السلطة تُهمل الشق الاقتصادي من المبادرة الفرنسية.. من يخلص لبنان من الجهنم الموعودة؟!

الجوع وحد اللبنانيين

كان لافتا أن جولة نواب كتلة المستقبل النيابية على الكتل النيابية قبل موعد الاستشارات النيابية الاولى (التي تم تأجيلها) كان إستمزاج آراء الكتل النيابية وإظهار مدى إستعدادها للسير بتطبيق إصلاحات الاقتصادية للمبادرة الفرنسية، كما يجدر التوقف أيضا عند تبرير مصادر مقربة من الرئيس ميشال عون بعد تأجيله موعد الاستشارات لمدة أسبوع أنه “حريص  من خلال هذه الخطوة على تأمين حصول الحكومة العتيدة على الثقة المرجوة لأن أمامها برنامجا للاصلاحات بجب أن يتم التوافق حول آلية تنفيذه حتى تكون خطة الحكومة وبرنامجها واضحين، وأنه من ضمن أسباب التأجيل أن الخلاف بين الكتل النيابية ليس على المبادرة الفرنسية وما تحتويه من نقاط إصلاحية بل على طريقة تنفيذ هذه المبادرة ما يفرض وجود مناخات ايجابية للعمل”.

كل ما سبق يعني أن القوى السياسية اللبنانية لا تزال على “عادتها” القديمة في مقاربة موضوع الإصلاحات (إذا كان هو السبب الحقيقي للتأجيل) منذ أيام مؤتمر باريس 1 في العام 2001 وصولا إلى مؤتمر سيدر في العام 2018، أي محاولة الاستخفاف بعقول المجتمع الدولي واللبنانيين جميعا والتذرع بأنهم يقبلون بالاصلاحات لكنهم يختلفون على طريقة تنفيذها، إلى أن وقع الانهيار في العام الماضي وباتوا اليوم يستجدون مساعدة صندوق النقد الدولي للخروج من الهاوية السحيقة التي أوقعنا فيها تسويف ومماطلة الطبقة السياسية في تطبيق الاصلاحات المطلوبة بهدف الحفاظ على مكتسباتهم وستر فسادهم .

كل ما سبق يدعو للبحث عن الجديد الذي حمله الشق الاقتصادي في المبادرة الفرنسية،  والذي يعتبر حبل النجاة الوحيد من الوقوع في “غياهب جهنم”التي يبشر بها المسؤولون اللبنانيون بها، وعما إذا كانوا يملكون خيار التسويف والمماطلة لعدم تطبيقه كما حصل مع المؤتمرات الاقتصادية السابقة.

الانهيار فرض إجراءات و قوانين جديدة

يربط وزير الدولة السابق لشؤون الاستثمار والتكنولوجيا عادل أفيوني أهمية الشق الاقتصادي للمبادرة الفرنسية بالديناميكية التي تؤمنها لكي يتمكن لبنان من إستعادة ثقة المجتمع الدولي بجدية لبنان في معالجة مشاكله الاقتصادية، وبنيل المساندة الكافية من قبل صندوق النقد الدولي للتغلب من أزماته المالية والاقتصادية، وفي هذا الاطار يقول لـ”جنوبية” :”تحتوي المبادرة الفرنسية على شق إقتصادي مهم جدا وإصلاحات إقتصادية تشكل الشرط الاساسي للحصول على دعم مادي من صندوق النقد، وهذا هو الهدف الاهم من المبادرة وهو الحصول على دعم سريع وطارئ من صندوق النقد لوقف النزيف في إحتياطي مصرف لبنان وسد حاجاتنا للعملات الصعبة في هذه المرحلة”، لافتا إلى أن “هذا الدعم لن يحصل إلا إذا تم تنفيذ عدد من الاصلاحات الاساسية وهي مطلوبة من الطبقة الحاكمة منذ أكثر سنوات”.

 يشرح أفيوني “الفرق بين الاصلاحات الاقتصادية في المبادرة الفرنسية والاوراق الاقتصادية السابقة بأن المبادرة تعالج المشكلة الاقتصادية اليوم أي بعد عام من حصول الانهيار، في حين الاوراق الاقتصادية السابقة وضعت قبل حصوله”، لافتا إلى أن “هذا يعني أن وضعا إستجد وبات هناك أزمة أكبر بكثير وباتت هناك قرارات وإجراءات سريعة على لبنان إتخاذها تختلف عن السابق، لأنه علينا التعامل مع وضع بات أسوأ بكثير وحصل إنهيار في العملة الوطنية وفي إحتياطي مصرف لبنان  وفي القطاع المصرفي والودائع و توقفت الدولة اللبنانية عن تسديد ديونها”، ويشير إلى أن “كل هذه المعطيات التي حصلت منذ عام وإلى الآن تجعل الشق الاقتصادي من المبادرة الفرنسية يختلف عن الاوراق السابقة لأننا مجبرين على معالجة هذا الوضع المستجد والازمة المستفحلة”..

أفيوني لـ”جنوبية”: أهم  ما في المبادرة هو دعم صندوق النقد لوقف النزيف المالي  

يضيف:” من الاجراءات التي تتضمنها المبادرة مثلا لمعالجة الانهيار ولم تكن موجودة في مبادرات وأوراق إقتصادية سابقة هي خطة الكهرباء حيث تنص المبادرة الفرنسية على تأجيل بناء معمل سلعاتا توفيرا للكلفة، والمثل الثاني هو إقرار قانون الكابيتال كونترول لأنه بات ضرورة منذ أن توقفت المصارف عن إعطاء الودائع لمودعيها”، مشددا على أن”هذا القانون كنا نطالب به منذ عام وإمتنعت الطبقة السياسية وتواطأت بعدم إقرار هذا القانون، واليوم في المبادرة الفرنسية هناك شرط أساسي وطبيعي لقوننة الكابيتال كونترول وحماية المودعين وجعله شفافا وواضحا وضبط خروج الرساميل الكبرى وهذا قانون كان يجب أن يقر وهذا ما لم يحصل”.

يشير أفيوني إلى أن “النقطة الثالثة هو التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي وهذا الاجراء لم يكن مطروحا في الاوراق الاقتصادية السابقة، وأيضا إعادة هيكلة الدين العام كشرط اساسي للإتفاق مع صندوق النقد وهذا ما لم يكن مطروحا في السابق لأننا لم نكن قد وصلنا بعد إى مرحلة التعثر وعدم الدفع أو عدم تسديد الدين”، موضحا أنه “من النقاط الجديدة أيضا هوإعادة هيكلة القطاع المصرفي  سابقا لم تكن هذه النقطة مطروحة لأنه لم تكن المشكلة في القطاع المصرفي قد ظهرت بعد، واليوم مشكلة القطاع المصرفي أساسية وإعادة هيكلته والاتفاق مع المصارف على حل هو في صلب المبادرة الفرنسية والشق الاقتصادي منها”.

عادل أفيوني
عادل أفيوني

ويشرح أنه “في الأوراق الاقتصادية السابقة كانت الاصلاحات لتجنب الوصول للإنهيار أما اليوم  فوصلنا  إلى الانهيار والاصلاحات في المبادرة الفرنسية هي لمعالجة  مكامن الانهيار وهي جديدة”، لافتا إلى أن “هناك تقاطع في كثير من النقاط بين الشق الاقتصادي للمبادرة الفرنسية وخطة الحكومة المالية متل قانون الكابيتال كونترول وهيكلة الدين وإعادة التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وخطة الكهرباء وإصلاح القطاع المصرفي وكل هذه الامور تطرقت لها حكومة حسان دياب في خطتها المالية، ولكنها عجزت عن إحراز تقدم فيها وإكتفت بعناوين وأحيانا تراجعت عنها (قانون الكابيتال كونترول)والمبادرة الفرنسية إسترجعت هذه البنود ووضعتهم كشرط أساسي لتقديم أي دعم مادي”.

لا تعاطي جدي مع الاصلاحات  

يتشارك الخبير الاقتصادي نسيب غبريل مع الوزير أفيوني حول أهمية بنود المبادرة الفرنسية لإنقاذ الوضع الاقتصادي في لبنان، لكنه يرفض الجزم بالسير بها وتنفيذها من قبل المسؤولين اللبنانيين، تطبيقا لمقولة “ما تقول فول ليصير بالمكيول” ويقول لـ”جنوبية” :”لا أصدق ان الاصلاحات ستنفذ إلا أذا لمسنا ذلك على أرض الواقع وأكبر دليل على ذلك هو تعطيل المبادرة الفرنسية التي حصلت في أيلول الماضي، وهذا مؤشر للناس أنه لا تعاطي جدي مع الاصلاحات والمسؤولون اللبنانيون لا يهمهم سوى البقاء في مناصبهم مهما كانت الويلات والانهيارات كبيرة على القطاعات الاقتصادية”.

ويشرح غبريل النقاط المستجدة في المبادرة فيقول:”أولا محاربة الحكومة الجديدة تداعيات فيروس الكورونا على الشرائح الضعيفة من الشعب اللبناني، ووضع آلية لتوزيع المساعدات الدولية على المتضررين من إنفجار مرفأ بيروت بطريقة شفافة وبرعاية الامم المتحدة”. 

ويضيف: “تشجع المبادرة السلطات اللبنانية لمعاودة المحادثات مع صندوق النقد الدولي  وتطبيق الاجراءات التي طلبها الصندوق قبل توقيع الاتفاق معه (قانون كابيتال كونترول – التدقيق الجنائي) تعديل موازنة 2020 كي تتضمن الخطط تفصيلية للمالية العامة على المدى المتوسط وتحديد المتأخرات للحكومة اللبناية وكم بلغ حجمها، ووضع آلية وتصور لتوحيد أسعار الصرف للدولار مقابل الليرة اللبنانية ووضع هيكلية جديدة للقطاع  المصرفي ووضعه على الخط السليم”.

غبريل لـ”جنوبية”: لا تعاطي جدي مع الاصلاحات والمسؤولون لا يهمهم سوى  مناصبهم 

يشرح غبريل أن “الاصلاحات الملحة على المدى القصير يجب أن تكون في قطاع الكهرباء  وتعيين هيئة ناظمة مستقلة حسب القانون 462 /2002 من دون تعديل لهذا القانون وإعطائها الموارد الكافية للقيام بعملها، وتنظيم مناقصات للمعامل الكهرباء على الغاز وتأجيل العمل في معمل سلعاتا للكهرباء وتحضير برنامج وجدول زمني لرفع الدعم التدريجي عن الكهرباء”، لافتا إلى أنه من”الاصلاحات المطلوبة أيضا أن يقر مجلس النواب قانون المناقصات للإدارات العامة وتشجيع الحكومة على القيام بتنفيذ ومتابعة مقررات مؤتمر سيدر وان يقر مجلس النواب قانون استقلالية القضاء وتعيين الشواغر في الإدارات العامة والهيئات الناظمة بمعايير شفافة وان تستعين الحكومة بمؤسسات دولية مستقلة مثل البنك الدولي ومؤسسة التعاون الاقتصادي والانمائي للقيام بمسح عام لعدد العمال والموظفين في القطاع العام تمهيدا لإعادة هيكلته، والطلب من الحكومة تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وإعطائها الموارد الكفيلة على العمل وان يعمل لبنان على الانضمام لمعاهدة مكافحة الفساد الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والانمائي التي أقرت في العام 1997 وتفعيل المجلس الاعلى للخصخصة وقانون  الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالموارد البشرية والمالية لتحقيق أهدافه”..

ويرى أنه “لا يجب على المسؤولين اللبنانيين أن ينتظروا جهة خارجية أن توصينا بتنفيذ هذه الاصلاحات مطروحة منذ العام 2001 (الكهرباء – مكافحة الفساد إعادة هيكلة القطاع العام ) لكن للأسف لم ننفذ أي خطوة منها وآخرها ما حصل في مؤتمر سيدر في العام 2018 حيث وعد المجتمع الدولي بإعطاء الدولة اللبنانية قروض ومساعدات بقيمة 11 مليار دولار مقابل أن تقوم بهذه الاصلاحات المتواضعة جدا ولكننا لم نقبل بذلك”، مشددا على أنه “كان يمكن تجنب العودة إلى صندوق النقد الدولي للوصول إلى إتفاق إصلاحي- تمويلي معه لأنه يفرض شروط قاسية و اليوم لا خيار لنا سوى التعاون مع الصندوق”.

ويختم:”كان يمكننا تطبيق إصلاحات سيدر المتواضعة جدا بالمقارنة مع ما يمكن الاستفادة منه ونتجنب الازمة التي نتخبط فيها”.

نسيب غبريل
نسيب غبريل
السابق
الجائحة تمدد إغلاق 79 بلدة..فهمي مدد الإجراءات لمواجهة «الكورونا»!
التالي
في مشغرة: سارعت لإنقاذ مريض كورونا يُصارع الموت.. فأُصيبت بالفايروس!