حرب «ناغورنو كاراباخ».. أذربيجان الشيعية العصية على ولاية الفقيه!

ما ان اندلعت الحرب قبل ايام بين أرمينيا وأذربيجان حتى تفاجأ اللبنانيون بالمواقف من الحرب المتناقضة والمتشابكة التي اتخذها اعلام ومواقع تواصل عدد من المكونات اللبنانية، اضافة الى مواقف دولية واقليمية غريبة، اهمها موقفي ايران وتركيا، فاذا كانت الاولى اكتفى اعلامها بالدعاية لأرمينيا كاتما دعمه لها ضدّ أذربيجان الشيعية، فان تركيا السنية جاهرت رسميا بدعم أذربيجان، مثيرة غيظ الاعلام السعودي الذي انضم الى ايران بدعمه للأرمن!

تقول الأحجية ان “ان الشيعة في لبنان ضائعون بين تأييد شيعة اذربيجان المدعومين من تركيا السنية، او مناصرة ارمينيا المسيحية المدعومة من ايران الشيعية بحرب البلدين التي اندلعت بسبب النزاع المسلح حول اقليم ناغورنو كاراباخ، مع العلم ان القوات الارمينية عام 1992 باغتت الاذريين واحتلت مساحة 20 الف كلم مربع بدعم من روسيا، وذلك بما يزيد عن مساحة اقليم “ناغورنو كاراباخ التي تبلغ مساحته 4000 كلم فقط ! 

هذه الحيرة ايضا اصابت سنة لبنان الذين وجدوا انفسهم بحيرة، هل يدعمون أذربيجان الشيعية لان تركيا رمز الخلافة الاسلامية تاريخيا داعمة لها، أم ينحازون الى الاعلام السعودي الذي ظهر في الفضائيات في اليومين الماضيين وهو يشيد ببطولة الجيش الارمني وتصديه ضدّ المعتدين الأذريين؟! 

تثير أذربيجان العلمانية ذات الاغلبية الشيعية حنق جارتها الكبرى ايران ولاية الفقيه الواقعة على حدودها الجنوبية، التي لم تستطع خرق نسيجها رغم محاولات طهران الحثيثة الهيمنة على “باكو” منذ انتصار ثورتها الاسلامية قبل 4 عقود، عبر تعبئة رجال دين واعلاميين أذريين وحتى تجنيد خلايا سرية من أجل تطويعها وجعلها حديقة خلفية لها، أو بلد خرب ومهمش تابع لها على نسق ما فعلت بالعراق، خصوصا وان في ايران قومية أذرية كبيرة عددها 15 مليون نسمة، اي اكثر من عدد سكان أذربيجان البالغ 10 مليون نسمة. 

وفي عام 2012، ألقت وزارة الامن القومي القبض على 22 مواطنا أذريا يشتبه في قيامهم بالتجسس لحساب ايران والتامر لمهاجمة سفارات وشركات غربية، اقترح حسين شريعتمداري رئيس تحرير جريدة كيهان الإيرانية (المُقرب من المرشد)، في مقال تحت عنوان “دور باكو”، إجراء استفتاء شعبي في أذربيجان لضمها إلى إقليم أذربيجان الإيراني، على اعتبار أن التعداد السكاني لأذربيجان الذي يبلغ تقريبًا 10 مليون من المسلمين الشيعة الذين تربطهم علاقات ثقافية ودينية ممتدة بالإيرانيين الأذريين (الذين يزيد عددهم عن عدد ساكني جمهورية أذربيجان ذاتها) مما يجعل سكان أذربيجان جزءًا من إيران. 

منافسة عرقية  

جاء مقال شريعتمداري ردًا على مؤتمر عقدته “جبهة التحرير القومي لجنوب أذربيجان”  في 30 مارس/آذار في أحد فنادق باكو حول “مستقبل جنوب أذربيجان”. حضر المؤتمر مسؤولو الجبهة وعدد من المسؤولين الأذريين السابقين، ناقشوا مستقبل منطقة أذربيجان الواقعة داخل الحدود الإيرانية. في أعقاب المؤتمر استدعت الخارجية الإيرانية السفير الأذري للاعتراض على عقد المؤتمر وحذرت من أنه سيقود إلى تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين. 

لخشية طهران من النظام الأذري بسبب تحالفات باكو الإقليمية المعادية لطهران وشكوكها في محاولة باكو منازعتها ولاء مواطنيها الأذريين سعى النظام الإيراني إلى دعم أرمينيا بشكل غير مباشر (اقتصاديًا) في صراعها مع أذربيجان المعروف بنزاع نجورنو-قرباغ الذي بدأ في 1988 حيث احتلت أرمينيا ما يقرب من 20% من الأراضي الأذرية بحلول 1992 لتتحول المنطقة إلى جمهورية نجورنو-قرباغ المستقلة (جزء من أرمينيا)، وتوصل الطرفان لاتفاق لوقف إطلاق النار في 1994. تستخدم إيران النزاع للعب دور الوسيط بين أذربيجان وأرمينيا بغية تقديم ذاتها كلاعب إقليمي في المنطقة لتحقيق مكاسب تمكّنها من كسر الحصار الغربي عليها وتوسيع نفوذها. وفي 1992 رعت إيران مفاوضات بين الرئيسين الأذري والأرميني لتسوية النزاع عُرفت بـ”إعلان طهران”. يضاف إلى ما سبق طموحات النظام الإيراني على المستوى الإقليمي؛ إذ تخشى طهران من أن يؤدي توسع الصراع الأذري-الأرميني إلى تدخل غربي يهدد أمنها القومي من ناحية حدوها الشمالية. 

منافسة اقتصادية 

وعمّق الاقتصاد الفجوة بين البلدين، باعتبار اذربيجان دولة نفطية غنية ومصدرة للغاز عبر تركيا باتجاه الغرب، منافسا بذلك مصادر الطاقة الإيرانية. 

وبذلك اصبحت إيران بحاجة إلى صداقة أرمينيا لتوفير معبر بديل للنقل إلى روسيا وأوروبا، وأرمينيا بدورها تواجه في الوقت الحالي انسداداً متواصلاً في طرق التجارة من جانب أذربيجان وتركيا، وهي معنية بتأمين ممر آمن وموثوق للتجارة، وتوثيق العلاقة مع إيران في مجال الطاقة، إذ إن أرمينيا تفتقر للنفط والغاز، وتخطط لإغلاق مولدات الطاقة النووية التي تملكها في غضون 10 سنوات، وسيساعد مشروع محطة الطاقة الحرارية والربط مع مراكز الإنتاج الإيرانية في تعزيز أمن أرمينيا الاقتصادي. 

ولهذه الأسباب مجتمعة بنت إيران علاقات جيدة مع أرمينيا، وصلت مرحلة الشراكة، على النقيض من العلاقات الإيرانية – الأذربيجانية، ونجد آثار تلك العلاقة ممتدة الى لبنان، فيلتزم اللبنانيون من اصول أرمنية بانتخاب اللوائح التي يشارك فيها حزب الله، طبقا للشراكة الوطيدة المعقودة بين طهران ويريفان.  

السابق
أمير الكويت.. رحيل عراب لبنان و «الطائف»!
التالي
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الثلاثاء 29/9/2020