حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: خلف المتاريس والعصبيات تسقط الحصانات

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يُواجِهُ لبنانُ وشعبُه مأزقاً يُدمّرُه، وأزمةً تَطحنُه بكل فئاتِهِ، حيثُ يَنهارُ فيه، كلُ بنيانٍ إقتصادي كان أو مالي أو نقدي، كما تَنهارُ آلياتُ نظامِه البرلماني، وأصولُ حياتِه الديموقراطية، وتَظْهَرُ مُؤسساتُه الدستورية من مجلسِ نوابٍ، ومجلس وزراءٍ ورئاسةِ جمهورية، كتركيباتٍ ورقيةٍ جوفاءْ، تُشبِهُ لُعَبَ أطفالٍ، يَتلهى بها صِبيةٌ أشرار، من صِفاتِهُم البَطَرْ، وفي أهوائهم طمعٌ مَرَضْي وقِصَرِ نَظَرْ، لا يدركون الوقت كقيمة، ولا يعرفون أنهم فصيلة من كائناتٍ، لم تعد ممارساتها مقبولة من أي صنف من البشر.

هم كارثة دائمة، كارثة حاضرة دوماً، لا تغيبُ ولا تتعبْ، متنقلةٌ في كل وقت، في كل ميدان أو قضية، في كل مصيبةٍ أو رزية، لا هَمّ عند أيٍ مِنهُم، أن يفيد وطنَه، ولا خِشيةَ لدَيْه أو تأنيب ضمير، أن يتسبب لشعبه وبلده، بضرر أو خسارة، هَمُهُ أن يَسْتفيدَ بذاته، وأن تَزيدَ ثروتُه وسلطتُه، وأن يُقنِعَ أهلَ جماعتِه أن لابديل له ولا رجاء بغيره.

لم يكن لبنان تركة لآبائكم حتى تتقاسمونه ولا كان أباؤنا عبيدا لأبائكم حتى تستعبدوننا !

العصبة هذه، لا أخلاق تردعها، ولا قِيَم تحكمها، فجّار تجّار، كبيرهم أعْجَزَ بمَكْرِه إبليس، وحمالة حطبه فاض بمالِها الكيس، وأوسطهم أنكر أهله، فقط  ليستمر في كرسي السلطة، جَليس، وثالثهم كهل أمضى سنين عمره، كأرجوحة تقاذفتها شتى الرياح؛ من دمشق الى بغداد ومن تل ابيب وواشنطن الى باريس، ورابعهم يبيع الموت ويوزعه، وهو آمِنٌ مُحَصّنٌ في مكمن حَبيس، وصغيرهم يُبادلُ أمّه وأبيه ويقاتل الكوكب من أجل لَقَبِ رئيسْ. 

قلةُ الحياءِ

قلةُ الحياءِ سِمَتِهِم، وقَسوةُ القلوبِ شِيمتُهُم، والارتهانُ للخارج قوتهم، وشراءُ الذمم مَسلَكَهُم، والرياءُ والنفاقُ والخداعُ مُتُونَ خِطَبِهم. لا يطبقون قانوناً ولا يحترمون دستوراً، خربوا القضاء واستتبعوه، وعرقلوا تشكيلات مجلسه الاعلى، ليبقوا اتباعهم في مواقع القرار والتأثير، ثم أعلنوا أن اللجوء اليه مخصص للضعفاء.

 لا ذمة لهم يوفُونَها، ولا دِينٌ إلهي يمكن أن يلزمهم، يتعبدون حيث يربحون ويتطهرون من آثامهم حيث يفسدون ، ويدعون الوضوء حيث ينجّسون، وينكرون الله وانبيائه قبل صياح الديكة، لا يلتزمون بعهد ولا يسددون دَيْن، استباحوا كل شيء من مراكز ادارات الدولة ومؤسسات تعليمها، الى امتحانات الدخول الى المدرسة الحربية و قيادة الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات العامة، الى التعهدات والمقاولات وتلزيمات الدولة وأشغال مرافقها وعائدات أملاكها.

 استباحوا كل ذلك خلافا للقانون كل قانون، وانتهاكا لكل معيار، سواءَ كان معياراً للجودة وكفاءة المواصفات في الأشغال، أو معيارا للخبرة والعلم والنزاهة، في الرجال.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: عقارب الوقت القاتلة في لبنان

الجيش الذي نحب لحماية لبنان، جعلوه حاميا لسلطة فسادهم وارتكاباتهم، وغلوا اياديه ليتخلف عن واجبه في حماية أمن الحدود، واقفال معابر التهريب التابعة لهم، فتزعزعت حصانة جيش الوطن حين انتهكت حدود الوطن، واعتمدوا الكيد السياسي بديلا عن ارساء العدالة، بعد ان عبثوا بحصانة القضاء واستقلاليته، وتحولت مرافق الدولة نقمة، وخدماتها لعنة، وكهربائها عتمة، واتصالاتها أزمة، بعد ان اهملوا معايير بناء الادارة العامة وشروط انتاجيتها.

لم يكن لبنان تركة لآبائكم اورثوكم اياه حتى تتقاسمونه، ولا كان أباؤنا عبيدا لأبائكم، حتى تتوهموا ان باستطاعتكم استعبادنا، آن لكم ان تفهموا ان اللعبة انتهت سترحلون، عاجلا ام آجلا سترحلون!

شئتم أم ابيتم، سلماً أو إكراهاً، تذرعتم بحصانة، نص الدستور عليها ونظم طريقة التعامل معها والاحتكام لنصوصها، ام لم تتذرعوا بذلك، فالحصانة حين وضعت لم تكن مخصصة لكم او لأمثالكم، بل كانت لحماية رجال دولة، عندهم حياء وانتم لستم من أهله،  ولوزراء يحملون قيم النزاهة والمسؤولية وانتم لا تحملون من ذخائرها مثقال ذرة.

الحصانة موجودة قانونا لكنها لرجال الدولة والنزاهة وليست للطبقة الحاكمة!

الحصانة حين وضعت للنائب لحمايته وتغطية ظهره وهو يتصدى لفساد وظلم سلطات تنفيذية أو أمنية، لكنها لم تكن ولن تكون لنائب، كل همه ارضاء زعيم حزبه وتأكيد طاعته لقراره.

 نعم الحصانة موجودة قانونا، لكنها لرجال الدولة والنزاهة والقيم الديموقراطية، لكنها ليست لكم، لأنها لن تكون تحصينا لأصحاب المتاريس، ومن تحصن بقبيلة لا يحصنه دستور، ومن تحصن بعصبية لا يحميه نص،  ومن  تسبب في قتل العباد والبلاد لا يحميه اجتهاد.

السابق
الإفلاس الشامل يُطّل برأسه..وتسويف في «ترشيد الدعم»!
التالي
رامي «قنابل صور» في عهدة «حزب الله»..التحقيقات والخلفيات في خبر كان!