أذربيجان تمتحن روسيا والإتحاد الأوروبي

حرب كاراباخ تنذر بأزمة دولية

في شهر يوليو الفائت كانت الأجواء في أذربيجان مشحونة. المناوشات الحدودية المتقطعة مع أرمينيا تحولت إلى غضب داخلي أثناء تشييع 11 جنديا بينهم جنرال برتبة لواء، قتلوا أثناء الاشتباكات مع الجيش الأرمني. فقد انتقل المعزون من أحد أحياء العاصمة باكو سيرا على الأقدام إلى مبنى البرلمان في وسط المدينة، وما لبثت حركتهم العفوية التي كانت بالمئات أن تحولت إلى الآلاف، وقد قدّرت وسائل إعلامية غطت الحدث أن تعداد من وصلوا إلى البرلمان وحاولوا اقتحامه بلغ قرابة 30 ألف. 

وفي مساء 14 يوليو كانت شرطة مكافحة الشغب حذرة جدا في تعاطيها مع المتظاهرين الذين نجح بعضهم في اقتحام البرلمان وفي مواجهة الشرطة وتحطيم بعض السيارات التابعة لها وسط هتافات داعمة للجيش ومؤيدة للحرب ومنددة بسياسات الحكومة.

سلطة أذربيجان القمعية وجدت في التوتر العسكري المتصاعد مع أرمينيا مخرجا مؤقت لاحتواء ضغوط الشارع والمعارضة السياسية، وفرصة لوقف مسلسل التنازلات تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية والاستياء العام في البلاد الذي تُرجم أكثر من مرة في الشارع، لذلك سارعت الحكومة إلى تعامل مختلف مع احتجاجات 14 يوليو خوفا من تطور الموقف ضدها، واستغلت مطالب المتظاهرين في الانتقام لقتلى الجيش على اعتبارها حراكا وطنيا داعما للدولة والحكومة.

ميزان القوة في هذه المواجهة يميل لصالح باكو وهي تحاول استثماره سياسيا

منذ ثلاثة أشهر، تصاعد التوتر بين البلدين ما أدى إلى اندلاع مواجهة عسكرية حتى الآن لم يتضح من هو الطرف الذي أشعلها ولم يعد بمقدوره السيطرة عليها، وباتت تهدد استقرار منطقة القوقاز، إلا أن الطرفين كانا بحاجة إلى مثل هذا الاحتكاك الخشن، لكن شرط ألا يصل إلى حرب مفتوحة تضر بالاستقرار الإقليمي.

إقرأ أيضاً: «كورونا» يتمدد في الشمال..22 إصابة جديدة!

باكو من جهتها كانت منذ سنوات تستعد لمعركة تعيد التوازنات العسكرية بعد سنوات من التراجع أمام يريفان، فقد كانت مصرة على استرجاع ما تعتبره أراضي أذربيجانية محتلة وعودة أكثر من 600 ألف نازح أذري إلى ديارهم.

في المقابل، يريفان بحاجة ماسة إلى اختبار موقف حلفائها التقليديين (روسيا وإيران) والدوليين خصوصا الاتحاد الأوروبي، الذي يختلف موقفه عن موقف واشنطن الضبابي، فالعلاقة الروسية الأرمينية تمر بمرحلة معقدة بعدما أطاحت ثورة شعبية بحكومة يريفان الحليفة لموسكو، كما أن الأزمة الحالية هي اختبار لمدى قدرة موسكو على التدخل لصالحها كما في المواجهات السابقة، خصوصا مع تحسن العلاقات بين موسكو وباكو، التي استوردت كميات كبيرة من الأسلحة الروسية التقليدية الثقيلة يمكن أن تغير الوقائع الميدانية. فيما الموقف الإيراني يزداد ارتباكا نتيجة للضغوط الداخلية وخوفا من إثارة حفيظة أذر إيران ضد حكومة طهران المنحازة تقليديا لأرمينيا.

تعوّل باكو على الضغط العسكري لتحقيق تقدم ميداني ملموس قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار جديد يساعدها على فرض قواعد جديدة للمفاوضات

عمليا، حددت أذربيجان أهدافها من وراء التصعيد، فهي تريد إحراج مجموعة مينسك المؤلفة من (روسيا، الولايات المتحدة وفرنسا) التي أُنشأت سنة 1992 من أجل حلّ النزاع بين الطرفين، وتتهمها السلطات الأذرية بالانحياز ليريفان، وعدم الضغط عليها من أجل تطبيق اتفاقيات سابقة تطالبها بالانسحاب من 7 مدن من أصل 9 أذرية محتلة هي (لاجين، خوجاوند، كلباجار، أغدره، أغدام، جبرائيل، فضولي، قوبادلي وزنكيلان) حيث تتهم باكو  يريفان في المماطلة في تنفيذ بنود اتفاقية وقف إطلاق النار المعروفة باسم “بروتوكول بيشكيك”، الموقعة بين الطرفين في 4-5 مايو 1994.

ميزان القوة في هذه المواجهة يميل لصالح باكو، وهي تحاول استثماره سياسيا، فقد تجنبت مهاجمة الأراضي الأرمنية حتى تضمن حياد موسكو الملتزمة بحماية جمهورية أرمينيا بوصفها عضوا في اتفاقية الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، كما أنها تعوّل على الضغط العسكري لتحقيق تقدم ميداني ملموس قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار جديد يساعدها على فرض قواعد جديدة للمفاوضات.

عمليا، تريد باكو رمي الكرة في ملعب موسكو المربكة بين الحفاظ على تحالفها مع يريفان بالرغم من فتور العلاقة بعد وصول حكومة قريبة من واشنطن سنة 2018 وعدم رغبتها في خسارة باكو التي تواصل تعاونها الإيجابي معها منذ سنوات، لذلك لن تعترض على قيادة موسكو لمفاوضات الحل التي بدأت يوم الجمعة برعاية وزارة الخارجية الروسية، حيث  سقف التوقعات لن يتجاوز التوصل إلى هدنة إنسانية فقط ولأيام، فحرائق القوقاز المتكررة لم يعد بمقدور موسكو إخمادها لوحدها بعدما توسعت التدخلات وتعقدت الحلول، بالرغم من أن الجميع يدعون إلى حلّ سلمي للأزمة.

السابق
«كورونا» يتمدد في الشمال..22 إصابة جديدة!
التالي
النيران في أراضي القرادحة.. اشتعال مستودع التبغ وإخلاء المستشفى!