يستطيع من خلالها، الوفاء بإلتزامات لبنان في مؤتمر سيدر، من حيث القيام بالإصلاحات المطلوبة، الأمر الذي لم يتحقق بسبب المناكفات السياسية المعهودة، التي أدت في النهاية إلى ثورة 17 تشرين، التي جوبهت من العهد وداعميه من الثنائي الشيعي، بالقمع والتخوين والتجاهل حتى وصلنا إلى ما وعدنا به الرئيس ميشال عون يوما، إلى جهنم التي ساهمت كل القوى السياسية في البلد في الوصول إليها، سواء عبر الممارسات الشاذة من تعطيل للدستور، وتدمير للحياة السياسية وإنتهاك للقوانين والأعراف، أو بالسكوت عن هذه الممارسات ومحاولة الهروب من السفينة قبل غرقها بإدعاء الوقوف مع مطالب الناس، أو بالمشاركة فيها بدواعي “حسن النية “، كل هذا لا يعفي أحد من المسؤولية النسبية، التي يتحملها كل من شارك في هذه السلطة أقله منذ العام 2005 وحتى اليوم.

الحل يكون بالإلتزام بالدستور بدون تذاكي أو غايات سياسية حزبية كانت أو شخصية وبإلتزام النأي بالنفس فعلا لا قولا

لا نقول هذا الكلام بدافع الحقد السياسي، أو لتسجيل نقاط على أحد من الأطراف السياسية دون آخر، بل لمحاولة تصحيح المسار عبر تغيير الممارسات وآليات الحكم، فلا يمكن الإستمرار بإعتماد نفس الأساليب المتبعة التي أوصلتنا إلى جهنم بالفعل، بكل ما للكلمة من معنى، وتوقع نتائج أفضل مما وصلنا إليه اليوم.

الحل يكون بالإلتزام بالدستور بدون تذاكي أو غايات سياسية حزبية كانت أو شخصية، وبإلتزام النأي بالنفس فعلا لا قولا، وأيضاً بلا تذاكي في نزاعات المنطقة عبر عودة حزب الله إلى لبنان، وترك شعوب المنطقة تقرر مصيرها كل في بلده، لأن أهل مكة وبغداد ودمشق وصنعاء أدرى بشعابها، من هنا نبدأ متى صفت النوايا بصورة متبادلة، فلا تعود تلك النوايا الحسنة التي توصل إلى الجحيم، بل توصلنا إلى طريق طويل وشاق ربما بعد الذي حصل، ولكنه بالتأكيد طريق التقدم والإزدهار لبلدنا وناسنا.

السابق
على خطى «التطبيع».. عائلة بشار الأسد تعزي بوفاة حاخام إسرائيلي
التالي
نقيب الصيادلة يُخزّن الدواء في منزله!