«أقانيم» الإمام شمس الدين تصدح في ذكراه العشرين: الديمقراطية والدولة المدنية والشيعية المستقلة

الشيخ محمد مهدي شمس الدين
في العاشر من الشهر الاول عام 2001 اعلنت وفاة رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رحل عن 65 عاما، بدأها مجاهدا بقلمه ولسانه لتثبيت حكم الاسلام، وانتهى مجاهدا بفكره المتوقّد ايضا في سبيل ازاحة كابوس الاستبداد الديني عن الامة.

ميزة الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ان فكره المتقدّم حمل أملا حقيقيا ببعث التجديد في المباني الفقهية والعقائدية في الاسلام، وتصويب اتجاهها نحو الحداثة، بعد طول استغراق من قبل باحثي النهضة في بعث التراث وتجميله، دون التجرّؤ على مقاربة تابوهات الحريات الوليدة في الغرب والديموقراطية التي كانت تعتبر من المحرمات على مستوى التشريع والعقيدة في مجمل العالم الاسلامي.

إقرأ أيضاً: «ولاية الأمّة على نفسها مقابل نظام ولاية الفقيه العامّة» للإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين

في البداية تأثر الامام شمس الدين في شبابه بفكر الحركة الاسلامية وشارك في تأسيسها في النجف الاشرف بالعراق عندما كان نزيل حوزاتها، فكتب ” نظام الحكم والإدارة في الإسلام”، عام 1954 وهو دون العشرين من عمره، وخصص اهداء مؤلفه الى الخلفاء الراشدين، في مبادرة غير مألوفة من داخل البيئة النجفية الشيعية المحافظة تعكس الوعي المتقدم والوحدوي الذي طبع فكر الشيخ الشاب في مرحلة التأسيس.

نقد الاحزاب الاسلامية 

غير ان الخشية من عودة الاستبداد الديني مع ظهور معالمه بعد ان قويت شوكة الاحزاب الاسلامية في عصرنا الحديث التي تمكنت من حكم بعض الأقطار العربية والاسلامية، فان الامام شمس الدين تحوّل لنقد الاسلام السياسي وتجارب حكمه في العديد من البلدان العربية والاسلامية التي لم تسفر الا عن مزيد من خراب سياسي واقتصادي وأمني، اضافة الى تفريخه لعدد من التنظيمات الارهابية الطائفية التي اطاحت بسمعة الاسلام عالميا، فكان لا بدّ من اعادة بث روح العدالة الانسانية كي تصدر تشريعات جديدة تعترف بالحريات المدنية وحقوق الانسان كثوابت ومسلمات لا بد من اعتمادها من اجل القيام بالاصلاح السياسي والاجتماعي والديني مقدمة لدخول المسلمين الى عصر الحداثة.  

 واليوم يجري اعادة الاعتبار لفكر عدد من الفقهاء المتنورين الذين تنبأوا للاسلام السياسي بهذه النهاية المأساوية وعلى رأس هؤلاء الإمام الشيخ  شمس الدين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الذي توفي منذ 20 عاما تاركا ثلاثة أقانيم لا بدّ للمسلمين من اعتمادها للنجاة بدينهم ودنياهم من أطماع الاستبداد الديني. أولها “ولاية الأمة على نفسها” (الديموقراطية)، التي تنتج الأقنوم الثاني وهو”الدولة المدنية” (دولة غير عسكرية وغير دينية)، اما الثالث فهو وجوب “عدم التحاق الشيعة بمشاريع طائفية مستقلة عن الأوطان”، فهذه الاوطان برأيه يجب أن تكون جامعة لكل الطوائف والأعراق.  

يجري اعادة الاعتبار لفكر عدد من الفقهاء المتنورين الذين تنبأوا للاسلام السياسي بهذه النهاية المأساوية وعلى رأس هؤلاء الإمام الشيخ  شمس الدين

تقوم “الدولة المدنية” المناقضة للدولة الدينية، من خلال نظريته ولاية الأمة على نفسها التي ارادها الشيخ ان تكون نقيضا لنظرية ولاية الفقيه التي جلبتها ثورة الامام الخميني الى الساحة الشيعية مع انتصارها في ايران عام 1979. 

وأساس تلك النظرية حسب الامام شمس الدين ان “الأصل الأولي هو عدم ثبوت ولاية أحد على أحد، فالإنسان وليّ نفسه، حرّ بطبيعته ومن حقه التعبير عن إرادته وتقرير مصيره”، بالمقابل فان فصل الدين عن السياسة لا يعني عند الامام تهميش الدين، أو جعله في حيّز ضيّق في حياة الفرد، فالدين يعيش في ضمير الأمة كلها، وهي التي تحميه لا الدولة، وبالتالي يجب ان تحترم الدولة المدنية خيارات الناس، وتؤمن مناخاً تسود فيه حرية المعتقد وإقامة الشعائر الدينية، كما أن عليها ألا تتدخل في عمل المؤسسات الدينية”.  

فصل الدين عن الدولة 

وجواز فصل الدين عن الدولة  بنظر الامام شمس يعود لحقيقة أن الشريعة مكونة من فقه عام وفقه أفراد. فقه الأفراد، أو فقه العبادات يسود في المجتمع، بغض النظر عن شكل الدولة ومؤسساتها، ويحتل موقعاً رئيساً في الشريعة، إذ هو فقه وضَعَ أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم خلال فترة المدينة، بينما لم يحدد وظائف مؤسسات الحكم، ولا الحكومة وأشكالها، والأمة من بعده هي التي حمت فقه الأفراد. أما الفقه العام فهو الفقه الذي يُعنى بالحكومة ووظائفها ومصدر شرعية الحكومة، والفقه العام أقل شأناً من فقه الأفراد، لأنه ليس نصياً، بل خاضع للاجتهاد، ويتسم بعموميته وتاريخيته، ولا يخوض بالتفاصيل، بالإضافة إلى أنه وضع لزمن غير الزمن المعاصر، بينما أحكام فقه الأفراد توقيفية، أي لا تتغير بتغير الزمان، و نصية، أي غير قابلة للاجتهاد.  

يؤكد الإمام شمس الدين على أن الحكومة الإسلامية بذاتها غير مقدسة ولم يأتِ بها تشريع

ويؤكد الإمام شمس الدين على أن الحكومة الإسلامية بذاتها غير مقدسة ولم يأتِ بها تشريع، إنما المطلوب أن يكون الإسلام حاضراً في المجتمع، وليس من خلال الدولة التي أصبحت أداة يخضعها المجتمع لتلوينه الثقافي العقائدي، لذلك  تبنّى الامام الديمقراطية بوصفها آلية للحكم، تنفذ مبدأ الشورى الإسلامي، ولا تتعارض مع الأحكام الإسلامية الأخرى.  

ولاية الأمة على نفسها تدحض “ولاية الفقيه” التي جعلها الامام الخميني أساسا لشرعية الحكم في ايران

ولمّا كان الأصل الأولي عند الشيعة في قضية بناء الدولة الإسلامية لا يجيز مشروعية تسلط إنسان على إنسان، فإنّ ولاية الأمة على نفسها تدحض “ولاية الفقيه” التي جعلها الامام الخميني أساسا لشرعية الحكم في ايران، فاي حكم اسلامي هو غير شرعي  الا اذا انتخبه الناس، ولا يكون غصبا عن ارادة المسلمين ”فالدولة حتى ترقى إلى مرتبة الأصل الأولي، لا بدّ من أن تنتهج خيار الديموقراطية في انتخاب الموظفين والمسؤولين الإداريين من طريق مجالس الشورى المنتخبة، أو بواسطة السكان بصورة مباشرة”.  

السابق
اصابة النائب علي خريس بـ«كورونا».. وهذا ما طلبته بلدية برج رحال من المخالطين
التالي
«الكورونا» يتفشّى بين إعلاميي الـ«LBC».. ماذا يحصل؟