واشنطن موسكو..هل يحمي الصقيع بوتين؟

بوتين

لن يستطيع القصير الذي هندس مدة بقائه على كرسيه حتى سنة 2036 التمترس خلف صقيع بلاده لحماية نظامه من غزوات سياسية اقتصادية وجغرافية مفترضة قد يشنها المقيم الجديد في البيت الأبيض خلال ولايته الدستورية، فالخيار الأفضل أمام فلاديمير بوتين الصمود لأربع سنوات كما صمد أسلافه أمام الغزاة الفرنسيون (نابليون) والألماني (النازيون).

فأزمة موسكو الحالية أن الكرملين استهلك أغلب أدواته الهجومية والدفاعية خلال 12 سنة السابقة، ونظم ردوده المباشرة أو المضادة تجاه خصومه وأعدائه نتيجة لخلل في موازين القوى السياسية وليس العسكرية أو الاقتصادية مع واشنطن، فقد استغل الكرملين جيدا قرار باراك أوباما بالانكفاء العالمي وتقليص نشاط واشنطن الدولي بعد أفغانستان والعراق ورغبة دونالد ترمب ببناء صداقة شخصية مع بوتين وكسب وده.

يصر الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن على اعتبار روسيا أكبر تهديد للولايات المتحدة!


سوء التقدير الأميركي المبكر في التعاطي مع ظاهرة فلاديمير بوتين ظهرت ارتداداتها مبكرا، فبعد تمكنه من تصفية منافسيه وإبعاد معارضيه والسيطرة على كافة مراكز صنع القرار ووضعها بيد جناحه الأمني المعروف بمجموعة (السيلافيكي) وإرضاء المواطنين من خلال إطلاق الوعود بتحسين الوضع الاقتصادي وتنمية الأقاليم، مستغلا حينها صعود أسعار الطاقة (النفط والغاز) التي وفرت سيولة كبيرة للخزينة الروسية، سمحت له بالتحرك خارج حدود بلاده، وفي رسم سياسة خارجية تختلف جذريا عن سياسات سلفه.

إقرأ أيضاً: التعثر السياسي يُفاقم الأزمة المالية..والدولار في «الأعالي»!

في شهر شباط (فبراير) 2007 صدم فلاديمير بوتين قادة العالم المشاركين في مؤتمر ميونخ للأمن الدولي عندما شن هجوما شرسا ضد الأحادية القطبية التي تمثلها الولايات المتحدة بوصفها القوى العظمى الوحيدة في العالم التي تهدد الاستقرار العالمي تحت شعار نشر الديمقراطية، وتستخدم قوتها العسكرية في كافة أنحاء الكوكب.

وبعد أكثر من عام ونصف العام تقريبا شن بوتين هجوما مضادا على جمهورية جورجيا في أغسطس 2008 ردا على هجوم تبليسي على جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المتنازع عليهما مع روسيا، ولم تتوقف الاندفاعة الروسية منذ ذلك التاريخ ووصلت إلى المياه الدافئة على البحر المتوسط،  وتمارس ضغوطا سياسية في أوكرانيا وبيلاروسيا، وتهدد أمن واستقرار دول البلطيق وجمهوريات آسيا الوسطى جنوب القوقاز.


ولكن من سيواجهه الكرملين بعد 20 كانون الثاني (يناير) المقبل تختلف معاييره عن كافة أسلافه، فبايدن الذي يعرف موسكو منذ سبعينيات القرن الماضي واحتك بقادة سوفيات كبار كان الزعيم السوفياتي أندريه غروميكو أبرزهم، على الأرجح  سيتعاطى مع موسكو من خلفيتين، الأولى العقيدة السياسية الخارجية للحزب الديمقراطي التي لم تزل تحمل رواسب الحرب الباردة.

أما الخلفية الثاني فطبيعة الهيمنة الأميركية المرتبط بفكرة المنتصر في الحرب الباردة، ذلك سيفرض شروطا جديدة على الجانب الروسي ستختلف في مستوياتها الثنائية وما يرتبط فيها من إتفاقيات تتعلق بالأمن العالمي، ولكنها ستختلف في السياسة الخارجية والصراعات الدولية.   

يصر الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن على اعتبار روسيا أكبر تهديد للولايات المتحدة، وأن سياساتها تهدف إلى إضعاف الدول الغربية من الداخل، وأن تدخلاتها السابقة في الشؤون الأوروبية الداخلية وعلاقتها باليمين الأوروبي كانت تهدف إلى تقويض وحدة الناتو والاتحاد الأوروبي.

وهذا ما يؤكده مدير مركز كارنيجي في موسكو ديمتري ترينين في توصيف علاقة جو بايدن مع موسكو بقوله إن “بايدن يؤمن بأن موسكو تريد تخريب النظام العالمي الليبرالي، إنه يرى عدوانية انتقامية بشكل متزايد والتي تنقل المعركة إلى ما وراء الفضاء السوفييتي السابق لا ينبغي التغاضي عن جنون العظمة الروسي، بل كانت المشكلة هي استيلاء أجهزتها الأمنية على الدولة الروسية”.
 
في حسابات البيت الأبيض التكتيكية فإن الكرملين يمر بمرحلة استنزاف استهلكت طاقته القتالية وقدراته، بعد استخدامه المفرط لنخبه الأمنية في بيلاروسيا ودباباته في شمال أوكرانيا وطائراته في سماء سوريا وحق الفيتو في مجلس الأمن لصالح طهران، إضافة إلى وضعه الإقتصادي وعجز الخزينة وتراجع سعر العملة الوطنية وسقوط حاد في أسعار الطاقة.

إدارة بايدن: موسكو ليست بقوتها بقوتها قبل عقد وأكثر وأنها خسرت الأهمية التي امتلكتها سابقا!

فبالنسبة لإدارة بايدن لم تعد موسكو بالقوة التي كانت عليها قبل عقد وأكثر، وأنها خسرت نسبيا عوامل الأهمية التي امتلكتها سابقا، ولم تحقق أهدافها نتيجة فشلها في رسم إستراتيجية طويلة الأمد.

وعليه فإن الأمل بانفراجة في العلاقة بين البلدين تتضاءل ما سيؤدي إلى تصعيد الضغط الجيوسياسي على روسيا من الجهة الأوروبية التي ستتخذ مواقف أكثر تشددا تتقاطع مع الموقف الأميركي الجديد، ضمن رؤية مشتركة بين ضفتي الأطلسي تهدف إلى احتواء النفوذ الروسي أولا وفك الارتباط بينها وبين الصين ثانيا بهدف الوصول إلى تقويض نظام بوتين

السابق
«إزاحة صوان» تابع..«التمييز» تبلغ الخصوم طلب نقل ملف إنفجار المرفأ منه!
التالي
الـ«PCR» يدخل «البازار»..«الثنائي» يُغطي و«الصحة» تُطنش!