الذكرى المئوية لولادة «لبنان الكبير»(3): الشيعة يقارعون الإنتداب.. الأمن مقابل الحقوق!

لبنان الكبير
لا شك ان تاريخ تحوّل الشيعة إلى طائفة لبنانية تحت حكم الانتداب الفرنسي هو تاريخ مفصلي، ولعلّ تأسيس المحكمة الجعفرية كان نتيجة لهذا التحوّل. خصوصا انه جرى بعد انكسار الحلم بالوحدة العربية تحت حكم الملك فيصل، والتفات رجال الدين والسياسة في جبل عامل الى المكاسب التي يمكن للطائفة ان تحصل عليها في دولة لبنان الكبير.

بين عامي 1920 و1936، حدثت سلسلة من التطورات السياسية والاجتماعية أدت الى ترسيخ فكرة لبنان واضعاف مشروع الوحدة العربية الذي كان امل العرب الشاميين. 

اهم تلك الاحداث اتفاق سايكس بيكو وبسط فرنسا سيطرتها العسكرية على سوريا ولبنان، وسيطرة بريطانيا على الاردن وفلسطين والعراق، واعلان تلك الدول انها واقعة تحت الانتداب وبحاجة لتشريعات ولتنظيم ومرافق حديثة قبل استقلالها. 

اقرأ أيضاً: الذكرى المئوية لولادة «لبنان الكبير»(1): المارونية السياسية والحرمان الشيعي

السيّدان والزعيم 

السيدان هما السيد محسن الامين والسيد عبد الحسين شرف الدين، والزعيم هو كامل الأسعد. وهؤلاء كان في اعناقهم امانة الحفاظ على جبل عامل ومصالحه الذي كان يقطنه 100 الف انسان شيعي قبل مئة عام هم العمق الحقيقي للطائفة، في حين ان شيعة البقاع كانوا بضعة آلاف معزولين ديموغرافيا، بين بحر سوري سني وجبل لبنان مسيحي. 

السلطة الروحية التي كان يتمتع بها السيدان الأمين وشرف الدين كانت شبه مطلقة بتفويض من باقي العلماء بعد مؤتمر الحجير وبالاتفاق مع الزعيم الأسعد، فقد قابل السيدان الملك فيصل في الاول من ايار عام 1920 وطلبا الدعم لوقوف العامليين شعبيا وعسكريا بجانب المملكة العربية ومقاتلة الاحتلال الفرنسي، محققان بذلك مطلب الجمهور العاملي التواق لوحدة عربية بقيادة الملك الهاشمي، وذلك دون ان يذهب معهما كامل الاسعد، بوصفه السلطة الزمنية التي تتعامل مع الفرنسيين كأمر واقع، ويُظهر ذلك حنكة الأسعد ورغبته بعدم قطع شعرة معاوية مع بيروت وعدم اغضاب الفرنسيين أكثر، وهم الذين يملكون السلاح والعتاد، في حين ان “العامليين لا يملكون سوى العصي” على حدّ قول السيد محسن الامين للملك فيصل في لقائه التاريخي اعلاه عندما سأله الملك عن استعداد العامليين للقتال. 

الوجه السياسي لهذا التحوّل المعرفي للجماعة الشيعية تجلّى بالمطالبة بإنشاء محكمة جعفرية، تحت شعار المساواة بين الطوائف

توزيع الأدوار هذا كان بمحله، وقد اسفر بعد سنوات وبعد خمود حرب العصابات ضدّ الجيش الفرنسي في نواحي الجنوب واستتباب الامن، أسفر عن اعتراف متبادل من الشيعة بلبنان الكبير، مقابل اعتراف سلطة الانتداب بالوجود السياسي والديني للطائفة الشيعية الذي كان مهمشا في ظل الحكم التركي، وغير معترف فيه الا تابعا لحكم الاكثرية السنية في العالم العربي.

تأسيس المحكمة الجعفرية 

وافقت سلطة الانتداب على دخول الشيعة الى نادي الطوائف اللبنانية بشكل رسمي، عبر تأسيس المحكمة الجعفرية عام 1926، بعد ان كانت الاحوال الشخصية للشيعة تتبع الفقه السني. 

عرض ماكس وايس، وهو أستاذ التاريخ ودراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون، تاريخ تحوّل الشيعة إلى طائفة تحت الانتداب الفرنسي، أي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، مركزًا على دور المحكمة الجعفرية في هذا التحوّل.  

الوجه السياسي لهذا التحوّل المعرفي للجماعة الشيعية تجلّى بالمطالبة بإنشاء محكمة جعفرية، تحت شعار المساواة بين الطوائف، فقد طالبت مجلة العرفان بذلك في مقالة في العام 1926 متمثلة بالنموذج العراقي، ومشدّدة على أنّ إنشاء هذه المحكمة لن يؤدي إلى نزاعات طائفية لأنّ الطوائف الأخرى لديها محاكمها الخاصة ولم يؤد ذلك إلى مشاكل (103). وقد أصدرت قوات الانتداب الفرنسي قرار إنشاء المحكمة الجعفرية عام 1926 وعيّنت الشيخ منير عسيران رئيسًا لها. 

اقرأ أيضاً: مئوية «لبنان الكبير»(2): الشيعة.. من مؤتمر الحجير وفتنة السلاح الى الحلم العربي المكسور

بدأ الحراك السياسي الشيعي، يقول وايس، منذ إنشاء لبنان الكبير سنة 1920 وبعد أن كان شيعة جبل عامل، المعروفون بالمتاولة، منعزلين في مناطقهم في أوائل القرن، خرجوا من انزوائهم في فترة الانتداب وبدأوا يطالبون الدولة الفرنسية بالكهرباء والمياه والطرقات وتخفيف الضرائب، تحت شعار المساواة، أي مساواة الشيعة بالطوائف الأخرى. والسؤال الذي يشغل وايس هو كيف صار الشيعة ينظرون إلى أنفسهم على أنهم طائفة مستقلّة على هذا الشكل. ويصرّ وايس على أنّ التوجّه الطائفي للشيعة وللجماعات الأخرى لم يكن خليق الحكم الفرنسي وحده، بل إنه نما أيضًا من الشعب نفسه، وكان إذاً للشيعة أنفسهم دور رائد في بلورة هويتهم الطائفية ». 

السابق
خوفا من تكرار كارثة المرفأ… القاضي إبراهيم يجري كشفا في مطار بيروت وقرار بشأن أعمال التأهيل
التالي
بالفيديو: حريق كبير في جاج.. ومناشدات من الأهالي بعد تمدّده للقرى المجاورة!