الطريق إلى جهنّم

حزب الله يطلب مجندين في صفوفه

نيران وظلام حالك. تأوّهات ونواح. أنقاض وأشلاء. نفوس مشتعلة وقلوب محترقة. مشهد سيريالي لنهاية العالم. لا حياة ولا موتاً رحيماً. الصورة أقرب إلى جهنّم. هو لبنان بعد انفجار بيروت.
يشار للجحيم في الإسلام باسم جهنم حيث الحرارة الشديدة (السعير) والبرودة الشديدة (الزمهرير). وفي المسيحية، فإنّ الجحيم مقر انتظار الموتى الأشرار. وبعد الدينونة والحساب الأخير، ينتقل الأشرار إلى جهنم للعذاب الأبدي، والأبرار إلى الملكوت مع الله.
مفهوم “جهنّم” في الإسلام والمسيحية واحد. هكذا هو حال اللبنانيين الذين يعيشون “جحيمهم” في 2020 قبل يوم الحساب وعلى قاعدة (6 و6 مكرر) المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. أوصاف جهنّم التي أتت في الديانات السماوية الثلاث وغيرها من المعتقدات ترجمتها حال بيروت اليوم. ظلامٌ حالك ورائحة موت وجرائم ونيران وزمهريرٌ مقبل. لا كهرباء وأزمة وقود على أبواب فصل الشتاء ونفوس تآكلها الحزن والمأسي. آهات أمّ على ضناها والدٌ قد يسرق لإشباع أمعاء طفل يبكي من الجوع. هذه “جهنّم” يا فخامة الرئيس وليست الطريق إلى جهنّم. فالطريق بدأ قبل 15 عاماً، مع “تسونامي”.

اقرأ أيضاً: ميشال عون… هيَّا بنا إلى جهنَّم

عام 2005، اغتيل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري بقرار من دمشق وتنفيذ من حزب الله وفق ما اقرّت مؤخرا المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي. انسحب الجيش السوري من لبنان في إثرها بعد تظاهرة مليونية للشعب اللبناني ضد النظام السوري. يومها برز خندق مضاد ونظّم حزب الله وأزلامه تظاهرة بعنوان “شكرا سوريا”. عاد العماد ميشال عون من منفاه الباريسي في مايو (أيار) 2005 وفصل بين أتباعه ولبنانيي 14 آذار. انكفأ إلى خندقه لـ”يقود” منه ما اعتبره حق مكتسب لترؤس المرحلة. 15 عاماً قضاه في مدينة الأضواء (1990 – 2005) يتطلّع فيها إلى هذه اللحظة. في الشارع الآخر، لا قيادة موحّدة والمؤثّرون أو مشاريع القيادات تم اغتيالهم تباعاً على مر السنوات المقبلة. بعد أقل من عام على عودته، وتحديدا في فبراير 2006، وضع عون (المناهض المفترض لسوريا) يده بيد منظمي تظاهرة “شكرا سوريا”.

رسم حزب الله ومن ورائه إيران سياسة ما بعد الحليف السوري في لبنان. احتاجوا لغطاء يعطيهم مشروعية جامعة للطوائف والمذاهب وعلى رأسها “تسونامي المسحيين” يومها العماد ميشال عون (70% من المسيحيين). وقّعوا اتفاقا معه في مار مخايل (2006) والذي كان حجر الأساس لبناء تحالف للمرحلة الآتية. كل منهما حصل على مراده. مذاك، سيطر الحزب المسلّح على مفاصل السياسة ووصل عون بعدها بعشر سنوات لقصر بعبدا (2016). في صيف 2006، فاجأ حزب الله الجميع بقرار الحرب على إسرائيل ليدمّر لبنان ويشدّ “العصب المقاوم” في بيئته. عام بعدها، احتل وسط بيروت مع حليفه العوني بين 2007 – 2008 بهدف الحصول على ثلث معطل يسيطر من خلالها على قرارات الحكومة. وما لم يتمكن من فرضه بالسياسة والميثاقية فرضه بالقوة بعد أن انتهى احتلاله لوسط بيروت بغزوة أيار (مايو) 2008. 15 عاماً قضاها العماد عون في فرنسا، و15 عاماً منذ عودته وخطاب “جهنّم” في 2020. عاد في مايو (أيار) 2005 وفي مايو (ايار) 2008 سيطر مع حليفه على لبنان.

تواريخ قد تكون الصدفة جمعتها، ولكنّ رُبَ صدفة “أسوأ” من ألف ميعاد. منذ ذلك الوقت شهد لبنان حكومات تصريف أعمال أكثر مما شهد “ثقة حكومية”. تواصل الانهيار في مؤسسات الدولة كافة. تحوّل لبنان إلى جزيرة مقطوعة الأوصال مع حاضنته العربية والمجتمع الدولي وما يستتبع ذلك من أزمات. سنوات الانهيار والفساد و”جهنّم” التي أقر بها الرئيس عون عام 2020 تترجمها حال البلاد اليوم. لا كهرباء ولا وقود ولا دولار ولا أمن ولا ولا ولا.. ولم يبقَ إلا أن أتى تكديس مواد متفجرة في مرفأ بيروت ـ الذي يعلم القاصي والداني سيطرة حزب الله عليه ـ إلا ليدمّر العاصمة وأهلها.
“سيّدي” الرئيس إنها جهنّم بعد 15 عاماً من أيار (مايو) 2005، والتي عبّد اتفاقكم مع حزب الله عام 2006 الطريق إليها.

السابق
ميشال عون… هيَّا بنا إلى جهنَّم
التالي
ترحيب فرنسي بمبادرة الحريري «الشجاعة»: على السياسيين اللبنانيين احترام التزاماتهم!