حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: سطوة النفوذ أضنى من الإحتلال

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

اثار خطاب السيد نصرالله جملة من ردات الفعل والتعليقات، تراوحت بين تبني الانذارات التي أطلقها، او اثارة مخاوف الناس من تهديدات أعلنها، بعد أن أشار ان الازمة او “خلقه ضاق” حتى وصل الى طرف انفه، وبمحصلة الخطاب فقد تراجع نصرالله عن تأييد حكومة المهمة التي تبنتها المبادرة الفرنسية، فتولى بنفسه مهمة التعطيل بعد ان كلف بها، قمري الاصلاح عون وباسيل، اللذين حملا اعباء المهمة طويلا، حتى ناءت كواهلهما بأثقالها، وتسببت بعزلتهما وضعفهما، وكما في سباق بدل العدائين فان علم التعطيل قد اصبح في يد السيد بعد ان انهك حمله الجنرال.

ولعل سبب تحرك نصرالله لم يكن لإراحة حليف انهكته موجبات الوفاء فقط، بل لعل زيارة وفد حزب الله الى موسكو قد كشفت أن المسافة التي تقدمت في تحقيقها المبادرة الفرنسية، قد وصلت الى نقطة حرجة، استدعت ان يحل في قيادة التعطيل الاصيل بديلا للوكيل.

واستدعت ان يشرح نصرالله بنفسه، ليس الى اللبنانيين وغيرهم من دول العرب والغرب، بل أساسا لمسؤولي ايران اولا، لقيادة الحرس الثوري ثانيا، لولي امر حزب الله، المرشد الخامنئي ثالثا، ان التزام حزب الله بربط تشكيل الحكومة اللبنانية من خلال المبادرة الفرنسية، بسعي فرنسي لفتح مسارات اوروبية للتفاوض الاميركي الايراني حول ملفها النووي، هو قائم ومستمر رغم كل ظروف لبنان وعذاباته.

المبادرة الفرنسية وصلت الى نقطة حرجة استدعت ان يحل في قيادة التعطيل الاصيل بديلا للوكيل

وصنعة شراء الوقت، أو اضاعته، وممارسة مكابدة عناء الانتظار بالتفاهات، اصبحت تقليدا لبنانيا، يملؤ حوارات الشاشات وصفحات الصحف بفبركات وترهات أولها ” مسألة سحب التكليف” الذي يطلقه اعلام القصر الجمهوري ويردده المتكلمون في ندوات كثيرة؛ والجواب ان من يسحب التكليف هو المرجعية أو الجهة التي أعطت التكليف؛ وهي الاكثرية النيابية، وسحب التكليف له آلياته الدستورية وتوقيته وكلا الامرين مدرجان في النصوص الدستورية، وهما موعد جلسة منح الثقة ومناقشة بيان الحكومة الوزاري.

أما رئيس الجمهورية فهو ناقل التكليف، المنطلق من الاكثرية النيابية، والمكلف بإصداره بمرسوم، ضمن صلاحيات مقيدة، هي الاستشارات النيابية الملزمة، والتي يتوجب عليه أن يُطلع رئيس مجلس النواب على نتائجها، ويلتزم بها.

الترهة الثانية هي تصوير الأزمة انه لا حل دستوري لها، وانها معضلة يتوجب تعديل الدستور لاجلها، وهذه ليست أكثر من نفاق وكذب!.

والحل سهل ومتاح وهو يقتضي ان يمضي رئيس الجمهورية تشكيلة الحريري، كائنا ما كانت، ولتقم بعدها الاكثرية النيابية بحجب الثقة فيذهب الحريري وتشكيلته الى المنزل.

وعندها سيتمكن حزب الله وحلفائه من تشكيل حكومة كما يريدوها، وبالأجندة والاصلاحات التي يزعموا تبنيها، وسيصبح التوجه شرقا قرارا رسميا، وتجهيز لبنان بنفط وكهرباء وسلاح ايراني قرار يصدر عن سلطات قانونية.

لماذا لا يريد نصرالله ذلك!؟ رغم انه دعانا الى هذه الخيارات اكثر من مرة وكرر على مسامعنا حلوله الاقتصادية والاجتماعية فلما لا يذهب قدما اليها!؟ والجواب بسيط وسهل، وهو على مستويات ثلاثة اقليمي ولبناني واقتصادي:

على المستوى الاقليمي، ان تمرير الحكومة بالنسبة له ولايران هي سلعة للمقايضة حول الملف النووي الايراني، وليست اداة حكم وسلطة إجرائية، لادارة موارد لبنان ومؤسساته ومرافقه وقطاعاته الإنتاجية وسبل عيش ابنائه، وحسنا فعلت فرنسا، بانها انخرطت بمبادرتها، لأنها يمكن ان تكون وسيطا في الملفين معا.

على المستوى الاقليمي تمرير الحكومة بالنسبة لنصرالله وإيران سلعة للمقايضة حول الملف النووي

لذلك لبنان رهينة وليس محتلا، لا لشيء إلاّ لأن ايران لا تريد احتلاله، وعليه يذكر السيد نصرالله اللبنانيين تكرارا، بقدرته على الحسم العسكري، لكنه يمننهم بكرم امتناعه عن ذلك، فالرهينة تحفظ آمنة غالبا وعلى قيد الحياة، انتظارا للمقايضة.

للعلم تنص المادة الرابعة من النظام الداخلي لحزب الله على أن ” واجب حزب الله المقدس وتكليفه الالاهي هو ” الدفاع عن الجمهورية الاسلامية في ايران”.

اما على المستوى اللبناني، فان اللجوء الى تمرير التشكيلة في رئاسة الجمهورية واسقاطها في مجلس النواب سيؤدي الى زوال مهمة تصريف الاعمال، التي تقوم بها حكومة د. حسان دياب والتي من مهماتها استنزاف احتياط مصرف لبنان لإمداد النظام السوري باحتياجاته. وفي اليوم الذي يتمكن الجيش اللبناني من وقف قوافل التهريب الى سورية، ستفقد حكومة دياب مبرر بقائها! !

فالأزمة والمراوحة تؤمن لإيران الوقت والوسيط للعودة للتفاوض مع اميركا، وتؤمن للأسد تموين سوق استهلاكه، وتؤمن لحزب الله القرار الحكومي في مختلف المسارات. وصخب الاعلام وترهاته مهمته تمويه الأزمة، وتصويرها انها خلاف بين رئيس ماروني ورئيس وزراء سني على الصلاحيات والحصص.

أما المستوى الثالث الاقتصادي فهو الزعم ان ايران تريد تزويد لبنان بالنفط والكهرباء و غير ذلك فهو ينتمي الى عنتريات ايرانية فارغة من نوع الدقائق المحسوبة لتدمير اسرائيل، او القدرة الايرانية على اغلاق الممرات البحرية الدولية، واكبر دليل على خواء هذه الادعاءات هو عدم قدرة ايران، على مواجهة جائحة كورونا ( ٦١ الف قتيل اكبر خسارة في دول الشرق الاوسط) وعجزه عن امداد الاسد باحتياجاته الغذائية والنفطية وتكليف حزب الله استنزاف اقتصاد لبنان من اجل هذه المهمة.

إقرأ ايضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: كي تكون ثورة

حزب الله هو السلطة الفعلية في لبنان، يحكم من خارج المؤسسات ومن خارج القوانين والدستور، تماما كالنظامين الايراني والسوري، إنه يحكم بالأمن، لا يحترم حزب الله نصوص الدستور او القانون اللبناني، ولا يحرص على تنفيذها، تماما كما لم ينفذ الحرس الثوري الايراني دستور ايران الذي وضعه الخميني في عهد الرئيس محمد خاتمي، حزب الله يريد تشكيل حكومة تشكل غطاءا لسلطته الفعلية ؛ ولذلك فان تعاطي هذا الحزب مع اي مؤسسة هو بمدى ما تمنحه من تغطية وشرعية لبنانية، عربية، أو دولية، لمنظومته واجندته السياسية المرتبطة اساسا بفيلق القدس وايران الخامنئي. كل محاولة لتشكيل حكومة او اطار سياسي لا يلبي هذه الحاجة لديه سيجهضها حزب الله في مهدها.

حزب الله هو السلطة الفعلية في لبنان يحكم من خارج المؤسسات ومن خارج القوانين والدستور

أمران لا يتحملهما حزب الله؛ قيام حكومة مستقلة، لا تخضع قراراتها لسلطته ولا يملك حق الفيتو بها، والامر الثاني، قيام حكومة على صورته وتكون حكومته التي يسأل عن اعمالها ويحاسب على سياساتها.

الاسئلة التي يطرحها اللبنانيون عن حلول مالية واقتصادية، ووقف انهيار العملة الوطنية ومعدلات الفقر والبطالة الخ… لا تؤرق نوم نصرالله، هذه امور لا تهمه بتاتا، هي واجبات تقوم ما تبقى من سلطة بتنفيذها، ليس لان حزب الله يحل مشكلة الشيعة عامة، كما يحلو لنخب الطوائف الاخرى غير الشيعية ان يزعموا، فالحقيقة ان توزيعات حزب الله المالية والنفعية لا تلبي حاجات اكثر من ٣٠ % من الشيعة واستمرار الحزب في تغطية هذه الحاجات أو تقليصها، مرتبط بقدرة ايران المالية في ظل العقوبات المفروضة عليها، اما فئة ال ٧٠٠ الف شيعي المتبقية فهم يعانون ذات معاناة اللبنانيين واكثر، بما في ذلك ضياع عشرات المليارات من دولارات ودائع مهدورة في النظام المصرفي لمتمولين شيعة. وهؤلاء جميعا لن يكونوا موضوع عنايته او اهتمامه.

السابق
بالفيديو: عائلة لقمان سليم تحيي أربعينيته..وزوجته: مستمرون
التالي
حسين شمص لوفيق صفا: دموع والدة حسن شمص ستلاحقك حتى القبر!