وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: فلسطين بين «قوة» العرب و«إستقواء» إسرائيل!

وجيه قانصو
يخص المفكر والباحث والأكاديمي الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته الإلكترونية.

عادت فلسطين إلى الواجهة، بكل ما تختزنه من آلام وجروح وأحزان، بكل ما تثيره من إحباط وانسداد أفق لشعب احترف الانتظار، علّ المستقبل يأتي بحل أو أفق جديد، لشعب يقاوم الموت، لا موت الجسد فحسب بل موت الذاكرة والثقافة والهوية والحق المنسي. لشعب ما فتىء يُذكر العالم بأن تجاهله لا يعني عدم وجوده، وأنّ نسيانه لا يعني اختفاءه وتلاشيه.

إقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: السعودية.. من دولة الشريعة إلى شريعة الدولة

ما يحصل الآن تكرار لسيناريوهات مواجهة سابقة، تبدأ باستفزاز، أو جسّ نبض اسرائيلي، لخلق معطيات أمر واقع سكاني، يُسهّل على دولة إسرائيل انتزاع الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لها، وتثبيت ملكية أراض جديدة لمجرد الاستيطان المزمن فيها. هو استفزاز يقابل بردّ فلسطيني عنيد، بتضامن جماعي، باحتجاج شرس، بإصرار لا يلين. بين الاستفزاز والردّ تتصاعد المواجهة، وتأخذ شكلا دموياً مدمراً غير متكافىء بين الطرفين، تنتهي بتدخل دولي، لفضّ الاشتباك وإعلان هدنة، مع غياب أي أفق سياسي ينهي أصل الأزمة ويقطع سلسلة المواجهات المتكررة.

اتفاقيات السلام أفقدت الدول العربية زمام المبادرة وألزمتها أن تكون في موقع المحايد والمتفرج لا أن تكون طرفاً ضاغطاً

هو مشهد يحرج الصف العربي، الذي سارع إلى عقد اتفاقات سلام مع إسرائيل، وبناء علاقات دبلوماسية وصفقات تجارية معها، تكاد تكون هدايا مجانية لها، مع تغييب كامل للقضية الفلسطينية، وتجاهل متعمد لجانبها المأساوي، واستخفاف ساذج بوضعيتها المتفجرة، وغضّ طرف عن انتهاكات إسرائيل. هو أداء وضع الدول العربية في موقع الضعيف والعاجز في إدارة الملف الفلسطيني ولجم النزق الاسرائيلي الذي لم يتوقف بحق الفلسطينيين. فاتفاقيات السلام، أفقدت الدول العربية زمام المبادرة، وألزمتها أن تكون في موقع المحايد والمتفرج، لا أن تكون طرفاً فاعلاً ومؤثراً وضاغطاً. هي وضعية تركت فجوة كبيرة في مشهد الفاعلية العربية، وسمحت لقوى ودول غير عربية بمدّ نفوذها وتكثيف طاقتها، لحرف الملف الفلسطيني عن سياقه العربي، وتحويله إلى أداة توسع ونفوذ يخدم نظام مصالحها وطموحها الإقليمي.

المنظومة الغربية حوّلت المشهد الفلسطيني إلى مشهد اعتيادي وروتيني أي إفراغه من مضمونه الأخلاقي وكارثيته الإنسانية

هو مشهد أخلاقي يحرج المنظومة الدولية، التي اعتمدت شرعة حقوق الإنسان، وحقوق الفرد الطبيعية غير القابلة للإنتزاع، من قبيل الملكية والأمن والكرامة والحرية والمساواة. هذه الدول، وفي مقدمها المنظومة الغربية، حوّلت المشهد الفلسطيني إلى مشهد اعتيادي وروتيني، أي إفراغه من مضمونه الأخلاقي وكارثيته الإنسانية. كأن من طبيعته أن يكون مأزوماً باستمرار، كأنه خصوصية ثقافية أو تاريخية، لا بد أن تأخذ مداها الزمني لتحقق نضجها ورشدها، كأنه مسألة ادعاء ديني مقابل ادعاء ديني آخر، السبيل الوحيد إزاءه هو عزله ومحاصرة تداعياته والحد من تشظياته الداخلية.

هو مشهد يحرج القوى الفلسطينية، التي لم تنجح في خلق مسار سياسي فعلي للموضوع الفلسطيني، وأخفقت في اتباع استراتيجية منتجة ومؤثرة في إدارة صراعها مع إسرائيل، وتحوّلت إلى شبكة مصالح ذاتية تتنافس على الشرعية والأسبقية، في الإمساك بملفات المسألة الفلسطينية، وتغرق في ممارسات المزاودة والمواقف غير الواقعية والادعاءات النرجسية، وتخوض صراعات ومعارك غير محسوبة العواقب والنتائج، وتمعن في تضخيم التناقضات والصراعات والتباينات داخل الصف الفلسطيني، الأمر الذي عمق هشاشتها وهامشيتها، وحصر النضال الفلسطيني في دائرة ردات الفعل.

تستيقظ إسرائيل من سباتهما كلما وجدت أن الإصرار الفلسطيني يشتد وإرادة البقاء لديه تتعمق وتتفوق عليها

هو مشهد يحرج إسرائيل بالدرجة الأولى، التي ظنت أن الزمن كفيل بنسيان شعب بأسره وتشتته وسقوط حقه، وأن التفوق والعسكري والتقني وقسوة الردع يضمنان لها السيادة الفائقة، وأن الديمقراطية الشكلية يرفعانها إلى مصاف الدول المتحضرة، وأن نسج أساطير الهيكل والحق الإلهي بالتملك يوفران لها سندات تمليك الأرض، وأن مذابح الهولوكوست بمثابة دين لها على العالم يعفيها من أية مسؤولية أخلاقية. هي معطيات قوة بدأت تفقد جدواها مع تقدم الزمن، هي أوهام ونرجسيات اصطفاء تستيقظ إسرائيل من سباتهما، كلما وجدت أن الإصرار الفلسطيني يشتد وإرادة البقاء لديه تتعمق وتتفوق عليها.

مع كل موجة مواجهة، يكون رهان العرب في إعادة بناء مقومات القوة اللازمة لضمان حقوقهم، ويكون رهان إسرائيل التخلي عن فكرة فائق القوة ضماناً لبقائها.

السابق
عودة التهليل.. أيمن زيدان يؤيد بقاء الأسد في السلطة لسبع سنوات أخرى
التالي
حذفت جميع صورها مع زوجها.. زينة مكي تصدم الجمهور على إنستغرام