المجتمع المدني .. «لا يلدغ من جحر الحكومة مرتين»!

الثورة اللبنانية
يسير الرئيس المكلف سعد الحريري لتأليف حكومته بخطى وطيدة تؤمنها مظلة المبادرة الفرنسية والتفاهمات الغربية حول ضرورة إبقاء لبنان على قيد الحياة ومدّه بما يلزم من دعم إقتصادي (بعد تنفيذ الاصلاحات) كي لا ينفرط عقده السياسي والاجتماعي ويصبح في خبر كان، ولا بأس من السماح بإعتماد المعايير والالية السابقة التي كانت تتبع قبل ثورة 17 تشرين، أي خوض معارك طويلة بين القوى السياسية من أجل الوزارات السيادية وضمان تنفيذ هذا المشروع أو ذاك.

ما يحصل اليوم هو تكرار كامل لما كان يحصل سابقا، وكأن شيئا لم يتغير سواء على الصعيد المالي والاقتصادي أو الصحي أو الاجتماعي أو الشعبي، علما أن اللبنانيين باتوا يفصحون جهارة (حتى الموالين لأحزاب السلطة) بأن هذه الطبقة هي مسؤولة عما نعانيه من خراب.

أمام هذا المشهد كله يبدو المجتمع المدني وكأنه يتفرج على ما يحصل، من دون أن تكون له خطوات مؤثرة، ما يدعو للسؤال عن كيفية رؤيتهم للمشهد السياسي في لبنان وإلى أين سنصل؟

لا يلدغ المؤمن  من جحر مرتين 

يقرأ عضو هيئة التنسيق النقابية محمد قاسم ما يجري من زاوية أن المجتمع المدني المنضوي تحت ثورة 17 تشرين لا يراهن على ما ستحمله الحكومة المقبلة، وهو معني فقط بكيفية مواجهة التداعيات التي سيحملها سلوكها لجهة تطبيق إصلاحات صندوق النقد الدولي، ويشرح لـ”جنوبية” بأن “إنتفاضة 17 تشرين التي أسقطت حكومة الرئيس الحريري بسبب الضغط الشعبي ولإعتبارات أخرى، سرعان ما إنهارت هذه الاعتبارات عندما رشح نفسه لرئاسة الحكومة و قام بالاستشارات قبل أن يكلف و كأنه فرض نفسه وأسقط كل المبررات التي كان قد أعلنها عند إستقاله حكومته”، لافتا إلى أن “هذه المستجدات السياسية التي لها أكثر من طابع، طابع ذاتي متعلق بمحاولة الحريري لإستعادة دوره في الساحة السياسية وظروف خارجية ربما هي التي ضغطت لإعادة تكليفه بتشكيل الحكومة، هذان الظرفان أديا إلى وضع البلاد أمام أمر واقع وإسقاط كل الحجج التي كانت سبب في قول الحريري بأنه تعفف عن تحمل المسؤولية”. 

قاسم لـ”جنوبية”:كل التجارب لم تؤد الى نتيجة إقتصاديا ولا إجتماعيا ولا معيشيا

يضيف:” في التشكيلة الحكومية يطرح الحريري نفس الطروحات التي إستقال بسببها بمعنى أن الرئيس المكلف دخل في تسويات سياسية ومحاصصات وصفقات وربما يكون هناك محاولات لتغطية كل الموبقات التي مورست منذ العام 1990 وحتى 2019، ومحاولة إسقاط التحقيق الجنائي يدل على ان الطبقة السياسية لا تريد كشف الحقائق بل نحن امام المرحلة الحالية لم تتغير عن التي كانت سائدة في 17 تشرين 2019″، لافتا إلى أن “الشعب اللبناني الذي يعاني من أزمة كورونا ومن أزمة مالية وإقتصادية وإجتماعية خانقة جدا، ومحاولات التدجين في ساحات الانتفاضة كل هذه الاحداث لعبت دورا في عدم تمكن إنتفاضة 17 تشرين من إعادة الزخم إليها وإلى الساحات لكنها لم تنتهي ولم تتوقف عن الحراك وآخرها ما حصل في وزارة الاتصالات لجهة الضغط على تسليم القطاع للدولة”.

يرى قاسم أن “كل المعطيات تشير الى ان الخوف من الانتفاضة هو الذي يتحكم في الكثير من التوازنات والتركيبة الحكومية المقبلة، صحيح أن هناك محاولات للمحاصصة بين القوى السياسية في الحكومة الجديدة لكن الثورة حاضرة بينهم لجهة إعتبارها سيف مسلط على الحكومة المقبلة”، مؤكدا أن “الحكومة الجديدة لن ُتقبل من الشارع مهما كانت الشعارات التي رفعت لأنها شكلت وفقا للمحاصصة الطائفية و بالتناوب بين القوى “.

ويشدد على أن “ثورة 17 تشرين تطالب بدولة مدنية ديمقراطية عادلة وبحكومة إنتقالية إنقاذية بصلاحيات تشريعية، لفترة محددة لإستنهاض البلد وإقرار قانون إنتخابي عصري جديد يحفظ التمثيل الحقيقي خارج القيد الطائفي وإقرار الاصلاحات في السلطة القضائية التي تساوي بين اللبنانيين وتعيد المصداقية للقضاء في لبنان الذي بات مرتهنا للسلطة السياسية إضافة إلى إستعادة الاموال المنهوبة والمهربة ومحاسبة المصرف المركزي وجمعية المصارف”، معتبرا أن “أي حكومة لا تعالج هذه العناوين الاساسية ستسقط في الشارع في أول فرصة (وما حصل في المؤتمر الوطني للإنقاذ الذي ضم شخصيات ومجموعات منتفضة أجمعت على الدولة المدنية وهذه العناوين سوى دليل على ذلك) لأننا في أزمة حكم ونظام، هذا النظام السياسي سقط ويجب أن يسقط نهائيا لإعادة بناء وطن وسلطة قادرة أن تساوي بين اللبنانيين لأننا لا نشعر أن اللبنانيين متساوين في الحقوق والواجبات وهناك من يستبيح هذه الحقوق ويعطي لنفسه الحق بذلك”.

ويختم: “حكومة الحريري سواء تشكلت أم لا فالنتيجة فشل وكل التجارب لم تؤد الى نتيجة إقتصاديا ولا إجتماعيا ولا معيشيا، والان يبشرنا الحريري بورقة ماكرون اي الخصخصة ومزيد من الديون وبيع القطاع العام والكثير من القوى السياسية تفاوض على هذه الورقة ونحن نقول ان هذه الورقة تثبت خصخصة البلاد ومرافقها الاساسية،  وتعطي الطبقة السياسية الفرصة من أجل شراء المؤسسات وتحويلها إلى قطاع الخاص ونحن في بلد لا يحتمل بيع  أصول الدولة وتحويلها إلى القطاع الخاص ونحن لا نريد ان نجرب المجرب لأننا لا نريد ان نلدغ من الجحر مرتين”.

محمد قاسم

تطابق مصالح تراجع لوهج الثورة

يوصف الناشط السياسي إبراهيم منيمنة المشهد السياسي في لبنان إنطلاقا من معطيين الاول يتعلق بالسلطة الحاكمة والثاني بثورة 17 تشرين ويقول لـ”جنوبية” :”سيتم تشكيل الحكومة وفقا للمعايير التي كانت القوى السياسية تنتهجها سابقا، لأن هناك تطابق مصالح بين المحاصصة الطائفية وبين الاحزاب التي تحتكر السلطة ولذلك الجميع من في النظام مضطر لأن يسير وفقا للآلية المحاصصة المذهبية والحزبية وحكومة الحريري ليست إستثناء وهو جزء من هذه المنظومة و مضطر لأن يتوزع الحصص مع الاخرين”، مشيرا إلى أن “ما يسعى الحريري لحله تحديدا هو الملف النقدي والمالي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي تحديدا لأن لا يمكن ان تتحقق أي إصلاحات أخرى وهذا الملف النقدي بات ضاغطا على كل الاحزاب السياسية ويهدد بإنفجار إجتماعي فهو نوع من الترقيعة التي بدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و يتابعها اليوم الرئيس الحريري”.

ويرى أن “حزب الله لن يعطي تنازل إلا في هذا الملف أما أي إصلاح آخر يهدد المنظومة  السياسية ومصالحها لن يقبل بها، والواضح ان هناك توافق على حل الموضوع النقدي كنوع من جبة أسبرين للشعب اللبناني حتى يعرفوا على ماذا ستؤول إليه الامور إقليميا “.

منيمنة لـ”جنوبية”: لانضاج الطروحات السياسية للثورة لمواجهة السلطة

في المقابل يشير منيمنة إلى أن مرحلة “17 تشرين كمرحلة تظاهر وتحركات ميدانية إنتهت وهناك عوامل موضوعية أثرت في تقليص تحركها مثل كورونا وعدم القدرة على التطور إلى مرحلة إنتظام سياسي، لكن لا يعني ان الحركة الرفضية لهذه المنظومة انتهت ولكن هناك مسافة بين مرحلة 17 تشرين وبين المرحلة المقبلة التي عنوانها انضاج الطروحات السياسية  وهناك وقت يلزمها وقت حتى تتمكن هذه المجموعات من مواجهة السلطة بالشكل المطلوب”.

ويختم:” المنظومة السياسية  باتت مكشوفة حتى من مناصريها  والمطلوب هو انتظار اللحظة المناسبة حتى يتمكن الشعب اللبناني من أن يمتلك الجرأة للمواجهة والتضحية، واللبنانيون ينتظرون حالة نضوج معينة واعتقد أنها مسألة وقت، ثورة 17 تشرين لم تكن متوقعة والموجة الثانية منها ستأتي بالطريقة نفسها ولكنها تحتاج إلى معطيات مختلفة عن المرحلة السابقة”. 

ابراهيم منيمنة
ابراهيم منيمنة

نكران للواقع

تعتبر رئيسة حزب الكتلة الوطنية سلام يموت أن الطبقة السياسية في لبنان تعيش في حالة نكران للوقائع التي تجري، وتشير لـ”جنوبية” أنه “لسوء الحظ ان الطبقة السياسية تتصرف بطريقة وكأنه لم يحصل شيء منذ 17 تشرين الماضي سواء لناحية الازمة الاقتصادية والمالية أو إنفجار بيروت ونرى ان الطبقة نفسها تتشكل الحكومة بالنهج نفسه”، مشيرة إلى أن “هذا أمر ضاغط جدا، فبدل التفكير في كيفية إقرار قانون الكابيتال كونترول ومواجهة الازمة الاجتماعية والصحية وأزمة  النفايات نرى هذه الطبقة تتعارك على الحصص والوزارات علما ان كل واحد من هذه الملفات قادر على الاطاحة بالطبقة السياسية في الكثير من بلدان العالم”. 

يموت لـ”جنوبية”: أمام 17 تشرين إما الدخول مع السلطة بكباش او تنظيم معارضة سياسية

تضيف:”ثورة 17 تشرين  تعمل على التحول الى ثورة سياسية وادركت ان امامها طريقان إما الدخول مع السلطة بكباش دموي اوالانتقال لتنظيم أنفسنا في معارضة سياسية ضد هذه المنظومة وثورة 17 تشرين ( بوجهة نظري ) ستتحول إلى ثورة مواجهة سياسية”. 

 وتختم:”لسوء الحظ ان السلطة تعرف انه بموازين القوى، لا تزال تتمتع بشعبية واسعة ويتصرفون كزعماء في منطق الاقطاع السياسي ولا يتصرف أيا منهم  بمنطلق وطني “.

وتختم:”تشكيل حكومة وفقا للمعايير السابقة سيتم، وستحاول 17 تشرين لإنتقاء الفرصة المناسبة لإحياء مقاومتها السياسية مع الاشارة إلى أن معايير هذه القوى ليست لبنانية بل تستمد من دول اقليمية من دون أن يعرفوا ما سيحصل لاحقا ويتركون المواطن اللبناني يعيش تحت خط الفقر”. 

سلام يموت
سلام يموت
السابق
لبنان بمهبّ الريح.. إحذروا التنقّل سيراً وقرب المباني الآيلة للسقوط!
التالي
بعلبك تحت رحمة «العصابات».. جريح بحالة حرجة يُصارع الموت!