«السنّة الميثاقيون» وسياسة فن الممكن

رؤساء الحكومة

لم تكن قضية السنّة بناء وطن قومي سنّي ولا صناعة السياسة القائمة على لي الأذرع والهيمنة، ولا كانوا صدى لصوت الإقليم إلا في مجال التأييد للقضايا القومية التي شكلت بالنسبة لهم “هوية” لبنان العربية.

دخل الأقطاب السنة إلى “بيت الوسط” الممثلين برؤساء الحكومات السابقين وخرجوا صفاً واحداً في ما يمكن اعتبارة الفرصة الأخيرة لانفاذ الجمهورية.

سبق هذه الجوله أن دون قيادات السنه تاريخياً حضورهم في مقدمة المضحين لبقاء الجمهورية، والآن ما كان منهم إلا فعل انسجام مع تاريخ أسلافهم ومراكمة التضحيات الوطنية ليكون ذخيرة بقاء أبناء هذه الطائفة رؤوسهم مرفوعة وصوتهم مدوياً بتضحيات قياداتهم الذين لم يلجأوا الى التعامل مع “الشيطان!” في لحظة “حشرتهم”، ولم ينهجوا نهجاً أقلوياً ولا سلوكاً غرائزياً.

اقرأ أيضاً: لبنان بين العطار الفرنسي ودهر السلطة

لقد أنصف رؤساء الحكومات تاريخهم وجمهورهم عندما سلكوا درب أسلافهم الذين ارتفع منهم ثلاثة رؤساء حكومات شهداء المشروع اللبناني العربي، وقافله عريقة من الشخصيات الوطنية. لم يفعلوا كما فعل ميشال عون “الرئيس القوي” عندما أرسل إشارات توحي بالقبول بالتطبيع بعد حلحله العقبات في لحظه سياسية الأكثر حرجاً في تاريخ عون. تحدث بلغه غريزة البقاء.

في موقف رؤساء الحكومات السابقين قراءات متعدده ولكن القراءة التي تحيد عن جوهر وعميق التفكير السني الميثاقي في الجمهورية الذي لطالما اعتبر ان الخلافات اللبنانية يجب أن تبقى تحت سقف المؤسسات الدستورية وأي حل لها يجب أن يكون تحت هذا السقف، فهكذا كان الحل في اتفاق الطائف الذي كان رفيق الحريري “أمه وأباه” فجاء الحل من خلال مجلس النواب الذي انتخب عام 1972 وبالرغم من تجاوز الزمن لتمثيل هذا المجلس إلا أنه كان يمثل البقيه الباقية من المؤسسات الدستورية التي تشظت في حرب دامت 20 عاماً، فكان هذا المجلس بما يمثله من مؤسسة دستورية هو الذي خرّج اتفاق الطائف.

ليس انتصاراً ولا هو هزيمة بل هي “سياسة فن الممكن” انطلاقاً من الواقع الدولي والواقع الداخلي، هنا تكمن مسؤولية قيادة الناس، الفارق النوعي بين قيادتهم نحو الاحتراب أو نحو الحلول السلمية وتأمين سلامتهم وقطع الطريق على الخصوم، وما أكثرهم، إلى ساحة قتال أو ساحات تغرق بدماء الأبرياء كما حصل في سوريا وكما حصل في تاريخنا، “حروب الآخرين” على أرضنا كما سماها الراحل الكبير غسان تويني.

لم يكن الموقف الأخير لرؤساء الحكومات مبنياً على مصلحه سياسية شعبوية، بلحظة حرجة تهدد وجود لبنان كما ذكر وزير خارجية فرنسا Le Drian عندما تحدث عن امكانية اختفاء لبنان من الوجود! هذا المعطى الجدي الذي جاء في سياق تدويل القضية اللبنانية، في عهد شكل رمزاً للأزمات السياسية التي استفحلت لتصبح أزمه وجودية. التعاطي الفرنسي بالقضية اللبنانية تأتي في سياق الحفاظ على المصالح الفرنسية شرق المتوسط ولم يكن وحيداً، فبعد انفجار مرفأ بيروت المفجع، أصبح الملف اللبناني ملفا دوليا استقطب اهتمام مختلف القوى الدولية الفاعلة. وأصبحت كل الملفات الحساسة خاضعة للاستخدام السياسي من ترسيم الحدود (البحرية والبرية) مع العدو الإسرائيلي، إلى التنقيب عن الغاز والنفط، الى تجديد مهمة اليونيفيل في جنوب الليطاني فلن يتورع الحزب الحاكم عن استخدام تلك الملفات وتوظيفها لتشكل درعاً حامياً لوجوده في الحكم واستمراريته وهو مستعد للمقايضه على حساب المصالح الوطنية مقابل البقاء والاستحكام بلبنان. هل من المفيد لللبنانين أن تنسحب كل القوى المناوئة للحزب الحاكم وترك المؤسسات الدستورية (على هشاشتها) مطية في يديه ليشرع كل أفاعيله ويستحوذ على لبنان بالكامل؟

أوصل الحزب الحاكم المتمثل بـ”الحزب-اللاتية والعونية السياسية” لبنان الى أزمة وجود وقادوها بسطوة السلاح وبرعاية اقليمية من محور الممانعة ولم يخفوا سيناريواتهم التي تنقلت بين تغيير الصيغة من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين الى المثالثة، وترددت صيغة التقسيم من خلال تطبيق الفيديرالية، اضافة الى ما اشار اليه ايلي الفرزلي بشكل صريح من أن حشر حزب الله سيؤدي الى التقسيم فالحزب لا هم له في ساحة مار نقولا فهو يستطيع تأمين مناطق وجوده ولو عسكرياً!

السؤال الأساسي بعد هذه السيناريوات يطرح نفسه على الجميع: هل نترك حزب الله والتيار العوني أن يقود لبنان الى التشظي ونجلس على ضفة النهر!؟ أم نشارك في حل الضرورة برعاية اقليمية وازنة لتثبت الصيغة اللبنانية وتفرمل الاندفاعة الممانعة نحو الدمار الشامل والحفاظ على المؤسسات الدستورية أو ما تبقى منها!؟

لا الدعاية الواهية ولا الادعاء بأن انفجار المرفأ انتج فرصه لفك عزلة منظومة حزب الله – عون تغير من حقيقة هذا الفريق عند دول القرار، فالتعاطي معهم جاء ليفرمل مسارهم الهدام في وقت كادوا أن يصلوا الى أهدافهم وفي وقت غابت الرعاية العربية ودورها الفعال في المشاركه بوضع الحلول كما هو حاصل على امتداد المنطقة العربية. والمشاركة لرؤساء الحكومات والوزير وليد جنبلاط جاءت في سياق المشاركة في مشروع حل أما الطرف الآخر اضطر الى فرملة اندفاعته ودفع البلاد للدمار. هو مشروع حل لم تكتمل فصوله ولا يجوز اطلاق الأحكام النهائية فهذا مسار يحتاج الى تكاتف كل القوى السيادية والحريصه على البلد ان يشفى من أمراضه الخطيره لتأمين هبوط سلس يؤمن حماية للبنان من المخاطر الوجودية.

لا يستطيع الوهم أن يبني حلولاً، فالتأسيس على قوة السنّه بالامتداد العربي يناقضه واقع الأمر، فالعرب تشظت دولهم وهدمت مؤسساتهم ومن نجا بالكاد يؤمن استقراره الداخلي وأولوياته في حماية أمنه القومي المباشر من العدوان الايراني وميليشياته المنتشره في دول عربية عديدة. فماذا على السنّة أن يفعلوا؟ هل ينتظرون دعماً لن يصل؟ أم يستقيلون من دورهم كما فعل الموارنة بعد اتفاق الطائف وتدخل السوري لاحكام سيطرته وحرّف تطبيق الطائف فقرروا مقاطعة أول انتخابات تجري منذ الـ 1972 وخرجوا من الدولة لغاية 2005 يوم اغتيال الشهيد رفيق الحريري. إن نجاة “السنة الميثاقيين” ونجاة لبنان ستكون خدمة لعروبة لبنان ولكل الأشقاء العرب.

لا يضنن أحد أن المشكلة مع الازمات المستولده من “الحزب-اللاتية والعونية السياسية” قد انتهت، وليس الحال في أفضله لا داخليا ولا إقليمياً، لكن اليوم هنالك خائبان اثنان، خائب من كان ينتظر انسحاب “السنة الميثاقيين” من المعادلة الوطنية على أن يستثمر انسحابها، وخائب ومن كان ينتظر الموت السياسي لممثليها الشرعيين ليعين زبانيته ممثلين هزيلين.

المبادرة التي تنحاز لصالح الشرعية الدستورية وتبني على أفضل الممكن تتقدم على خيار الاستقالة والانسحاب وانتظار الدعم الآتي من الدعاء والاستنجاد بالتاريخ الذي لن يفيد إلا شريعة الغاب التي أوصلتنا إليها الدويلة واتباعها، وعلى أن يستمر مسار حماية الجمهورية من التغول بالصمود والثبات على خط حماية هوية لبنان وحماية مصالح الشعب اللبناني ببقاء وطن خال من الفاسدين وأشد أنواع الفساد خطورة هو الفساد السياسي.

السابق
بدري ضاهر يتذمّر في مكان توقيفه.. تعطّل المكيّف فعانى من حالة اختناق!
التالي
حريق المرفأ يُهجّر أبناء الجمّيزة ومار مخايل.. الشوارع خالية!