محمد حسن الأمين..سيد «يفيض» بعد الرمق الأخير!

السيد محمد حسن الامين

في حضرة غياب العلامة السيد محمد حسن الأمين، ينهزم الموت، ويخسر جولة في وداع هامة دينية وقامة ثقافية، حاضرة ناضرة لا يأفل نجمها، متوقدة لا تنطفئ لها شعلة، قل نظيرها، تتضوع فلسفتها ورؤيتها عطر التجديد و الحكمة والصبر على إبتلاء ذوي القربى.. الأشد.  

في حضرة العلامة الأمين، العلامة  الفارقة في الذاكرة “الجنوبية” للبنانيين،  والأمين على بوابتها وعاصمتها مدينة صيدا، يُستعاد شريط ذكريات التسعينيات المعاصرة له، كمفكر اسلامي وطني و حُجة ثقافية و شاعر مرهف ملهم، و حالة استثنائية لا بل فريدة، في شرف الالتفاف حولها، وشغف الإحتضان المتبادل.

بين “أهل البيت” الصيداوي، شكّل السيد الراحل، جسداً لا روحاً، حجر زاوية العيش الواحد، ليس لكونه يقيم فيها بصفته الشرعية كعالم دين شيعي فحسب، انما بوصفه من طينة إنسانية حقة، مجبولة بالأخلاق الوطنية العالية، وإرث الود و السلم لمن خالط.

عاش السيد وهو يفيض علما وثقافة وادبا من كأس إمتلأ و لن ينضب

كان السيد و بيته الفسيح المتواضع، محجة أهل المدينة و عابري السبيل.. هنا المقر  والممر!

فقد تحول عنوان السيد الأمين الى جانب مهامه القضائية، التي أبدع في فقهها وتسخير أحكامها في خدمة الله والانسان على حد سواء، الى قِبلة ثقافية نضالية دعما لحقوق المستضعفين من اللبنانيين والفلسطينيين، يخوض أمامهم معركة  استرجاع الحقوق المسلوبة، من اي جهة كانت.

إقرأ أيضاً: رحيل العلامة السيد محمد حسن الأمين..الشيخ قبلان ينعى الفقيد الكبير: كان رجل علم وفكر وداعية حوار

متعة اللقاء الدوري مع السيد الأمين لا تضاهيها الا قوة الموقف، من القضايا الإشكالية التي تتحول إلى سبق صحافي، يفتح باب النقاش الداخلي، كما يثير الغضب الشيعي المستطير الذي يتربص به.. من ذوي العقول المتحجرة، وخصوصا لدى مقاربته الإجتهادية و “الجهادية” لقضايا الطائفة الشيعة و رموزها وطقوسها.

الداخل الى رحاب السيد، لا يخرج الا بأفكار متنورة طليعية، تسري في العقل والقلب والوجدان، وتتحول الى مشروع مبادئ عيش، تتمرد على زمان و مكان و رجال “لم يعاهدوا الله”.

الداخل الى رحاب السيد لا يخرج الا بأفكار متنورة طليعية تسري في العقل والقلب والوجدان

شخصية السيد  الآسرة “السهلة الممتنعة”، جعلت من  مواقفه، على قلة كلامها وكثرة معانيها و خلاصاتها الكامنة بين سطورها، خارطة طريق إنسانية لبنانية خالصة، تؤمن بالعلمانية التي تؤدي الى الدولة المدنية، “و لو كره الكارهون”!

تتوالى الأيام واللقاءات لتحرض على سؤال “شخصي”،  لا بد من  إستئذان السيد لطرحه.. حينذاك استوى على مقعده، و رسم إبتسامة الخفر المعهودة، وما على السائل وقتها الا ان يتهيب. و يسأل”: كيف يمكن ان تستفيض في شرح المسائل الشائكة بهذه السلاسة والأريحية والجرأة الدينية والأدبية، وكأنك تقرأ في كتاب مفتوح؟”.

الفقيد الكبير كان العلامة الفارقة في الذاكرة “الجنوبية” للبنانيين  والأمين على بوابتها وعاصمتها صيدا

وسرعان ما رسم سماحة السيد لحظات ملامح تعكس سماحة متوهجة تشفع للسائل، ليجيب بإقتضاب”: الكأس يفيض عند الإمتلاء!”. 

عاش السيد وهو يفيض علما وثقافة وادبا، من كأس إمتلأ و لن ينضب.. حتى بعد الرمق الأخير، و مات من دون ان تخلو  سنواته من غيض من فيض!  

السابق
رحيل العلامة السيد محمد حسن الأمين..الشيخ قبلان ينعى الفقيد الكبير: كان رجل علم وفكر وداعية حوار
التالي
في رثاء السيد محمد حسن الأمين..الحمدلله إنّا عرفناك