غبريل لـ«جنوبية»: على التحقيق الجنائي استهداف قطاعات إستنزفت المال العام

نسيب غبريل
تشبه قصة التحقيق الجنائي في لبنان قصة برج بابل الذي أراد شعب "بلاد ما بين النهرين" بناؤه للوصول إلى الجنة، لكن عدم وجود لغة موحدة بين البنائين تمكّنهم من التفاهم على كيفية بناؤه أدى إلى تصرف كل واحد منهم على هواه فكانت النتيجة إنهيار البرج.

في قصة التحقيق الجنائي في لبنان التي تدور رحاها بين شركة Alvares and Marsal ومصرف لبنان وهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل اللبنانية ولجنة المال والموازنة النيابية يحصل الامر نفسه، لا لغة مشتركة بين هذه الاطراف للوصول إلى الهدف المنشود ألا وهو التحقق من أن حسابات مصرف لبنان سارت وفق ما هو نص عليه القانون وكشف مكامن الهدر والفساد التي رتبت على لبنان دين عام مقداره مئة مليار دولار .

اللغة المفقودة بين جميع هذه الاطراف هي كيفية مقاربة قانون السرية المصرفية التي يمنع شركة Alvares and Marsal من الحصول على المعلومات التي تريدها لإستكمال تحقيقاتها، ويمنع على مصرف لبنان خرق هذا القانون وفقا للمادتين 151 و40 من قانون النقد والتسليف وإلا تعرض لعقوبات قاسية، في حين أن هيئة التشريع في وزارة العدل تقدم رأيا غير ملزم لمصرف لبنان بأنه يمكن تقديم المعلومات وفقا لآلية معينة ومن دون المساس بقانون السرية المصرفية، هذه الاستشارة يناقضها تماما رئيس لجنة الادارة والعدل النيابية إبراهيم كنعان الذي يؤكد أن مصرف لبنان لا يمكنه خرق القانون ويغرد اليوم قائلا “إقتراح قانون السرية المصرفية جاء بالتنسيق الكامل مع رئاسة الجمهورية بهدف قطع الطريق امام التفسيرات والتناقضات الظاهرة منذ اليوم الاول لتوقيع عقد التدقيق الجنائي كما من امام الجهابذة والمزايدين والعاجزين للحؤول دون تمييع هذا الملف الوطني”.

المركزي أعطى لـ Alvares and Marsal كل المعلومات التي يسمح بها القانون 

كل ما سبق يدعو للسؤال إلى أين نحن ذاهبون في هذا الملف؟ هل نحن امام تعديل لقانون السرية المصرفية؟ وهل سيصل إلى خواتيمه المرجوة أم أن الحسابات السياسية ستؤجله وتطمسه على غرار ما حصل مع قانون “الكابيتال كونترول”، وهل يمكن للطبقة السياسية أن تقدم على ذلك خصوصا أن هذا التحقيق هو خطوة إصلاحية مطلوبة في المبادرة الفرنسية وستطلب لاحقا من صندوق النقد الدولي؟

الاجابة على هذه الاسئلة برأي الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل موجود إما من خلال تعديل مجلس نواب لقانون السرية المصرفية أو من خلال السير بفتوى قانونية من وزارة العدل والنتيجة سنراها  خلال الايام المقبلة”، لكنه يسجل عدة ملاحظات إقتصادية على المسار الذي سلكه ملف التدقيق الجنائي منذ بدايته، فيقول ل”جنوبية”: “أؤيد كلام رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الذي رأى أن الجهة التي وقعت العقد مع شركة Alvares and Marsal بمليونين و400 ألف دولار كان عليها أن تعرف أن هناك قانونا للسيرة المصرفية يمنع مصرف لبنان كل ما تطلبه الشركة في تحقيقها الجنائي”،  مشددا “قانون السرية المصرفية ليس إكتشافا جديدا وكان يجب على من كلّف شركة Alvares and Marsal  أن يعي هذا الموضوع  وما حصل غير مقبول”.

قرار سياسي بالعرقلة؟

في المقابل يتجنب غبريل الدخول في تحليل إذا كان هناك قرارا سياسيا بإجراء التدقيق أم لا ، معتبرا أن”التدقيق الجنائي لا يجب حصره في مصرف لبنان لأن ما حصل أعطى صورة وكأن مصرف لبنان مستهدف في حين أن الحقيقة هو علينا أن نعرف من صرف الاموال وفي أي قطاعات ولذلك يجب أن يكون هناك أيضا تحقيق جنائي ومالي في مؤسسات القطاع العام والوزارات ومجلسي الانماء والاعمار والجنوب والهيئات المستقلة ووزارات المال والاشغال والطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان خصوصا أن الكهرباء هي التي إستنزفت أكثر من ثلثي الدين العام وكل هذه المؤسسات لا نعرف كيف تصرف أموالها”.

صندوق النقد لن يساعدنا إذا لم ننجز التحقيق الجنائي

يضيف:”اما القول أن التحقيق يجب أن يشمل القطاع العام فهذا من باب “رفع العتب” لأن التدقيق الجنائي يحصل فعليا في مصرف لبنان فقط والمركزي أعطى للشركة كل المعلومات التي يسمح له القانون بإعطائها”. 

ويرى أن “الخطوة الصحيحة في هذا الملف تبدأ حين يشمل التحقيق القطاعات التي إستنزفت الكثير من المال العام”، واصفا ما حصل بأنه “ليس إنتكاسة في العلاقة مع المجتمع الدولي والمبادرة الفرنسية الذين يشترطون إجراء التحقيق الجنائي قبل مساعدة لبنان، لأن صندوق النقد الدولي لن يواقف على مساعدة لبنان إذا لم نطبق الاصلاحات المطلوبة ومنها إجراء التحقيق الجنائي وإقرار قانون الكابيتال كونترول والذي هو مطلب منذ بداية الازمة”.

يلفت غبريل إلى أن “عدم إقرار “الكابيتال كونترول” شكل إنتكاسة لنا كمواطنين و كمصارف والمودعين وأطاح بالثقة الثقة بالقطاع المصرفي، والمجتمع الدولي لن يساعدنا إذا لم نقر هذا القانون إلى جانب إنجازالتحقيق الجنائي وتعديل موازنة 2020 ووضع تصور لتوحيد سعر صرف الدولار بالسوق اللبناني وتقديم  تقديرات جدية لمتأخرات الدولة تجاه القطاع الخاص ووضع إطار لحل الازمة المصرفية والمالية في لبنان”، مشددا على “أنAlvares and Marsal يمكن أن تصل بنتيجة من خلال المعلومات التي يمتلكها إلى الان والمعضلة التي تشكو منها Alvares and Marsal لا أعتقد أنها ستكون عائق أمام المساعدات الخارجية للبنان”.

السابق
عقوبات أميركية إضافية على إيران.. بسبب «حزب الله»!
التالي
في لبنان: نشر كلاماً بذيئاً بحق النبي مُحمد.. ومُخابرات الجيش تتحرّك!