الشيعية السياسية نحو الانكفاء(1): ولاية الفقيه تُصيب من لبنان مقتلاً!

علي خامنئي
الشيعية السياسية او "الحالة الشيعية"، كما كان يسميها الأديب والباحث في التراث الشيعي السيد هاني فحص رحمه الله، انبثقت في عصرنا الحالي بعد انتصار ثورة الامام الخميني الاسلامية في ايران، قبلها كان الشيعة، منخرطون بالشأن العام داخل أوطانهم كباقي المكونات، ويناضلون في سبيل قضايا الوطن والأمة، هذه الحالة الشيعية تحاول اليوم مقاومة الانكفاء الذي بدأت الدول الكبرى بمحاولة فرضه منذ اغتيال اميركا لقائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني.

أكثر من أربعة عقود مضت على ولادة الشيعية السياسية في ايران، لتمتدّ لاحقا نحو لبنان بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت المحاصرة، ولتنفجر في العراق بعد الغزو الاميركي عام 2003، ولتتوسّع برعاية دولية من اجل مواجهة القاعدة وداعش في كافة انحاء المنطقة من سوريا ولبنان الى اليمن والعراق الى باكستان وافغانستان. 

تسببت الشيعية السياسية الناهضة بقيادة ايران في خلخلة الدول التي اخترقتها، فالتنظيمات المسلحة الشيعية وحلفائها، التي تشكلت على نسق حزب الله في لبنان وانخرطت في مشروع ممانع واحد عاصمته طهران، لم تراعِ مصالح الشيعة في اوطانهم، ولا حتى مصلحة تلك الاوطان التي تمزقت ونهشها الفساد واستشرت فيها العصبيات التي ولدت عشرات الفتن. 

لبنان دولة فاشلة 

في لبنان مثلا، كان السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله، بداية الثمانينات من العام الماضي يعتبر نفسه ويعتبره مريدوه (الجيل الاول من كوادر حزب الله) انه مرشد لما اسماه “الحالة الاسلامية”، وذلك قبل ان ينقلب السيد فضل الله منتصف التسعينات ويبدّل توجّهه بعد ان استشعر خطر الايديولوجيا الاسلامية العابرة للأوطان وتسببها بانقسامات وحروب، ويركّز في دعوته على “الاسلام الانساني” اي الفردي،الذي يعيد للفرد حريته وخياره في العبادة بغض النظر عن الاشكال السياسية التي تحكم الاوطان. 

إقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: إيران وسياسة الربح بالنقاط لا بالاستراتيجيا

أما الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، فقد رفض منذ البداية ولاية الفقيه الايرانية، واستعاض عنها بنظرية “ولاية الأمة على نفسها” وتبنى الديموقراطية العددية كنظام والية حكم في اطار دولة مدنية حديثة، ترتكز على الحريات وحقوق الانسان. فبرأيه ان بيان الأحكام الثابتة الشرعية هي من مسؤولية الفقهاء، أما ما يخص النظام السياسي والحكومة، فليس للفقهاء دور ولا ولاية عامة لهم، فالأمة هي التي تملك الولاية على مقدراتها في إطار الشريعة الإسلامية، والإنسان مسؤول عن نفسه والمجتمع ولي نفسه، وتكون الأمة حاكمة على مصيرها ومقدراتها، ولا يعتبر الفقه شرطًا لرئيس الدولة الاسلامية المنتخب،كما أنه يجب أن تنسجم الدولة مع طبيعة المجتمع الذي تنطلق منه، وأن تمتزج في أعماق الأمة وعقول الناس، وأن تستفيد من التجربة الإنسانية. 

الشيعية السياسية في لبنان تسير عكس التيار متوهمة انها تقاوم العقوبات الاميركية والعزل الدولي وتنتصر على التاريخ ومساره الصاعد

وكذلك فان المفكر الاسلامي العلامة السيد محمد حسن الامين الذي كان مؤيدا بقوة لثورة الامام الخميني بما جسدته من ثورة على الظلم والامبريالية ومقاومة للصهيونية، لم يوافق على مبدأ الحكم الالهي الذي تتضمنه نظرية ولاية الفقيه، فالإسلام برأيه هو دين وليس دولة، وهو منجز إلهي في حين أن الدولة منجز بشري وطبيعتها متغيرة، ودعا السيد الامين لاحقا الى “دولة مدنية علمانية” غير ملحدة في لبنان، متسامحة مع الاديان كما هو واقع حال العلمانية في بريطانيا واميركا. 

حزب الله يقاوم الاصلاح 

لم يبق سوى حزب الله وحده بعد مساهمته الاساسية بتحرير الجنوب في صدارة المشروع الاسلامي السياسي الشيعي في لبنان ، الذي جعل لبنان ساحة للصراع الاقليمي وورقة لمساومة الغرب على مصالح ايران وحلفائها في المنطقة. 

قاوم حزب الله مدعوما من النظام السوري قبل انسحابه من لبنان عام 2005، جميع اشكال المشاريع التي حاولت تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة ورغبة الغرب بارساء الاستقرار فيه، واعتبر الحزب ومعسكره ان مشاريع السلام وحتى اتفاقات الهدنة مع اسرائيل هي مؤامرة على المشروع الشيعي الممانع.

حزب الله جعل لبنان ساحة للصراع الاقليمي وورقة لمساومة الغرب على مصالح ايران وحلفائها في المنطقة

نظرية المؤامرة هذه هي التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري، وكان تاريخ اغتياله قبل شهرين من انسحاب السوريين من لبنان، هو تاريخا لبدء 15 عاما من نزاع جديد شكلت الشيعية السياسية بقيادة حزب الله رأس حربته، فلم يتردد في الدخول الى سوريا والقتال مدافعا عن نظام بشار الاسد، كما لم يتردد الحزب وحليفه الشيعي حركة أمل في قمع عشرات الالاف من المتظاهرين الذين ملأوا الساحات في لبنان قبل عام وفي الاشهر الماضية محتجين ضدّ نظام الفساد الطائفي، مطالبين بالاصلاح انقاذا لبلدهم من الانهيار الاقتصادي. 

ومن هنا يظهر ان الشيعية السياسية في لبنان تسير عكس التيار، متوهمة انها تقاوم العقوبات الاميركية والعزل الدولي وتنتصر على التاريخ ومساره الصاعد، ولا تدري ان مشروعها اصبح خارج نطاق هذا التاريخ، وان السطر الأخير من التوافق الدولي بات قاب قوسين او ادنى من خط رسم ملامح جديدة للشرق الاوسط، ليس لايران ولا لمشروعها الشيعي فيه أي نصيب. 

السابق
وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: إيران وسياسة الربح بالنقاط لا بالاستراتيجيا
التالي
بالفيديو: لحظة سقوط محمد رمضان على مسرح مهرجان «ضيافة» في دبي