الحشد الشعبي يبسط سيطرته بعد عام من انتفاضة تشرين

الحشد الشعبي
انتفاضة جديدة لتحرير المخطوف من قبضة الخاطف.

عبّر سياسي عراقي معارض للوجود الإيراني في بلده عن صعوبة تمكن التظاهرات الشعبية، التي عادت إلى الساحات في بغداد والمحافظات الأخرى الأحد، مما أسماه تحرير “العراق المختطف” من الخاطف الإيراني.

وقال السياسي في تصريح لـ”العرب”، بالتزامن مع تجدد التظاهرات العراقية المطالبة باستعادة قرار البلاد السيادي من إيران في الذكرى الأولى لأكبر موجة احتجاج شهدتها محافظات العراق في الخامس والعشرين من أكتوبر 2019، “المختطف سيتحرر من الخاطف، لكن لا أتوقع أن الانتفاضة الحالية ستتمكن من ذلك لأن دماءها المسالة الآن وستسيل غدا هي التي ستنير الطريق للموجة التالية من الغضب الذي  سيحرر المخطوف من قبضة الخاطف”.

وتساءل السياسي الذي يترأس كتلة برلمانية في مجلس النواب العراقي “متى وأين سيتحرر العراق المخطوف؟”، معبرا عن توقعه بالقول “ليس ذلك ببعيد”.الخزعلي والكعبي والولائي تحولوا إلى بدلاء لشغل فراغ تركه سياسيون شيعة

وتدفق المتظاهرون من مختلف أنحاء العاصمة ومن محافظات عديدة إلى ساحة التحرير وسط بغداد، منذ ساعات الصباح الأولى، فيما وقعت مناوشات محدودة بين محتجين وقوات الأمن في موقعين ثانويين لتجمع المتظاهرين، قرب مرآب العلاوي وجسر السنك وسط بغداد.

وزخرت مواقع التجمع بصور العديد من الساسة التي ظهرت مع علامة “x”، في دلالة على رفض المتظاهرين استمرارهم في واجهة المشهد العراقي، فيما تدفقت أفواج من الطلبة إلى ساحة التحرير، للتذكير بمشهد أثير تكرر مرارا قبل نحو عام من الآن، تظهر فيه حشود من الشبان وهم يرتدون زي الجامعات، ويهتفون مطالبين باستعادة الوطن.

ورغم أن احتجاجات أكتوبر أطاحت بحكومة عادل عبدالمهدي وأجبرت قوى التشيع السياسي الموالية لإيران على مغادرة القواعد التقليدية في تكليف رئيس الحكومة، ما سمح بوصول مصطفى الكاظمي إلى منصب رئيس الوزراء، إلا أن الفراغ الناجم عن ذلك تحول إلى فرصة لهيمنة إيرانية جديدة على الوضع العراقي، متمثلة في تعاظم نفوذ قادة الميليشيات التي تنضوي في معظمها تحت لواء الحشد الشعبي.

وبدا أن احتجاجات أكتوبر 2019 دفعت حراس حكومة عبدالمهدي من قادة الميليشيات التابعة لإيران خطوة إلى الخلف. وتأكد هذا بصعود اسم الكاظمي، القادم من خارج دوائر الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وسوء الإدارة وسرقة المال العام، ليتولى المنصب الأهم في البلاد.

لكن الأشهر التي أمضاها الكاظمي في سدة السلطة برهنت على أن التغيير في العراق أمر صعب المنال، فيما كشفت بعض الأحداث عن حجم النفوذ الذي تملكه الميليشيات الموالية لإيران في البلاد، والمخاطر الجمة التي تكتنف أي مواجهة مفتوحة معها.

ومنذ تشكيل حكومة الكاظمي في مايو الماضي، يترقب العراقيون صولة تنفيذية ضد الميليشيات المتحالفة مع كبار الفاسدين لاستعادة قرار البلاد السيادي، لكن ذلك لم يحدث.

في المقابل تحول قادة الميليشيات التابعة لإيران، مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق وأبوعلي العسكري زعيم ميليشيا كتائب حزب الله العراقية وأكرم الكعبي زعيم ميليشيا النجباء وأبوآلاء الولائي زعيم مليشيا كتائب سيد الشهداء، إلى بديل قوي لشغل الفراغ الذي صنعته احتجاجات أكتوبر بدفعها شخصيات شيعية تقليدية مثل نوري المالكي ومقتدى الصدر وعمار الحكيم إلى خلفية المشهد السياسي.

وعندما حاول الكاظمي أن يتصرف بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة في مواجهة مجموعات ميليشياوية تطلق صواريخ الكاتيوشا على مقرات البعثات الأجنبية والمطارات والمعسكرات في مختلف أرجاء العراق، نصحه قيس الخزعلي بأن “يغلس”، وهو مصطلح عراقي يدل على “التجاهل”، في إشارة واضحة إلى أن المسؤول التنفيذي الأول في العراق عليه أن يعرف حدوده.

ولم يستمع الكاظمي إلى نصيحة الخزعلي، وأمر قوة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب بمداهمة مقر لإطلاق صواريخ الكاتيوشا قرب مطار بغداد، حيث ضبطت مجموعة متلبسة كانت تخطط لمهاجمة السفارة الأميركية.

ومثلت هذه العملية مؤشراً على نهج التحدي الذي يتبناه الكاظمي، لكن المحبط أن جميع المعتقلين بالجرم المشهود في عملية المطار خرجوا أبرياء، بعدما هددوا بتصفية عائلات الضباط والمحققين الذين يتعاملون مع قضيتهم.

وبدلاً من أن تكون هذه العملية مؤشرا على المنهج الحازم الذي يتوخاه الكاظمي، تحولت إلى دليل على تعاظم نفوذ الميليشيات واستحالة مواجهتها بالأدوات التي تملكها الحكومة.

اقرأ أيضاً: الكاظمي والأفاعي

ومنذ تلك العملية التي وقعت في الأسابيع الأولى من عمر حكومة الكاظمي بدأ أملُ حدوثِ تغيير عميق يتلاشى تدريجيا، بالتوازي مع تحول الميليشيات إلى الممثل الأقوى للتشيع السياسي في العراق، مدعومة بزخم إيراني تغذيه حاجة طهران إلى حليف عنيف في بغداد لخدمة صراعها مع الولايات المتحدة.

ويعتقد مراقبون أن المواجهة الحقيقية الحالية في بغداد ليست بين المتظاهرين والحكومة التي يفترض أنهم يحتجون ضدها، بل بين الحكومة والميليشيات التي تصر على الاحتفاظ بسلاحها خارج إطار الدولة وتهدد البعثات الدبلوماسية وتتحكم في عقود تنفيذ المشاريع الحكومية وتنفذ مشاريع تغيير ديمغرافي في مناطق عديدة من البلاد.

وتسود حالة من الارتباك في ساحات التظاهر بشأن طبيعة المطالب التي يجب على حركة الاحتجاج المتجددة أن تتبناها.

وخلال السنة الماضية بدا واضحا أن تغييرا من داخل النظام لن يكون هو الحل لأزمات العراق المتراكمة، لذلك صار المحتجون على يقين من أنهم كانوا على حق حين طالبوا بإسقاط النظام برمته. ويجمع العراقيون على أن الدولة برمتها خاضعة للهيمنة الإيرانية، إذ تعاملت إيران مع حكومة الكاظمي باعتبارها واجهة تستطيع من خلالها أن تنتقل إلى مرحلة جديدة من مشروع هيمنتها وهي المرحلة التي تشهد صعود الميليشيات بديلا عن الأحزاب واستيلاءها على مفاصل الدولة.

واعتبر مراقبون ان الهدنة التي عقدت بين حكومة الكاظمي والميليشيات تجسيد لاعتراف الكاظمي وحكومته بأنها تعمل في مكان فيما يحق للميليشيات أن تتحرك بحرية في مكان آخر هو الدولة بكل مفاصلها؛ الأمر الذي يعني تجريد الحكومة من قدرتها على إدارة الدولة، بغض النظر عن موقف الحكومة التي يبدو أنها صارت تتوخى الحذر من أجل ألا يتم إسقاطها من خلال انقلاب الميليشيات عليها.

السابق
مع اقتراب زوجته من الفوز بالانتخابات.. نائب يموت من الفرح!
التالي
5 بلدات في «بعلبك -الهرمل» الى الإقفال.. وخضر يُحذّر!