حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: حُكم الانذال!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.
  1. ان يسعى احدهم لنيل وظيفة عامة عبر متنفذ او سياسي او حزب، لينال راتبا شهريا، على وظيفة غير موجودة، او ان يكون الدوام فيها لا وجود له، فذلك تكسب غير مشروع من اموال عامة، من جهة اولى، وصرف نفوذ وزبائنية سياسية من جهة ثانية تنال المتنفذ او الحزب او السياسي.

تلك هي ممارسات سادت خلال عشرات السنوات، وانتجت الاف الوظائف الوهمية في الوكالة الوطنية للاعلام والبلديات والمنتدبين في التعليم الثانوي من التعليم الاساسي، كما في ملاكات وزارة الزراعة والصحة والاسكان او مؤسسة الريجي ومصالح المياه، اضافة لشركة سكك حديد الدولة وملاكات مصفاتي النفط في طرابلس والزهراني حتى غدا في هيكل الادارة العامة والتعليم والمؤسسات العامة؛ بنيتان:

  • بنية تعمل وتنال رواتب مجحفة
  • بنية اخرى لا تداوم الا قليلا ولا تعمل وتتقاضى نفس الرواتب
  1. ان يأتي احدهم الى منصب مسؤولية عامة يشغله باسم الناس ليرعى مصالحهم ويدير شؤون حاجاتهم ويؤمن ضرورات عيشهم، لكنه يهمل كل ذلك ويكتفي من المنصب بجاهه، ومن الوظيفة بعائدها او راتبها المالي….يحدث ذلك في الملاكات العليا، في مؤسسة كهرباء لبنان ومصالح المياه المنتشرة في كل محافظات واقضية لبنان وفي قطاع النقل والاتصالات الهاتفية ،ارضية كانت او خلوية، وفي البريد والمطار والمرفأ وفي دوائر نفوس الاحوال الشخصية، وفي ادارة الضمان الاجتماعي والمؤسسة الوطنية للاستخدام، وهو امر يشل هذه القطاعات ويخفض مستوى وجودة خدماتها، ويجعل من موازنات التجهيزات والبنى التي اقيمت لتسييرها واستثمارها، اموالا لا تجني عوائدها ولا تلبي بكفاءة مقاصدها. وتوصيف ذلك أنه اهمال وظيفي وتهرب من مسؤولية يعاقب عليها قانون الوظيفة العامة وتستدعي تأديبا يصل الى حد الصرف من الخدمة والتسريح من المنصب.
  2. ان يتبوأ شخص ادارة مرفق عام يقدم خدمات اساسية لكل لبنان عبر مؤسسة عامة، تمتلكها الدولة، فيستنكف عن وضع خطة لتطوير المؤسسة، واستشراف افاق توسعها وتطويرها، لتلبي الحاجات الجديدة المتولدة عن زيادة الطلب وتوسع السوق، ويدير المؤسسة كيفما اتفق، فتتردى خدماتها وتتعطل نشاطاتها، وتتدنى انتاجيتها، فلا يبالي او يهتم لذلك، بل يمعن في حشر الاف المحاسيب ضمن ملاكاتها الادارية، دون اي حاجة لهم او عمل مطلوب منهم، فذلك هدر موصوف لاملاك عامة، وتعطيل اجرامي لمرفق وطني تطاول خدماته كل فئات الشعب وطبقاته، وهي جريمة موصوفة بتعطيل وتخريب المرفق العام والتنكر لحقوق المواطن وخدماته.

الفساد الموصوف اعلاه هو فساد المساكين، الساعين الى الارتزاق، الذين لا يطمعون بأكثر من مردود عمل او وظيفة لا يستحقون اجرها او كل اجرها، لانهم لا يؤدون كل مستلزماتها وشروطها وواجباتها، وهو فساد البسطاء، طالبي السترة ومعتنقي صفة القناعة وتجنب الطمع والبطر والتشبيح وهؤلاء، رغم كثرتهم العددية وتواجدهم في كل المناطق والجهات، لا صوت يسمع لهم ولا حراك يجمعهم ولا يشكلون عامل ضغط او غضب او قوى انقلاب.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: ثورة ١٧ تشرين هي الأصل و حراك بكركي ثمرة من ثمارها

  1. ان ياتي احدهم الى تسلم وظيفة مفتاحية مالية, لها عائد رشوة جارية تتعلق بإنجاز معاملات الناس المالية، في تقدير الضريبة واستيفاء الرسوم المختلفة، كالجمارك ودوائر السجلات العقارية واستصدار براءات الذمة المالية والبلدية، ورسوم تسجيل وميكانيك السيارات ومعاملات صرف مساعدات الضمان الاجتماعي والصحي، وتراخيص البناء في البلديات وتسوية مخالفاتها مع هيئة التنظيم المدني، ونسخ محاضر ووثائق رسمية، واحكام وتنفيذ تبليغات في الشأن القضائي، وغض نظر مخافر الدرك والقوى الامنية عن الاعمال غير القانونية في البناء وحفر الابار الارتوازية الخ … فتلك ممارسات شائنة لانها تندرج ضمن جريمة التربح من الوظيفة العامة، والاثراء غير المشروع من السلطة، وتستوجب هذه الاعمال الطرد من الوظيفة ومصادرة اموال المرتكب وممتلكاته وايداعه السجن كعقوبه….

ينتمي هذا النوع من الفساد الى فئة فساد الازلام والمحاسيب، وهم فئة تستسهل تغيير الانتماء عند كل منعطف سياسي، فإن كانت السلطة بيد سياسي يميني كانوا مع اليمين، وإن كانت السلطة بيد إقطاعي انحازوا الى الإقطاع، وان كانت السلطة بيد طائفي اصبحوا حماة طائفتهم وحراس مصالحها، وان كانت السلطة سورية، اقاموا على ابواب مفارز مخابراتها، مع الفلسطيني كانوا فلسطينيين، وعندما اجتاح الاسرائيلي لبنان، لم يخجلوا من استقباله، حين كانت الموجة يسارية او تقدمية تلبسوا اقوال لينين وماتسي تونغ وانور خوجه، هؤلاء لا مبدأ لهم ولا فكرة ولا قناعة، سلوكهم يتلخص بقولين شعبيين: الأول “امشي مع الراعي وكول من زوادته” اما عن الولاء فيتلخص بالثاني ” كل من تجوز امي يصبح عمي”!!!

الفساد الأخطر هو فساد ثلاث فئات اخرى تتولى كل شريحة منها اختصاصا تختص به بشكل شبه دائم، وتديمه محميا ومستقرا وعلنياً!

هؤلاء يصح تشبيههم بعلقات طفيلية دأبها الكسب الرخيص من اي جسم حي، وفساد هؤلاء فساد بنيوي لايعالج، الا بدولة مؤسسات واجهزة رقابية من هيئات تفتيش وسلطات تأديبية تنتمي لدولة تستحق اسمها وتنفذ سيادة قوانينها.

وعلى الرغم من اتساع طبقات الفساد وانواعه المذكورة اعلاه، ومن خطورتها واثارها المدمرة على الاموال والممتلكات والخدمات العامة، الا ان هذا الجانب الخطير من الفساد ليس الجانب الاخطر والاكثر ايلاما وتدميرا…فثمة فساد آخر ادهى وأمضى وافدح ضررا وتأثيرا….وهو فساد ثلاث فئات اخرى تتولى كل شريحة منها اختصاصا تختص به، بشكل شبه دائم، وتديمه محميا ومستقرا وعلنيا:

  1. فساد رجال الاعمال والتعهدات وهم فئة من اصحاب الشركات التي تمتلك مؤسسات لديها رخص وموظفين ومعدات كاي مؤسسة ناشطة ومشروعة، لكن بنى هذه المؤسسات الشرعية، والقانونية، موصولة بمرجعية سلطوية نافذه في القرار السياسي والاجرائي، تؤهلها لتكون شريكة بالمناقصات والتعهدات وان تنفرد بنتائجها، لكي يتم ترسيتها عليها، اما من خلال عقود بالتراضي، واما من خلال مناقصات صورية، حيث تنافس كل شركة نفسها او نسخة شريكة منها، وتشكل هذه الشركات ورجال الاعمال هؤلاء، شركاء وغطاء للمرجعيات السياسية الاساسية في لبنان، وقد تكرست عمليات تقاسم التعهدات والالتزامات هذه، الى واقع، ان اصبحت اعمال كل وزارة او مؤسسة حكومية، مربوطة بجهة واحدة منفردة، تتولى مناقصاتها وتعهداتها، بشكل شبه دائم ومستمر عبر عشرات السنين… وقد نتج عن فساد بيئة الاعمال هذه ثلاثة أمور بالغة الضرر والخطورة؛

الاستثمارات الجديدة لاي صاحب مشروع جديد في اي منطقة من مناطق لبنان اصبح مرهوناً بموافقة سياسي نافذ في المنطقة

  • الاول ان المناقصات والتعهدات لم تعد تراعي كلفة حقيقية او جودة خدمة أومواصفة، تدرج في دفتر شروط، او تتوجب في لجنة استلام!
  • الثاني ان رجال الاعمال هؤلاء، اصبحوا تابعين اذلاء لدى مرجعياتهم السياسية، بدلا من ان تكون شركاتهم اطارا للعمل والكفاءة والتنافسية والجودة.
  • الامر الثالث في فساد بيئة الاعمال هذه ان الاستثمارات الجديدة لاي صاحب مشروع جديد، في اي منطقة من مناطق لبنان اصبح مرهونا، بموافقة سياسي نافذ في المنطقة، يقتطع من ارباحه اتاوة وحصة اكراهية في عديد العاملين فيه ويأخذ نسبة دون وجه حق من ارباح الاستثمار وعائداته.
  1. فساد الاحتكارات : يتغنى ارباب النظام اللبناني بان نظام لبنان هو رأسمالي حر، ديناميته تقوم على المبادرة الفردية، ويتناسى هؤلاء ان ضمان التنافس في السوق الراسمالية هو عنصر التوازن للضروري لنجاح النموذج وكفاءته، لكن راسمالية لبنان تقوم على الاحتكار، وفي ميادين اساسية من سوقه التجاري. وهذا كشف باحتكارات السوق اللبنانية التي تشرع فساد الاحتكار وفساد نمطنا الرأسمالي:

كارتيل الأسمنت

هو كارتيل إنتاج محلي محمي من 1993 عبر منع الإستيراد ويتحكم بالإسعار حيث ان سعر الطن في السوق المحلي :200 م $ أما سعر طن الترابة المعد للتصدير الى الخارج فهو أرخص (حتى ٦٠٪) من الطن في السوق المحلي، أما الكارتيل فهو مؤلف من:

  • أ_الترابة الوطنية (ال ضومط) : 41% من السوق
  • ب_هولسيم( شركة سويسرية) : 40% من السوق
  • ج_سبلين (بنك ميد، جنبلاط) :16% من السوق.

كارتيل سوق الحديد والفولاذ في لبنان

قيمة تجارة الحديد 179 مليون $ وكميته 350 إلى 500 الف طن. فيما تبلغ قيمة الحديد+ الفولاذ :750 مليون $ معدل ربحيته هو بين 100 إلى150 $/ في الطن، تسيطر 5 شركات على السوق :

  • أ_شركة دمكو (آغوب دمرجيان (50%)
  • ب_ Tannous SLM (طنوس سالم)
  • ج_ الموسوي( علي الموسوي)
  • د_-شركة رشاد قاسم
  • ه_ شركة جان يارد.

كارتيل القمح/الطحين

‏حجم الإستيراد القمح : 150 مليون $/

‏حجم استيراد الطحين:20 مليون $

‏نسبة الربح بين 30 ٪و100٪

‏هناك 5 لاعبين كبار من المطاحن :

‏شبارو، سنو،،…و5 أفران كبرى تسيطر على السوق:

  • ‏”شمسين” 25%
  • ‏”وودن بايكري” 15%.. القمح المدعوم للخبز يستعمل في صناعة الحلويات!!!

كارتيل الدواء في لبنان

حجم السوق المحلية 1.3 مليار $، 7% منها تصنيع محلي أي 50 مليون$ 5 شركات تسيطر على اكثر من نصف السوق وهي : فتال، ابو عضل، أبيلا، كتانة، كافتاغو / نسبة الأرباح : بين 7% و 100% ،5000 نوع دواء مسجل!!! معظمها جنريك، من دون الإحتكار نستطيع توفير 230 مليون $

كارتيل السيارات

بلغ حجم السوق17 مليار$ بين 2005 و 2019 بمعدل يفوق الـ 1.3 مليار سنويا وأكثر من 60 الف سيارة في العام، الوكلاء الحصريين ال 5 الكبار (66٪ من السوق):

  • أ_داغر حايك وشركة ناتكو :27.1%
  • ب_رسامني يونس وشركة ريمكو:14.3%
  • ج_ وليد رسامني وسنتري موتور12.7%
  • د_ بستاني ماشينري:12٪
  • ه_ بسول وحنينة:6%.

كارتيل لحم البقر والعجل

نسبة أرباحه في بعض الأحيان 200٪

قيمة تجارته 500 مليون $ إستيراد اللحم والمواشي.

الشركات التي تحتكر السوق هي :

  • أ_ راسم ترايدنغ
  • ب_نابلسي إخوان
  • ج_خليفة ترايدنغ
  • د_مصري للمواشي
  • ه_سيدرز ترايدنغ
  • و_ أحمد توفيق سليمان.
  1. فساد الجريمة المنظمة او النهب البدوي

وتشمل هذه الفئة رؤوس النظام السياسي وشخصيات نافذة في الدول الاقليمية الراعية لمنظومة الفساد اللبناني وتتناول اعمال هذه الفئة الاستيلاء على الرمول والكسارات والشواطى واحواض الانهر وردميات البحر واقامة المرافئ والمنتجعات السياحية خلافا للقانون واستثمار الملكيات البلدية والعامة دون وجه حق، وسرقة الاثار والسيطرة على عائدات المرافق السياحية، والاتجار بالمخدرات وادارة اعمال تزوير صناعة السيجار وتبييض الاموال وغيرها من صنوف الجريمة المنظمة.

ادرك الفاسد الصغير ان عائد فساده ذهب الى زعيمه: هكذا تشكلت حلقة متصلة بين امراء احزاب الطوائف و”رجال اعمالهم” و”محاسيبهم” وادارات “مصارفهم”!

فوق هذا الهرم الممتد لهذا الفساد المتشعب المتدرج المتشابك، المبني بصلات وقنوات تفضي كل حجرة من حجراته، الى الحجرة الاعلى منها مرتبة، والاقرب الى مركز السلطة والقرار، كان يجري سحب عوائد الفساد نحو المركز الاعلى، كما كان يجري ضخ ثروات اللبنانيين وجنى اعمارهم الحلال لتتجمع في ايدي فئة قليلة من الانذال، كان الفاسد الاصغر يستطيب فساده ويبرر فساد الارقى منه مرتبة، لانه كان يعتقد ان يسرق معه ويشاركه، في لحظة الافلاس الشامل وتبديد الودائع وذهابها الى عالم الذكرى والحنين، ادرك الفاسد الصغير ان عائد فساده ذهب الى زعيمه، هكذا تشكلت حلقة متصلة بين امراء احزاب الطوائف و”رجال اعمالهم” و”محاسيبهم” وادارات “مصارفهم”، وجعلت من افلاس شعب لبنان اكبر عملية سطو في التاريخ، قامت بها فئة هي نفسها بوجوه عديدة، وصفة واحدة وسيماء وجه واحد: النذل

والنذل لغة حسب لسان العرب : النذل والنذيل من الناس الذي تزدريه في خلقته وعقله، وفي المحكم الخسيس المحتقر في جميع أحواله، والجمع أنذال ونذول ونذلاء، وقد نذل نذالة ونذولة، الجوهري النذالة اي السفالة، وقد نذل بالضم، فهو نذل ونذيل أي خسيس.

وسينهض شعب لبنان اليوم او غدا وسيسقط حكم الانذال

السابق
بالصور: السلطة تستقدم العوازل الإسمنتية خوفاً من الغضب الشعبي.. ما الحقيقة؟
التالي
بعد تهديده بالاعتكاف عن تصريف الأعمال.. جنبلاط يردّ على دياب!