«مجلس النقد» يُشعل سجالاً مالياً.. يُقيت أم يُميت؟!

لبنان وضع اقتصادي

مع نهاية العام الحالي 2020 وجفاف المعطيات والمؤشرات السياسية التي تدل على إمكانية خروج لبنان من أزمته السياسية والمالية الخانقة، عادت إلى الاضواء في اليومين الماضيين “فكرة إقتصادية” لإخراج لبنان من أزمته من خلال تأسيس “مجلس النقد” ، الذي سرعان ما تصاعدت النقاشات حوله بين مروّج ومؤيد، وبين معترض يعتبر أن مجرد طرح الفكرة في هذا التوقيت هو محاولة لإعادة إنتاج وإحياء النظام المالي الذي أدى بأموال اللبنانيين إلى التهلكة.

فما قصة مجلس النقد، وهل صحيح أنه خشبة الخلاص لبلد يتدحرج سريعا نحو الهاوية؟

بداية لا بد من الأشارة الى ان فكرة إنشاء مجلس النقد جاءت على لسان النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان( قبل إستقالتها)، لكنها لم تلق الصدى المطلوب لا رسميا ولا من قبل الاخصائيين الاقتصاديين، ثم عاد الحديث عن المجلس قبل يومين في برنامج تلفزيوني إستضاف استاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جون هوبكنز “ستيف هانكي” الذي إعتبر أن “حل الأزمات المصرفية والقطاعية والمالية في لبنان، وما يتفرّع منها من أزمات الدين والتضخم والعجز يبدأ بحل أزمة العملة الوطنية من خلال تأسيس “مجلس النقد” الذي سيشكّل حلاً مستداماً لاستقرار العملة ولميزانية الدولة”.

اقرأ أيضاً: كل الطرق تؤدي إلى.. «العجز»

كلام هانكي “النظري” يعني أن مجلس النقد أو Currency board مهمته “تنظيم” سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي، إذ يمنح العملة الوطنية تغطية كاملة بنسبة 100% بالدولار، وهو ما يجعلها آمنة وموثوقة فلا يمكن حينها لمصرف لبنان أن یطبع ویُصدر نقداً باللیرة اللبنانیة، إلا إذا كان لدیه موجودات بالعملة الأجنبیة أو ذهب قابل للتداول، بما یعادل 100% من حجم النقد المصدر.

أما بلغة الخبراء الاقتصاديين فهذا “التنظيم” يعني أنه في “ظلّ الواقع الحالي، (أي انخفاض في الاحتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان وعدم امتلاك أرقام دقيقة حول حجم الذهب وقيمته)، سيفضي الى إنخفاض لسعر الليرة بقوّة ما يفاقم التضخّم ويزيد الفقراء فقرا، وللحيلولة دون حصول ذلك يحتاج الأمر إلى استقطاب سيولة من الخارج أو تخفيف حجم الكتلة النقدية بالليرة أكثر، ما يعني ضرب الحركة الاقتصادية والقدرات الاستهلاكية للبنانيين”.

وزير المال الاسبق جورج قرم
وزير المال الاسبق جورج قرم

مجلس من دون صلاحية

يوافق وزير المال السابق جورج قرم على عدم صلاحية إنشاء مجلس النقد لمعالجة أزمة لبنان، ويقول ل”جنوبية”:”مجلس النقد نظام جامد لا ليونة فيه وإعتماده سيؤدّي إلى دولرة كاملة للاقتصاد اللبناني بدل البحث في فكّ الارتباط بالدولار”.

قرم لـ”جنوبية”: مجلس النقد يكرس المشكلة المالية.. و “يدولر” الاقتصاد

وشدد على أن “مشكلة لبنان أنه بلد لا يُنتِج ويُعاني من مديونية مُرتفعة نسبة إلى الناتج المحلّي لأسباب عديدة منها السماح بوجود عملتين داخل نظامنا الاقتصادي، واحدة قوية هي الدولار الأميركي والثانية عملة ضعيفة هي الليرة اللبنانية، بالاضافة إلى تثبيت سعر الصرف بطريقة عشوائية بعدما كنّا سبّاقين بإعتماد سعر صرف عائم، وأمام هذا الواقع يصبح مجلس النقد، نظام يُكرّس المُشكلة”.

نسيب غبريل
نسيب غبريل

خطوة لإستعادة الثقة؟

يستند المؤيدون لإنشاء “مجلس النقد” بأنه وسيلة لإعادة بناء الثقة بالنظام المالي والمصرفي في لبنان لأنه يُلغي الصلاحيات الاستنسابية للمصرف المركزي، المُتمثّلة بطبع وإصدار النقد ومنح القروض إلى الدولة والقطاع المصرفي واللجوء إلى الهندسات المالية على أنواعها، لكن هذه الإيجابيات على أهميتها لها سبيل آخر لتحقيقها وبشكل مضمون بحسب الخبير الاقتصادي نسيب غبريل، الذي يشرح لـ”جنوبية” أن “مجلس النقد هو فكرة أكاديمية، والبلدان التي توصلت إلى إتفاق إصلاحي- تمويلي مع صندوق النقد الدولي لم يُطلب منها إنشاء مجلس النقد”، مشددا على أن “لبنان يحتاج إلى إرادة سياسية لتطبيق الاصلاحات، و”مجلس النقد” فكرة من الممكن درسها لمعرفة مدى صلاحيتها وفائدتها العملية للبنان ولكن ليس من الضروري تبنيها أو السير بها لأنه لا يمكن مقارنة وضع لبنان بوضع دول اوروبا الشرقية بعد إنهيار المنظومة الشيوعية حيث تم انشاء مجلس النقد، لأننا بلد يتميز إقتصاد حر”.

غبريل ل”جنوبية”: يمكن درس فكرة “مجلس النقد” من دون تبنيها

يضيف:” بعد سماع من يروج لهذه الفكرة لم أقتنع أن إنشاء المجلس سيؤدي عمليا إلى خفض التضخم في لبنان، لأنه كلام غير واقعي وغير ملموس ولأننا نعرف كأخصائيين أن تخفيض التضخم يتم عبر تنفيذ الاصلاحات”.

ويختم:”البروفسور الذي أطلق الفكرة يبحث عن فرصة عمل ويحاول التسويق لنفسه لدى الحكومة اللبنانية وليس من الضروري أن ما يطرحه هو الحل المثالي”.

السابق
داعشيّ في قبضة القوى الأمنية: رصد مراكز عسكرية بين فرن الشبّاك وعين الرمانة ومطاعم ببدارو!
التالي
عدّاد «كورونا» في لبنان يواصل ارتفاعه.. الاصابات تقترب من الـ3000!