ضَرَبْتَ فأَوْجَعْتَ يا شربل

شربل وهبة
مصيبة جديدة قد تزيد الشرخ بين لبنان وأشقائه العرب، سببها هذه المرة، وزير خارجية العهد في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبة، خلال مقابلة تلفزيونية، حيث اتهم الدول الخليجية بإرسال الدواعش الى البلدان العربية.

نعم، إما أن تكون الديبلوماسيةُ مقرونةً بالقوة في وقتها أو بئس الديبلوماسية. من هنا اعتبر وزير خارجية “الحرس الثوري” في لبنان شربل وهبة أن نسمات المجْد هبّتْ لحظةَ اللقاء التلفزيوني الذي يُجْريه فأراد أن يستغلّها لإظهار عنفوان التيار العوني معطوفاً على عَبَقِ التاريخ الفينيقي والجغرافيا المَشْرِقية وأساطير التفوّق البشري لأبناء هذه المنطقة.   

إقرأ أيضاً: موقف خليجي موحد ردا على اساءة وهبة.. و4 سيناريوهات منتظرة؟!

بعيداً من “الهبل” أو “الخبال” الذي سَبَقَ، فإن الوزير وهبة ضَرَبَ فأَوْجَع. أراد التعبيرَ عن نظريةٍ سياسيةٍ حُقنتْ حَقْناً في الجسد اللبناني من قبل نظام الممانعة وهي أن “داعش” صنيعة دول الخليج، معطوفة على حقدٍ تجاه هذه الدول لأنها نأتْ بنفسها عن لبنان الفارسي أو لبنان “تَحالُف الأقليات” بمظلةٍ فارسية. ضرب ضربتَه الكبرى رابطاً بين الارهاب والخليج وتَلَعْثَمَ قليلاً وهو يشرح حدودَ “الدولة الاسلامية” وخطوط تمويلها، مكرراَ كالببغاء ما تقوله الدعايةُ الإيرانية والسورية وحزب الله، لكنه على قاعدة “يطعمه الحجة والناس راجعة” لم ينتبه إلى أن مَن أطلق هذه الدعاية تَراجَعَ عنها ولم يعد يذْكرها، وأن الممانعةَ عبر مسؤوليها في عموم المحور الذي ينتمي إليه الوزيرُ اللبناني وتيارُه ورئيسُه تحاول مدَّ يدٍ أخرى إلى دول الخليج تنشد الاحترامَ والتعاونَ غير اليد التي “ترْبت” على رقاب أشباه المسؤولين في لبنان.     

بعيداً من “الهبل” أو “الخبال” الذي سَبَقَ فإن الوزير وهبة ضَرَبَ فأَوْجَع

رغم أن الجد لا مقام له في مخاطبتك إلا أن بعض التوضيح مفيدٌ يا مَن ضَرَبْتَ فأَوْجَعْت. فقط لتَفْهم أو لتُراجِع أو لتتذكّر. عراق نوري المالكي المُوالي للحرس الثوري الإيراني أَطلق من السجن في ليلة واحدة أكثر من 12 ألف سجين معروفي الانتماء. وفي ليلتيْن، انسحب فجأةً الجيشُ العراقي من المناطق التي تَلَعْثَمْتَ وأنت تشرح جغرافيتها. وفي ثلاث ليالٍ بعدها بدأ تشكيلُ نواة الدولة الاسلامية، وفي مئة ليلة تَمَدّدَتْ إلى الجانب السوري.  

وهناك قصةٌ أخرى إنما النتائج مشابهة. بشار الأسد المُوالي بل والمحكوم من الحرس الثوري، يطلق من سجونه آلاف المتطرّفين فتتشكل جبهة النصرة الارهابية بينما يفضّل “سجناء سوريون” آخَرون مشروعَ “داعش” فيلتحقون بالدولة الاسلامية شرقاً وشمالا. وإذا أردتَ الاستزادةَ أكثر، فعندما سيطر الحوثيون، وهم أيضاً مع الحرس الثوري، على مَناطق معيّنة في اليمن أَطْلقوا من السجون عناصر القاعدة الذين تم الاستثمارُ فيهم سياسياً وعسكرياً.   

بشار الأسد المُوالي بل والمحكوم من الحرس الثوري، يطلق من سجونه آلاف المتطرّفين فتتشكل جبهة النصرة الارهابية

اذا كانت إيران تملك السيطرةَ على هذه الدول وحكوماتها فمفهومٌ كيف انطلق الدواعش وأخواتهم، واذا كانت دول الخليج والسعودية تحديداً هي مَن ملكت السيطرةَ على حكوماتِ محور الممانعة وقراراتها وجيوشها على الأرض، فيُفترض أن يكون المحورُ من غزة إلى طهران تحت نفوذها.   

اذا كانت إيران تملك السيطرةَ على هذه الدول وحكوماتها فمفهومٌ كيف انطلق الدواعش وأخواتهم

رغم أن الجدية أقرب إلى المعاناة في تفنيد ما قلتَه، إنما لا بأس من المتابعة يا مَن ضَرَبْتَ فأَوْجَعْت. تعتقد عندما تستخدم جريمةَ قتلِ الزميل جمال خاشقجي في كل مناسبةٍ أنك تَصَيَّدْتَ فأَصَبْتَ، فلا بد من التذكير بأن مَن ارتكب الجريمةَ ومَن عاوَنَهُم أُوقفوا جميعاً وخَضَعوا لمحاكمةٍ وصدرتْ أحكامٌ بين إعدام وسجن. أما أيها المتشدّق “الذكي” فستكتشف أنك ترفع مستوى الإدانة لعهدك وبلدك وحكّامه الفعليين وتطلق النارَ على قدميْك. سلِّم يا وزير الخارجية، المعيَّن من “فخامة” ميشال عون حليف “حزب الله”، مَن قتل الشهيد رفيق الحريري المعروف والمُدان من أكبر محكمة دولية. سلِّم مَن قتل جميع الشهداء السياسيين والإعلاميين بعد تفجير موكب الحريري. سلِّم مَن كان يحاول قتْلَ الوزير بطرس حرب وأوقف ثم أخذه عناصر غير ملثّمين من سيارة الشرطة. سلِّم مَن قتل أخيراً الناشط لقمان سليم. سلِّم مَن وضع أطنانَ المتفجرات في المرفأ… العيْنُ على القائمةِ لا تنتهي ولكن كما يقال باللبناني “إلك عين” تحكي عن العدالة والقضاء والملفات؟ ألا تخجل؟.   

سلِّم يا وزير الخارجية مَن قتل الشهيد رفيق الحريري المعروف والمُدان من أكبر محكمة دولية

أما عن “أهل البدو” وما أدراك ما أهل البدو، أيضاً ضَرَبْتَ فأَوْجَعْت. نعيش بينهم منذ عقود ولم نرَ غير عِراكٍ دائمٍ لإعمار الأرض وتنمية الحاضر والمستقبل واعتبار الإنسان أولوية على ما عداه. يتعبون ولا يتراجعون. يخطئون فيعترفون ويحاسبون ويَعْبرون إلى أمام. ليسوا ملائكة ولا امبراطوريات عظمى، ويمكن الحديث كثيراً عن المشاكل والمعوقات والفرص المستغَلّة والضائعة، لكنهم متصالحون مع صحاريهم ومدنهم وناسهم. وهؤلاء “البدو”، أيها المتحضّر العظيم تيمّناً بشعار معلّمك “يا شعب لبنان العظيم”، قدّموا لجيشك إن كنتَ تعلم أموالاً ومعدات لمحاربة “داعش” وقدّموا لخزينتك مليارات الدولارات كي يعيش اللبنانيون بسلامٍ لكنها سُرقت، وقدّموا مساعدات لكل القطاعات الخدمية من كهرباء وماء واستشفاء وغيرها لكن زعماءك “أهل الحضارة” تَقاسموها وعاش “الشعب العظيم” بلا كهرباء ولا ماء ولا استشفاء ولا غذاء ولا دواء.   

ضربتَ الخليج فأَوْجَعْتَ اللبنانيين في الداخل والخارج وأَوْجَعْتَ لبنان بإرثه وتاريخه وحاضره ومستقبله

ضَرَبْتَ فأَوْجَعْتَ يا شربل وهبة. ضربتَ الخليج فأَوْجَعْتَ اللبنانيين في الداخل والخارج، وأَوْجَعْتَ لبنان بإرثه وتاريخه وحاضره ومستقبله. أما “أهل البدو” فهم، إلى أصالتهم، يقرأون الأمور بعيونٍ صافية، ويميّزون بين شعبٍ مغلوبٍ على أمره وبين سلطةٍ تتلقى أوامرها من الحرس الثوري، ويدركون أن الفيروس السياسي الذي ضَرَبَ المنطقةَ يمكن أن يتكور ويتحور ويَتَمَظْهَرَ… بأمثالك وأمثال مَن تُمَثِّل.    

السابق
موقف خليجي موحد ردا على اساءة وهبة.. و4 سيناريوهات منتظرة؟!
التالي
قوات النظام تجبر أهالي الغوطة الشرقية بالخروج في مظاهرات مؤيدة للأسد