قرار تاريخي للأمم المتحدة في اغتيال لقمان سليم: المُجرم سيُعاقب مهما علا شأنه!

خلال تشييع لقمان سليم

قرار تاريخي سجّلته الأمم المتحدة اليوم الثلاثاء معريةً الدولة اللبنانية التي لا تزال عاجزة عن اسقاط الستار عن قتلة المعارض والباحث السياسي لقمان سليم، الذي هزت جريمة اغتياله في الرابع من شباط لبنان والعالم، وأعادت الى أذهان الأحرار في لبنان حقبة تاريخية مؤلمة عندما دفع عدد من الصحافيين والسياسيين دمائهم ثمناً للحرية بوجه القمع.

فبعد اغتياله في الرابع من شباط، لا تزال التحقيقات في جريمة اغتيال سليم في الدروج المغلقة، فيما تنتظر عائلته كما الرأي العام اللبناني لمعرفة من هو قاتل سليم الذي كان واضحاً في مواقفه الرافضة للسلاح غير الشرعي ومن المطالبين البارزين لمعرفة من جاء بشحنة الأمونيوم نايترايت الى مرفأ بيروت وتسبب بمقل مئات الأشخاص وجرح وتشريد الآلاف في حادثة هزّت العالم ووصفت بالفاجعة.

وعلى ما يبدو، فإن من تستّر على جريمة العصر يتكتّم ويضغط للتستّر ايضاً على من اغتال سليم بـ 6 رصاصات في الجنوب اللبناني -معقل حزب الله- ما دفع الأمم المتحدة اليوم لإتخاذ قرار لم يسبق للبنان ان شهد مثله في تاريخه، حيث تبنى 3 مقررين في الامم المتحدة، فرع حقوق الانسان، اليوم، قضية سليم، “على خطى ما حصل عقب جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وتقطيعه في قنصلية بلاده في تركيا” حسبما لفت بيان عائلة سليم.

وحسن المعلومات التي وردت لـ”جنوبية” “لم يسبق في تاريخ لبنان، قبل عملية اغتيال سليم، ان وجه ثلاثة مقررين خاصين من مقرري مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بلاغا مشتركا للحكومة اللبنانية يتعلق بعملية ارهابية حصلت على الأراضي اللبنانية.ففي 22 آذار 2021 ورد على موقع مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة مقتطفات من بلاغ مشترك تم توجيهه للحكومة اللبنانية من قبل السيدة اجنيس كالامار (Agnès Callamard) المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء،  والسيد دييغو غارسيا سايان (Diego Garca Salan) المقرر الاممي الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، والسيدة ايرين خان (Irène Khan) المقررة الأممية المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير”.

وحسب المعلومات “فقد أكد المقررون الثلاثة في بلاغهم أنه ينبغي للحكومة اللبنانية أن تنظر في طلب مساعدة تقنية دولية للتحقيق في مقتل سليم الذي عثر عليه مقتولاً بالرصاص في سيارته في 4 فبراير (شباط) 2021 في جنوب لبنان، وهي منطقة خاضعة لسيطرة حزب الله. وقالوا كذلك إن مقتل لقمان سليم يبدو مرتبطاً بنشاطه في المجتمع المدني”، واضافوا: “نحن قلقون للغاية من أن مقتل سليم في حال غياب المساءلة قد يكون له تأثير مروع عميق على حرية التعبير في لبنان، كما ان لقمان سليم كان ناشطاً في تساؤلاته عن سبب وطريقة نقل المواد الكيماوية الخطرة التي انفجرت في ميناء بيروت، مما أدى إلى مقتل 205 أشخاص وإصابة أكثر من 6500 بجروح”. وقالوا إنه “يجب إجراء تحقيق كامل في أي علاقة مزعومة بين الانفجار واغتيال سليم” الذي تعرض قبل مقتله لـ”ترهيب ومضايقات وتهديدات متكررة وطلب الحماية علناً”. وأضافوا أنه “كان على الحكومة التزام اتخاذ كل الخطوات التي يمكن توقعها بشكل معقول لحماية سلامة سليم”، مؤكدين أن “عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى تحميل الدولة مسؤولية انتهاك حقه في الحياة”.

وقد حض المقررون الامميون السلطات على “إنهاء الإفلات من العقاب السائد وإعادة الثقة في مؤسسات العدالة من خلال تدابير على غرار إنشاء لجنةمستقلة ومحايدة للتحقيق في فشل التحقيقات السابقة المتعلقة بقتل المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والسياسيين في لبنان”. وقالوا إنه “ينبغي للحكومة أن تنظر في دمج وحدة من الخبراء الدوليين لتقديم المشورة ودعم التحقيقات في جرائم القتل المزعومة ذات الدوافع السياسية وضمان المساءلة”، كما نصحوا الحكومة اللبنانية بأن تطلب مساعدة تقنية دولية من أجل ضمان إجراء تحقيق موثوق وفعال في القتل الوحشي الذي تعرض له المعارض البارز لحزب الله لقمان سليم وتقديم الجناة إلى العدالة”.

فيما لفت بيان صادر عن عائلة سليم ان “هذا الخبر ـ أي خبر صدور البلاغ المذكور ـ مرّ مرور الكرام في وسائل الاعلام المحلية، ربما بسبب عدم ادراكها لدور هؤلاء المقررين الدوليين واهمية ما قاموا وسوف يقومون به وعلى ما يمكن ان تؤول اليه مبادرتهم. حتى ان وسائل الاعلام المحلية لم تلاحظ ان أحد المقررين الخاصين الذين أصدروا البلاغ المذكور وهي السيدة اغنيس كالامار هي نفسها التي اهتمت بقضية جمال خاشقجي والتي اصدرت التقرير الذي يدين المحققين الذين اهتموا بهذه القضية والمرتكبين والمحرضين، وهو التقرير الذي سوف يطارد الأشخاص المذكورين فيه مهما علا شأنهم وعظمت مراكزهم أمام كافة المراجع الدولية حتى آخر رمق من حياتهم.كما مر الخبر نفسه مرور الكرام أمام السلطات اللبنانية سواء منها القضائية او السياسية دون ان يصدر عنها أي تصريح او بيان يشير الى اهتمامها بما ورد فيه أو سعيها للسير بتحقيق جدي ونزيه يتوافق مع المعايير الدولية. وربما كانت المراجع القضائية والحكومية لا تدرك أيضا دور المقررين الدوليين الخاصين ولم تتابع قضية جمال خاشقجي ولم تفقه لمدى للآثار التي نتجت وسوف تنتج عن التقرير الاممي الذي صدر بالنسبة لهذه القضية”.

فمن هم هؤلاء المقررين الخاصين الدوليين وما هو دورهم؟

المقرر الاممي الخاص (ويشار إليه بالفرنسية بـ”Rapporteur spécial des Nations unies”) خبير مستقل مفوض من قبل مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة وفقا للإجراءات الخاصة المتبعة لمتابعة القضايا التي تهم حقوق الانسان في العالم والتي تدخل ضمن اطار تفويضه.

هناك اليوم 12 مقررا خاصا يقتصر تفويض كل واحد منهم على دولة معينة و44 مقررا خاصا كل واحد منهم مفوض بموضوع معين.

طبقا للقرار رقم 1/5 تاريخ 18 حزيران 2007 الصادر عن مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة يتم اختيار المقررين الخاصين وفقا لمعايير موضوعية بحيث يؤخذ بعين الاعتبار خبرة المقرر على الصعيد الدولي في مجال حقوق الانسان واستقلاليته وحياده ونزاهته وسمعته. ويتمتع المقررون الخاصون يقدر كبير من الاحترام على الصعيد الدولي وهم لا يمثلون حكوماتهم ولا أي حكومة أخرى، يعملون بكل استقلالية ولا يتلقون أي راتب من الأمم المتحدة لقاء عملهم. يعمل المقررون الخاصون بكل استقلالية عن الحكومات ويلعبون دوراً مهماً في مراقبة الدول.

أما مجال التفويض الممنوح لكل مقرر من المقررين الامميين الخاصين فهو يحدد بموجب قرار صادر عن مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة.

تصل الى كل مقرر معلومات متنوعة تتعلق بالخروقات الحاصلة لمبادئ حقوق الانسان في مجال التفويض الممنوح له، فيقوم بدراستها وتقييمها قبل اتخاذ أي مبادرة. وعندما يتحقق المقرر ان الخروقات لمبادئ حقوق الانسان التي اتصلت بعمله تستوجب المتابعة فان الخطوة الأولى التي يقوم بها هي ارسال بلاغ او كتاب معجل الى الحكومة المعنية يطلب منها إيضاحات حول تلك الخروقات ويحدد لها الخطوات اللازمة للامتثال لمبادئ حقوق النسان التي تم خرقها. بعد هذه الخطوة الأولى، يقوم المقرر بمتابعة القضية وفقا لتطورها وغالبا ما يقوم المقررون الدوليون بزيارة الدول المعنية للقيام بتقصي الحقائق على الأرض وللتحقق من التزامها بالمعايير الدولية. وفي كل هذه المراحل يقوم المقرر بتنظيم التقارير ورفعها لمجلسحقوق النسان التابع لمجلس للأمم المتحدة، كما يقوم كل مقرر بتنظيم تقرير سنوي للمجلس المذكور، وهذه التقارير علنية يمكن لأي كان الطلاع عليها.

وبالاطلاع على هذه التقارير يتبين انها تقارير مفصلة تسمي الأشخاص والاشياء بأسمائها وتعطي معلومات دقيقة حول امتثال الدول والحكام والمسؤولين او عدم امتثالهم لمبادئ حقوق الانسان.

وبالنظر لشخصية المقررين الامميين الخاصين ومركزهم المعنوي في العالم، فان التقارير التي تصدر عنهم غالبا ما يكون لها اثرا مدويا على الصعيد الدولي، وهي وان كانت لا تعتبر بمثابة احكام قضائية، إلا انها تؤخذ بعين الاعتبار في العديد من الدول ولدى العديد من الجهات الدولية كبراهين دامغة وبحوث موثقة وذات مصداقية”.

اما عائلة سليم، فترى انه “بالعودة الى البلاغ الذي صدر يوم 22 آذار 2021 في قضية اغتيال لقمان سليم، فما يمكن ملاحظته انه يشكل بحد ذاته ادانة للحكومة اللبنانية التي لم تقم بحماية المغدور بالرغم من طلبه ذلك علنا خلال العام 2019، الامر الذي يشكل خرقا لحقه في الحياة، كما ان البلاغ المذكور يعتبر بمثابة وثيقة بالغة الدلالة على ان المقررين الامميين الثلاثة الذين اصدروه يعتبرون ان التحقيق في قضية الاغتيال لا يسير بوتيرة مرضية ولا يراعي المعايير الدولية، بدليل ان المقررين الثلاثة يطلبون من الحكومة اللبنانية الاستعانة بخبراء دوليين لمساعدتها على إتمام التحقيقات”.

اضاف البيان: “إذا كان المتابعون للشأن اللبناني وتفاصيله لا يعجبون ان لا يعير المسؤولون اللبنانيون، سواء منهم القضائيين او السياسيين، أي اهتمام لما صدر او سوف يصدر عن المقررين الأمميين، إلا ان تطور الظروف والمعطيات من شأنه ان يحمل لهؤلاء المسؤولين مفاجآت غير سارة، خاصة لمن يهمه منهم ان لا تتلوث سمعته على الصعيد الدولي وان لا يشار اليه بالبنان في عواصم العالم وان لا يتعرض لعقوبات دولية”.

وختم: “فالمقررون الامميون الذين أرسلوا بتاريخ 22 آذار 2021 البلاغ المشار اليه للحكومة اللبنانية لن يتوقفوا عند ما قاموا به وسوف يتابعون مجريات التحقيق بتفاصيله ويشيرون الى الشاردة والواردة بالنسبة لعملية اغتيال لقمان سليم في التقارير التي سوف يرفعونها لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة. وما على المسؤولين اللبنانيين سوى التمعن جيدا بما حصل في قضية اغتيال جمال الخاشقجي والتبعات التي يتحملها وسوف يتحملها من قرر وخطط ونفذ عملية الاغتيال تلك.وفي المحصلة، سواء شاء البعض أم ابى، فإن قضية لقمان سليم قد تم تدويلها بفعل البلاغ المذكور ولم يعد بالإمكان انكار ذلك. والتجربة تفيد ان وقع التقارير التي تصدر عن المقررين الأمميين وأثرها على الأشخاص والجهات والحكومات في العالم يمكن، ولو بعد حين، ان يكون اشد وأقسى من وقع الاحكام القضائية التي لا يمكن تنفيذها”.

السابق
وساطة من «الفاتيكان» لتشكيل الحكومة في لبنان.. هل يخرج الدخان الأبيض؟
التالي
نائب لبناني جديد يُعلن اصابته بكورونا.. من هو؟