اللحوم «مُحرمة» على اللبنانيين «المذبوحين» من أسعارها.. وتهريبها!

ملحمة لحوم

منذ بداية شهر نيسان الحالي يعيش سوق اللحوم الحية في لبنان إضطرابا، يترافق مع إقفال القصابين لملاحمهم ووصول سعر كيلو اللحمة البقر إلى 70 ألف ليرة (في المناطق الشعبية). هذا الإضطراب ليس الأول من نوعه منذ بداية الأزمة الإقتصادية في لبنان في خريف العام 2019 ومن المتوقع أن يتكرر في الأيام المقبلة أي خلال شهر رمضان المبارك لأسباب عدة منها، إمتناع تجار وشركات عن بيع الأبقار الى السوق المحلي بالسعر المدعوم، إضافة إلى تهريب الأبقار الى سوريا بكمّيات كبيرة والثاني تصدير الأغنام الى الخليج العربي أي تفريغ السوق المحلي من الثروة الحيوانية ممّا يرفع ثمنها تلقائياً.

إقرأ أيضاً: السلطة تُصفّي حساباتها بالخبز والبنزين..وغليان شيعي معيشي!

كل هذه التطورات تجري في الوقت الذي تبدو فيه وزارة الاقتصاد غائبة عن التصدي لهذا الملف بالشكل المطلوب، وأيضا غائبة عن السمع حين يتم الاتصال بالمسؤولين فيها للإستفسار، في حين أن وزارة الزراعة التي تعنى بهذا الملف بشكل جزئي تقول أن دورها هو  تقني وفني تقوم به على أكمل وجه وليس رقابيا كما هو حال وزارة الاقتصاد. وعند سؤال القصاّبين وتجار المواشي فإنهم يرمون الكرة في ملعب وزارة  الاقتصاد ومصرف لبنان، الذين يتأخرون في البت في الملفات المقدمة إليهم من التجار وفي الموافقة عن صرف أموال الدعم .

الدوامة مستمرة

هذه الدوامة التي تدور بها أزمة اللحوم في لبنان يدفع ثمنها المواطن اللبناني من جهتين، الاولى حرمانه من أبسط حقوقه في تأمين الغذاء الضروري لمعيشته، والثاني من جيبه لجهة تحليق أسعار اللحوم لتصبح حكرا على الميسورين، لكن أسوأ ما في هذه الدوامة هي أنها مرشحة للتجدد في أي يوم، لأن المعالجات الجذرية غائبة وهذا ما يوافق عليه جميع المعنيين بالملف .

التهريب ماشي

تهريب المواشي إلى سوريا والخليج هو القطبة المخفية التي تزيد من طين أزمة اللحوم بلة في لبنان ، ويقول العارفون بسوق المواشي لـ”جنوبية” أن تهريب الاغنام التي يتم شراءها من سوريا وتركيا إلى دول الخليج يتم بالآف أسبوعيا (ما يزيد عن 10 آلاف رأس غنم) من أجل الحصول على الدولار الكاش  في الوقت الذي يشترون هذه الأغنام بالدولار المدعوم (3900 ليرة). أما في موضوع الأبقار فلا يختلف الوضع فبحسب الكشوف والإعتمادات المصرفية يفترض أنّ في لبنان حالياً أكثر من 35 ألف رأس بقر، إلّا أنّ شحّ السوق المحلي ناتج من التهريب الى سوريا، وإمتناع التجّار عن بيع المدعوم إلا بعد أن يقبضوا أموالهم مسبقا من مصرف لبنان .

يروي رئيس نقابة القصابين ومستوردي المواشي معروف بكداش لـ”جنوبية” أنه “سأل وزير الاقتصاد راوول نعمة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في أحد الاجتماعات، إذا كان هناك ضمانات لحصول تجار المواشي على أموالهم في حال أنزلوا البضائع إلى الاسواق قبل أن يصرف المصرف المركزي، مستحقاتهم فأجابوا بالنفي”، معتبرا أنه ” أمام هذا الواقع لا يمكن تحميل المسؤولية لقصابين والتجار”.

يضيف:”أنا مهتم بتأمين اللحوم لكل اللبنانيين، ولكن المشكلة أن آلية الدعم المعتمدة من 3 جهات(  وزارتا الزراعة والاقتصاد ومصرف لبنان)، والجهات التي نستورد منها المواشي لا ترضى بالتصدير إلى لبنان إلا بعد نيلها المستحقات “كاش” بسبب الاوضواع المالية المعروفة في لبنان”.

 بكداش لـ”جنوبية”: أزمة اللحوم ستتكرر في شهر رمضان 

ويلفت إلى أن “هناك تجار يدفعون ثمن المواشي نقدا بسبب تأخر آلية الدعم، فيضطرون لبيعها على السعر الذي إشتروها فيه أي بحسب سعر دولار السوق السوداء، وهناك من يخاطر ويبيعها بالسعر المدعوم إلى أن يقبض أمواله لاحقا، وهناك  تجار يحجزون المواشي ولا يسلمونها للقصابين  إلى أن يقبضون أموالهم  من مصرف لبنان”، مشيرا إلى أن “حجم إستيراد لبنان من اللحوم الحية شهريا ( منذ بداية الازمة الاقتصادية) ب7 بواخر على الاكثر في حين أنه قبل الازمة الاقتصادية كان يصل عدد الشحنات إلى 20 شحنة شهريا “.

لا ينفي بكداش أن “تتكرر أزمة اللحوم في شهر رمضان طالما هذه الآلية للدعم والـتأخير الحاصل فيها مستمر”، معربا عن أسفه أن “قطاع المواشي كما البلد يسير وفقا لمقولة” إمشي على ما يقدر الله” والسيناريو الذي مررنا في الاسبوع الماضي يمكن أن يتكرر في أي يوم”. و يختم:”لذلك نناشد جميع المسؤولين التحرك لتلافيها خلال الشهر الفضيل” .

الزراعة تنجز الملفات سريعا

على ضفة وزارة الزراعة يؤكد وزير الزراعة عباس مرتضى لـ”جنوبية” أن “ملف اللحوم هو من إختصاص وزارة الاقتصاد التي من المفروض أن تراقب كيفية دخول المواشي المدعومة إلى لبنان”، مشددا على أن “كل تجار المواشي يجمعون على أن وزارة الزراعة تنهي ملفاتهم خلال يومين لأن مهمتها تقتصر على تحديد الدول المسموح إستيراد المواشي منها، وتحديد نوعية المواشي التي يُسمح بإستيرادها وفحصها بعدما تصل إلى مرفأ بيروت”، ويشير إلى أنه “ينتهي دور الوزارة عن هذا الحد أما حين تصبح هذه المواشي لحوم مبردة وحيّة، فهي من إختصاص وزارة الاقتصاد لجهة مراقبة توزيعها على الاسواق وتحديد أسعارها ومنع الاحتكار” .

مرتضى لـ”جنوبية”: دور الوزارة “فني”

ويضيف:”كل الناس تخاطبنا كوزارة ونحن نقوم بواجبنا في هذا الاطار ولكننا لسنا الجهة الصالحة للمراجعة بهذا الامر، وحسب متابعتنا لهذا الملف فإن التأخر يحصل في الموافقة على ملفات تجار المواشي في وزارة الاقتصاد وفي مصرف لبنان” .

عباس مرتضى
عباس مرتضى
السابق
سويد في رحيل العلامة الأمين: رحل مهموماً بأوجاع زمننا اللبناني
التالي
المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز ينعي العلامة الأمين: غيابه في هذه الظروف هو خسارة على المستوى الوطنيّ!