تحريك الملف الحكومي يصطدم بشروطٍ..لا تتحرّك!

ميشال عون ومكرون

لم تتأخّر المناخاتُ التي بالغتْ في الرهان على نجاحِ مبادرةِ «الفرصةِ الأخيرةِ» التي يقودها رئيس البرلمان نبيه بري، بـ «تكليفٍ» سياسي داخلي متعدّد الطرف لاستيلاد الحكومة الجديدة، في التعرض لانتكاسةٍ «بليغة» ستكون الأيام القليلة المقبلة كفيلة بتحديد تداعياتها، سواء «القاضية» على هذه المحاولة التي تجري على حافة الانهيار الكبير وتالياً فاتحة خيارات «قصوى» جرى التلويح بها، أم «القاضمة» لاندفاعتها المزنّرة بحقل ألغام محلي وإقليمي.

وغداة يومين من تفعيلِ بري مسعاه الذي انطلق على وهْجِ خلاصاتِ مناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون حول الملف الحكومي و«عجْز الرئيس المكلف سعد الحريري عن التأليف» في البرلمان، وفيما كانت الأنظار على عودةٍ أشيع أنها وشيكة لزعيم «تيار المستقبل» من الخارج لملاقاة الاتصالات المكثفة التي جرتْ وتخللها لقاءٌ لموفد من رئيس مجلس النواب مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ارتسمت بوضوح مؤشراتٌ إلى أن التحريك المستجدّ للملف الحكومي يتمّ على أرضيةٍ تصلُّبٍ واضحة حيال الشروط والشروط المضادة من الطرفيْن المعلَنيْن في الصراع أي عون والحريري، ما جَعَل المخاوف تتعاظم من أن يكون ما حصل وسيشهده الأسبوع الطالع مجرّد «مناوراتٍ» لنفْض اليد من «دم» فشل آخِر «أرانب» الحلّ المانع لأسوأ السيناريوات.

الكشف إعلامياً عن تشكيلتين حكوميتين عرَضهما ‏رئيس الجمهورية على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وفق صيغة الـ 24 وزيراً وتوزيعة 3 ثمانيات والتي تجْري محاولة حشْر الحريري في اعتماد مبدئها كأول إشارة حُسن نية الى تحديث تشكيلة الـ 18 التي سبق أن قدّمها لعون ورفضها الأخير.

 الحريري يرفض تحويل الحكومة «جزراً وزارية حزبية» أو أن يكون رئيس «حكومة حصة سنية»

وتُظْهِر التشكيلتان، وفق خصوم عون مجموعة «أفخاخ» منها: تَمَسُّكه في الصيغتين بحقيبة الداخلية التي تُعتبر مفتاحاً في الانتخابات النيابية المقبلة (ربيع 2022)، وترْك الباب مفتوحاً أمام حصوله على الثلث المعطّل «المُمَوَّه» من زاوية التوافق مع الحريري على الاسمين المسيحييْن من خارج الحصة المباشرة لرئيس الجمهورية، واستعادة «عطْبين» سبق للرئيس المكلف أكثر من مرة، وآخرها في جلسة مناقشة الرسالة الرئاسية أن وضعه فيتو عليهما.

الأول «تَجاوُز الدستور وصلاحيات رئيس الحكومة المكلف ونتائج الاستشارات النيابية» عبر تقديم رئيس الجمهورية تشكيلةً كاملة تعتمد المعايير نفسها التي حدّدها باسيل لجهة توازُن الحقائب والأهمّ «مرجعية التسمية الحزبية» مع ترْك الأسماء «في جيْب» كل فريق بما يعكس محاصصة سياسية – حزبية نافرةً تجعل الحريري مجدداً أمام «جزُر حكومية» لكل منها رئيسها ولن تكون إلا «قاتِلة» لإمكان تسويق الحكومة دولياً وتستنسخ تجربة «حكومة الأقنعة» المستقيلة التي شكّلها الرئيس حسان دياب.

إقرأ ايضاً: عون وباسيل يتخبطان رئاسياً..«محاباة» السعودية و«تهليل» للأسد!

والثانية أنها تَكرار لِما سبق أن اعتبره الحريري «إساءة شخصية ومخالفة دستورية وسابقة حكومية» شكّلها إرسال عون إليه في مارس الماضي مع «درّاج» ورقة سمّاها «منهجية التشكيل وآليته» داعياً الرئيس المكلف لاعتمادها، هو الذي كررت أوساطه أنه لن يكون إطلاقاً «رئيس حكومة حصة سنية فيما هو رئيس وزراء كل لبنان».

  • أما المؤشر السلبي الثاني فعبّر عنه موقف «التيار الحر» الحاد بوجه الحريري أمس، والذي بدا في الوقت نفسه وكأنّه «يربط» الحكومة الجديدة بمسار سياسي خلافي يشكّله عنوان التعاون والحوار مع النظام السوري لإعادة النازحين، وصولاً إلى تظهيره أن تَمدُّد الاشتباك السياسي مع الرئيس المكلف والذي كان انتقل الى القضاء في الأيام الماضية مع حملة من مناصري «التيار» ضدّ مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات ثم توقيفات لناشطين عونيين وأحد المحامين، ينذر بتفاعلاتٍ «تَشْبك» مع الأزمة الحكومية.

فـ «التيار الحر» وبعد اجتماع برئاسة باسيل أعلن «أننا ننتظر مع الشعب اللبناني أن يحسم الرئيس المكلّف أمره بتشكيل حكومة تحترم المعايير والأصول الدستورية»، معتبراً «أن رسالة فخامة الرئيس إلى مجلس النواب أدّت وظيفتها في الإضاءة على العقدة الحكومية وكشفت المسؤول عنها بعدما استطاع على مدى سبعة أشهر تغليف عجزه عن التأليف بإلقاء التهم الواهية على الآخرين».

وأضاف: «لقد واجهْنا سلبيّتَه بإيجابية وذكرّناه بآلية التشكيل ومسارها، وليكن معلوماً أن التيار الحر لن يسمح باستمرار المماطلة وسيكون إلى جانب رئيس الجمهورية في أي خطوة سيتخذها، ويطالبه بدعوة الكتل النيابية إلى التشاور في مجمل الأزمات على مرأى ومسمع من اللبنانيين ليكونوا على بيّنةٍ من مواقف كل طرف سياسي وسلوكه ويتأكدوا بأنفسهم من هم الذين يمنعون الحلول والإصلاحات في لبنان».

 «التيار الحر» يصعّد بوجه الحريري: لن نسمح باستمرار المماطلة وذكرّناه بآلية التشكيل ومسارها

كما دعا التيار «اللبنانيين إلى توحيد الموقف من ملف النازحين السوريين وبدء الحوار والتعاون مع سورية لتأمين العودة الآمنة والكريمة لهم وخصوصاً بعد دخول سورية مرحلة جديدة من تاريخها مع الانتخابات الرئاسية التي ثبّتت الرئيس (بشار) الأسد على رأس الدولة بإرادة شعبه».

وسبق ذلك توجيه عون برقية تهنئة للأسد «لمناسبة إعادة انتخابكم متمنيا أن تتواصل الجهود في المرحلة المقبلة لتثبيت الاستقرار في بلدكم.

وأغتنم هذه المناسبة لأؤكد عمق الروابط التاريخية بين بلدينا، وتطلعي إلى تطوير علاقاتنا الثنائية في كافة المجالات التي تخدم مصالح شعبينا العليا».

وكذلك وجّه باسيل برقية إلى الأسد مهنئاً «بإعادة انتخابكم بما يعكس ثقة شعبكم بكم وأمله بأن تقودوا مسيرة إعادة إعمار سورية وتثبيت استقرارها (…) وإنني على ثقة بأنكم ستبادرون الى تسهيل عودة النازحين السوريين إلى أرضهم وأخص منهم الذين نزحوا الى لبنان.

سدّد الله خطاكم وحقق للشعب السوري جميع آماله بالأمن والاستقرار والازدهار».

وفي موازاة ذلك، حضر ملف تأليف الحكومة خلال اللقاء الذي عقد الجمعة، بين البطريرك الراعي والسفير السعودي في لبنان وليد بخاري.

وتمنى بخاري بعد اللقاء «تغليب المصلحة الوطنية العليا في لبنان على أي مصلحة فردية تحول دون إيجاد الحلول الناجعة التي تعيد للبنان الاستقرار والأمن والازدهار»، مشدداً على «دور البطريرك الراعي الضامن في الحياة اللبنانية الوطنية، المنعكس في جهوده الحثيثة لمصلحة لبنان في هذه الأوقات».

من جهته، شدد الراعي على «ضرورة الحفاظ على حسن العلاقات مع السعودية، متمنياً إعادة النظر في القرار الذي اتخذته في ما يتعلق بتصدير المنتوجات الزراعية اللبنانية إلى السعودية».

وأكد بخاري، بحسب «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، أنه «يتم العمل على تذليل الأسباب التي أدت الى اتخاذ هذا القرار»، آملا «أن يحصل هذا الأمر سريعاً».


السابق
الحفاوة الفرنسية بقائد الجيش.. «رسالة سياسية» ثلاثية الأبعاد!
التالي
بري يستعد لإطلاق «خرطوشته الأخيرة»..الحكومة أو الإنفجار!