«حزب الله» يقامر بالحدود لصرف النفوذ!

حزب الله

لماذا يلتزم حزب الله الصمت تجاه ترسيم الحدود البحرية؟!للإجابة على هذا التساؤل لا بد من إبداء الملاحظات التالية:

1) عند خروج إسرائيل من لبنان عام 2000، إحتفل حزب الله بتحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي. سرعان ما إعتبر أن هذا الإحتلال لا يزال جاثما”، ولو جزئيا” على قسم من الأراضي اللبنانية، أي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وأن القرارين 425 و426 لم ينفذا بشكل كامل، مما يعطي برأيه، مشروعية لإستمرار المقاومة المسلحة لإستكمال عملية التحرير.

وعندما طُلب من سوريا-الأسد الإعتراف بلبنانية المزارع لكي توضع في نطاق القرار 425، لم يتجاوب النظام البعثي مع هذا المطلب. وهكذا، أبقى حزب الله مسمار جحا وربط النزاع مع إسرائيل تحقيقا” للإحتفاظ بسلاحه.

إقرأ أيضاً: الحكومة على «نار» روسيا والفاتيكان..والمرسوم البحري يُعزز «سلة المفاوض» الإيراني!

2) في مرحلة لاحقة، عزز موقفه هذا بسردية سياسية تقول أنه طالما إسرائيل موجودة ثمة ضرورة لإحتفاظه بسلاحه، لأن العدو الصهيوني طامع بأرض لبنان ومياهه، وذلك للدفاع عنه من خلال توازن الرعب.

3) في مرحلة ثالثة، وعندما تبين أن المياه الإقليمية اللبنانية تختزن كميات ضخمة من الغاز، طرح حزب الله نفسه مدافعا” عن ثروة لبنان الغازية مقابل عدو صهيوني يريد سرقتها. فأكمل ربط النزاع مع إسرائيل ومتنه.

4) شكلا”، حزب الله يحتفظ بسلاحه لضرورات لبنانية. أما هدفه الحقيقي هو تدمير دولة إسرائيل، في سياق  الطرح الجهادي للجمهورية الإسلامية في إيران، والهادف إلى “أسلمة” العالم وفق العقيدة الخاصة للمذهب الشيعي الإثني عشري المسماة ب”ولاية الفقيه”. وهنا، لا بد من الإشارة أن حزب الله هو المكون الرئيسي لفيلق القدس في الحرس الثوري، والذي يتولى مهمة تصدير الثورة الإسلامية إلى العالم بأسره، إنطلاقا” من المنطقة. كما لا بد من الإشارة أن من بعد مقتل قاسم سليماني، بات السيد حسن نصر الله هو القائد غير المعلن لفيلق القدس ومحور المقاومة.

5) في مرحلة رئاسة دونالد ترامب، طرحت مسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، عبر إطلاق الإتفاق-الإطار من قبل الرئيس نبيه بري. شكلا”، لم يعارض حزب الله، إجراء لبنان الرسمي مفاوضات عبر الوسيط الأميركي وتحت مظلة الأمم المتحدة، وظل متنبها” أن لا تتحول هذه المفاوضات، إلى بداية تطبيع مع إسرائيل أو مقدمة له، وأن لا يلتحق لبنان بمسار الإتفاقات الإبراهيمية بين بعض الدول العربية وإسرائيل. تركت حينذاك مهمة إدارة هذه المفاوضات للرئيس ميشال عون، حليف حزب الله،  الذي شكل فريقا لبنانيا عسكريا-تقنيا “ذات ثقة”، و”اللبيب من الإشارة يفهم”.

6) إن إثارة التوقيع على المرسوم 6433، بحجة الحفاظ على حقوق وثروة لبنان الغازية، في هذا الوقت بالذات والذي أعدته حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 ووضعته في الدرج من وقتها، يثير التساؤل. فقد تم التفاوض على الحدود البحرية على أساس خط هوف الذي حدد المنطقة المتنازع عليها ب 860 كلم٢،  وإقترح عام 2012 أن يحصل لبنان على 500 منها وإسرائيل على 360. وعقدت أربع جلسات تفاوض، أولها بتاريخ 14 تشرين الأول 2020 ورابعها بتاريخ 11 تشرين الثاني 2020، من دون التوصل إلى أي نتيجة. وإتفق على عقد جلسة خامسة لم يحدد موعدها حتى الآن.

7) إن المرسوم 6433 يجعل مساحة المنطقة المتنازع عليها ما يقارب ال 2400 كلم٢. من الواضح أن من لا يرغب بزواج بنته يرفع قيمة مهرها.

8) قيل أن الجيش هو المتمسك بهذه المقاربة. والحقيقة، هي أن لجنة التفاوض هي التي أصرت على هذه المقاربة، وإصرارها عليها قد يكون مطلوبا” منها. فكلمة الحق ليست دائما” بريئة، وتذكرني بالمثل الشعبي: “كلمة حق يراد بها باطل”. وأحد الأهداف من وضع الجيش في مقدمة المطالبين بهذه المقاربة قد يكون لضرب مصداقيته عموما” ومصداقية قائده العماد جوزيف عون خصوصاً بالإيحاء أن “موقف الجيش”، هو تقديم أوراق إعتماد عماده لحزب الله للوصول إلى رئاسة لجمهورية، باتت في خبر كان. وهنا، لا بد من التذكير بالحملة على الجيش التي أطلقت شرارتها بإحدى إطلالات السيد نصر الله منذ شهرين. فالجيش هو ركيزة الدولة اللبنانية المتبقية، والتي تشكل الإحتياطي الوحيد لإعادة قيامتها.

9) حقق طرح المرسوم 6433 جملة أرباح داخلية لحزب الله:

  • أ) سعى الرئيس عون وحلفاء الحزب، ولو تناقضوا شكلا” معه، لتعويم حكومة حسان دياب كما إقترح السيد نصر الله في آخر إطلالة له.
  • ب) تنافس الموارنة على كسب ود الحزب، بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية. وأهم رسالة وصلت له من الدكتور سمير جعجع، عبر تصريح النائب جورج عدوان بشأن ضرورة إجتماع حكومة دياب لإقرار المرسوم 6433، وضرورة توقيعه من عون بحال تخلف دياب عن القيام بما هو مطلوب منه (بالإضافة إلى رسائل سابقة بدعم التدقيق المالي، حتى لو كان موقف جعجع سابق لموقف عون بهذا الخصوص، والهجوم على حاكم مصرف لبنان رياض  سلامه).
  • ج) مزيد من إضعاف الأطراف اللبنانية وإخضاعهم لسطوته من خلال ترك تناقضاتهم السلطوية تأخذ مداها دون أن يتدخل لوضع حد لها. وهو قادر على ذلك.

10) ولكن الأهم من كل هذه المكاسب، يأتي إستخدامه لهذه المقاربة بالإضافة إلى إمساكه بتشكيل الحكومة، للضغط على الإدارة الأميركية لإخضاعها للشروط الإيرانية في مسار عودتها إلى الإتفاق النووي. وإدارة بايدن على طريق الخضوع لهذه الشروط، ولا سيما أن المعاهدة الإستراتيجية الصينية-الإيرانية دعّمت مواقف طهران في التفاوض مع واشنطن.

11) من الواضح أن لوبي الشركات المتعددة الجنسيات والشركات الأميركية العملاقة بالتعاون والتنسيق مع الشركات الأوروبية تضغط بإتجاه الإستعجال بالعودة إلى الإتفاق النووي مع إيران. وإذا حصل هذا الأمر سوف يترافق مع رفع الفيتو غير المعلن عن إستخراج الغاز اللبناني والإقرار بوضع لبنان تحت سلطة حزب الله. في الوقت المستقتع، يترك حزب الله مهمة تحسين شروط التفاوض للطبقة السياسية المارقة بمكوناتها كافة. وفي مطلق الأحوال، سوف يكمل طريقه في ربط النزاع مع إسرائيل لأن مشروعه الأيديولوجي “الإسلامي الجهادي” يحتم عليه هذا الخيار.

ولكن، هل سوف تسير الرياح كما تشتهي السفن؟! لا أعتقد!

إن وضع المنطقة على فوهة بركان. وحدة التناقضات ترتفع يوما” بعد يوم بين كافة الأطراف الدولية والإقليمية. الوضع الدولي والإقليمي في حالة توازن غير ثابت (unbalanced equilibrium).

السابق
أخيراً.. جائزة اللوتو الخيالية ربحها شخص واحد!
التالي
ما حقيقة شكوى سلامة للوكيل الأميركي حول المنصة المرتبطة بالدولار؟