«حزب الله» والمبادرة الفرنسية.. «تأييد» حق يراد به باطل!

حزب الله

يتمسك “حزب الله” نظرياً بالمبادرة الفرنسية ويحابيها، بينما يعمل في حقيقة الأمر وجوهره بالمقابل على خنقها ووأدها على طريقة كلام حق يراد به باطل، إلى درجة نجح في ترنيحها وجعلها في وضع تحسد عليه، فهي باتت خلف ظهر اطراف السلطة السياسية او معظمها على احسن تقدير، في وقت تبدو الأزمة المالية الاقتصادية والمعيشية، نحو مزيد من التأزم من دون ان تظهر ايّ خيارات حل بديل عما طرحته هذه المبادرة.
لا شك ان جميع من في السلطة وهو يدير ظهره عمليا لما طرحته فرنسا، يعلن في الشكل تأييده لها، لكنه التأييد الذي يعكس فعليا تجاوز المبادرة والعودة الى اعادة انتاج منظومة الحكم ذاتها في عملية تشكيل الحكومة، اي أن منظومة السلطة قوضت جوهر ما طرحه الرئيس  الفرنسي لجهة تشكيل حكومة مستقلين، اي غير خاضعة لسطوة احزاب السلطة.

اقرأ أيضاً: عندما «يُسيب» حزب الله شعبه و«يقدس» سلاحه!


قبل يومين وفي مقابلة اجريت مع القيادي في “حزب الله” والوزير السابق محمود قماطي، اكد خلالها في سياق تبرير موقف الحزب  غير المتحمس للمبادرة الفرنسية، على رغم اعلانه التأييد ل٩٠ في المئة مما تضمنته، ان فرنسا لا تشكل طرفا دولياً مستقلاً عن القرار الاميركي، مشيرا الى انسحاب شركة “توتال” من عملية التنقيب عن الغاز، معتبرا ان هذا الانسحاب المؤقت جاء بسبب طلب اميركي، وبالتالي فان فرنسا، بحسب قماطي، ليست طرفا يمكن الركون الى مواقفه، طالما انها عاجزة عن ان تواجه الضغوط الاميركية.
التعامل بخفة مع المبادرة الفرنسية في السجال الدائر اليوم حول تشكيل الحكومة، هو ديدن اطراف السلطة، التي باتت تقارب هذه المسألة وكأن شيئا لم يحصل خلال عام، العودة الى نفس قواعد اللعبة القديمة ونظام المحاصصة.
يؤكد هذا المسار الذي تعبر عنه كل مواقف “التيار الوطني الحر” و “الثنائي الشيعي” والنائب السابق وليد جنبلاط وسواهم، عن ان المبادرة الفرنسية تفتقد الزخم الدولي، وتفتقد الدعم الاميركي على وجه التحديد، والا لما كانت مواقف القوى المشار اليها متناغمة مع المسعى الاميركي بشأن التفاوض مع اسرائيل، وتدير الظهر للمبادرة الفرنسية من خلال ادخالها في متاهات الزواريب اللبنانية.

وليس خافياً أن اعلان الاتفاق على اطار التفاوض على ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، وفر على منظومة السلطة المخاطرة بدورها ونفوذها الداخلي، الذي كانت تتحسسه من المبادرة الفرنسية، وساهم موعد الانتخابات الاميركية مطلع الشهر المقبل، في اتاحة المجال لشراء الوقت، خصوصا ان الادارة الاميركية ليست في وضعية تتيح لها الانخراط في ملفات هامشية، اذا ما قورنت بهاجس الانتخابات الذي بات يقلق دونالد ترامب وانصاره، بسبب التفوق الذي احرزه المرشح الديمقراطي جو بايدن في النقاط كما تشير استطلاعات الرأي، والتي تظهر ان احتمال سقوط ترامب في هذه الانتخابات بات اكثر من جدّي.

ترسيخ قواعد اللعبة القديمة ونظام المحاصصة

الوقت الضائع يجري استثماره من قبل منظومة السلطة، في سبيل ترسيخ قواعد اللعبة القديمة ونظام المحاصصة، ومحاولة فرض وقائع تمنع اي تجاوز لهذه القواعد في اي صيغة حكومية مقبلة، لكن الأهم من كل ذلك، هو ان لبنان لم يزل خارج اي حلول تتمتع بزخم دولي.

ملف المفاوضات وفر هذه الوضعية لمنظومة السلطة وعلى رأسها “حزب الله”، الذي يبدو من خلال قبوله بالتفاوض، الذي يظهر خروجه عن مسار لم يكن منسجما بل معاديا لمسار التفاوض، لا سيما ان توقيته كان بعد اسابيع قليلة من اتفاقية التطبيع التي عقدتها اسرائيل مع الامارات العربية ومملكة البحرين، وهي وان كانت مفاوضات لا تعني تغييرا في موقف العداء من اسرائيل، الا انه يعكس تغييرا في منهجه بالضرورة.


لقد شكل انفجار ٤ آب نقطة التحول، وساهمت العقوبات الاميركية التي طالت حلفاء الحزب في هذا التغيير، ففي كل الخطب التي القاها امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله بعد تفجير ٤ آب اظهرت تراجعا واضحا عن لغة التهديد ضد اسرائيل، بل اظهرت ليونة غير مسبوقة في خطب نصرالله، برزت في تفادي توجيه اي اتهام لاسرائيل بشأن التفجير او ما تلاه من تفجير عين قانا، وبرزت لغة تبريرية ودفاعية في منطقه، يمكن تفسيرها بأن التهديدات الاسرائيلية والاميركية بضربة كبيرة للحزب كانت جدية، فيما هو الذي بنى طوابق شاهقة من لغة التهديد لاسرائيل، اكتشف ان بناءه كان على ارض مهتزة، وعرضة لانهيار سريع في اي مواجهة عسكرية مع اسرائيل.


لذا بدأ “حزب الله” مجددا بتسليف الاميركيين مسألة التفاوض، في مقابل التأكيد على مرجعيته في ادارتها وتوجيهها، وهو مسار ينطوي في جانب منه ترقب ما ستؤول اليه العلاقات الاميركية الايرانية ما بعد الانتخابات الاميركية، والأهم فان “حزب الله” الذي يتمسك باسم “الثنائية الشيعية” في اصدار البيانات المتصلة بالمفاوضات، يدرك ان المهمة الاساسية التي بدأها هي ترسيخ السيطرة على القرارات  الاستراتيجية اللبنانية باسم الشيعة وبالتالي باسم ايران في لبنان، سواء كان ذلك بالسلاح او بتعديل النظام الذي يجعل من “المثالثة” ترسيخا للسيطرة والنفوذ والتحكم باختصار الامساك بالسلطة من دون التخلي عن نبرة العداء لاسرائيل ولو كانت شكلية.

ما بين “التقية الجزئية” تجاه العلاقة مع أميركا وتعبيد الطريق نحو اتفاق سلام تسووي مع إسرائيل، يواصل “حزب الله” رهن البلد وشعبه ولقمه عيشه لا بل مستقبله بما أوتي من جبروت وقوة لا يزال يستمدها من سلاحه “حتى إشعار آخر”.. وتحويله إلى أداة ضغط يعبث بها المحور الإيراني كما يحلو له.. الى متى؟! 

السابق
والد بوسي يكشف بشكل صادم: «ابنتي توقفت عن دفع تكاليف علاجي»!
التالي
شينكر في بيت الوسط.. ما مضمون اللقاء مع الحريري؟