انفجار بيروت: التحقيقات تزيد الكارثة غموضا..من المسؤول؟ ومن المستفيد؟

صورة جوية لمرفأ بيروت بعد الانفجار الذي حصل فيه

استكمالًا لما كنا بدأناه في مقال سابق عن انفجار بيروت، تحت عنوان “رحلة قبطان سفينة الموت الى بيروت: السلطات اللبنانية على علم مسبق!”، نعرض اليوم لاحتمالات أن يكون الانفجار وقع بسبب الإهمال أم بفعل فاعل؟ ومن هم أصحاب المصلحة في التفجير المشتبه فيهم؟

وقف “العهد القوي” ضد التحقيق الدولي وكلف في 13 آب القاضي فادي صوان قضية كشف ملابسات انفجار المرفأ، فهل سيُفلح صوان في مهمته أم سينحني أمام تدخلات السياسيين وتضيع دماء قتلى انفجار بيروت هباء؟ يُرجَّح الخيار الثاني في الغالب، فبعد 17 يومًا ليس ثمة مجرد استدعاء للشهادة لأي من الوزراء أو العسكريين المقصّرين، وعبثًا ننتظر استقالة طوعية لأي من مسؤولينا “التماسيح” بالرغم من تراكم أخطائهم، بل قل خطيئاتهم وموبقاتهم.

اقرأ أيضاً: رحلة قبطان سفينة الموت الى بيروت: السلطات اللبنانية على علم مسبق!

هل فكَّرَ فخامة الرئيس ميشال عون لحظةً من نهار أمام هول كارثة المرفأ أن يقف ليقول «إن بكاء أسر المفقودين مازال يقض مضجعي ليلًا. بالنيابة عن الحكومة أعتذر عن عدم الحيلولة دون وقوع الحادث وغياب التعامل المبكر مع الكارثة»؟ أجزم أنْ لا، فالكلمات العظيمة تصدر عن عظماء الحكم فقط، والكأس ينضح بما فيه. إنها كلمات حقيقية قالها رجلُ حكمٍ عظيم يدعى تشونج هونج وون قدم استقالته من رئاسة وزراء بلاده كوريا الجنوبية عقب غرق عبّارة على متنها 476 شخصًا غالبيتهم من الطلاب والمعلمين.

وفي سيدة الديمقراطيات بريطانيا استقال 4 وزراء في غضون 6 أشهر، وزير الدفاع مايكل فالون ونائب رئيسة الحكومة داميان غرين، ووزيرة الدولة للتنمية بريتي باتيل ووزيرة الداخلية آمبر راد (كانت مرشحة لخلافة رئيسة الوزراء تيريزا ماي) بتهم التحرش الجنسي والتقصير الوظيفي.

وعلى خلفية حادث انقلاب حافلة سياحية أوقع 17 قتيلًا قدم وزراء الأشغال العامة والنقل والداخلية في بلغاريا استقالاتهم،

وتسببت أزمة اليونان المالية الكبيرة بإعلان رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس استقالته، داعيًا إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة ليراجع «الشعب اليوناني كل ما قام به منذ توليه منصبه ويقرر مجددًا»…

وإن نبحثْ نجدِ الكثيرَ في عالمنا المتقدم من الأمثلة المشابهة لمسؤولين كان الحكم بالنسبة إليهم تكليفًا وليس تشريفًا، وخدمة وليس نهبًا.

وقبل الدخول في تفصيل موضوع مقالنا لا بد أولًا من التطرق لذكر عوامل في حق القبطان بروكوشيف نحسب أنها ربما تنقله من خانة الشهود إلى خانة المشتبه فيهم فنقول:

إن من بديهيات علم التحقيق الأمني التي تتّبعها معظم المدارس الأمنية تكرار الأسئلة ذاتها مرات عدة على المشتبه فيه، فإذا تطابقت إجاباته في كل مرة فقد أبعد نفسه عن دائرة الشبهة، أما إذا تبين أي تناقض أو إخفاء معلومات مهمة في إجاباته فإنه يتحول في نظر المحققين إلى مشتبه فيه، فهل ظهر أي شيء من هذا القبيل من بروكوشيف؟

الجواب هو: نعم، فرغم إكثاره المفرط من المقابلات الصحفية، فإنه لم يذكر في أيٍّ منها حادثة السفينة “سارينا” SARINA في مرفأ بيروت إلا عند سؤال مراسل قناة “روسيا اليوم” RT الناطقة بالعربية عنها، وهي حادثة بلا شك ليست عرضية أو قليلة الأهمية، وتمثلت في أن قبطان سفينة لبناني تدعى “سارينا” قال بروكوشيف إنه لا يذكر اسمه، عرض عليه الحصول على شحنة النيترات مقابل دفع كل مستحقات “روسوس” على مرفأ بيروت، فأرسل رسالة إلكترونية بالتفاصيل إلى مالكها الروسي-القبرصي لكنه رفض. ويقول بروكوشيف إنه تم الاتفاق مع القبطان اللبناني على “عملية سرية” يتم بموجبها دفع المستحقات ثم الانسحاب بالسفينة إلى عرض البحر وهناك يتم ادعاء غرقها بعد إطفاء أجهزة رصد المواقع فيها. فهل جاء الاتفاقُ على “العملية السرية” بعد رفْضَ غرتشوشكين ومن دون علمه، في محاولة من الطاقم لإنقاذ نفسه، أم أن تفاصيلها هذه ذُكرت في الرسالة الإلكترونية وأن وقْف “العملية” كان بقرار من بروكوشيف خوفًا (كما قال في مقابلة مع قناة dmc المصرية) من إطالة مدة حجزه وزملائه في المرفأ في حال قُبض على هذا القبطان”؟

ومن أسئلة “روسيا اليوم” التي أسفر الجواب عنها عن معلومات جديدة لم يكن بروكوشيف قد أدلى بها في السابق، اعترافه بوجود ثقب صغير في قعر السفينة يقدَّر بما بين 4 إلى 5 ملم (نصف سم) كان يتسبب بدخول المياه إليها وأنهم كانوا يقومون بتفريغ هذه المياه كل فترة، قائلًا إنه كان في مكان من الصعب على الطاقم الوصول إليه بل كان في حاجة إلى غوّاص لسدّه، لذلك كنا نقوم بسده بمادة موقتة.­

وهنا تطرح أسئلة نفسَها: لماذا رفض غرتشوشكين عرض القبطان اللبناني على رغم أنه مفلس كما كان يدّعي؟ أوليس هذا الرفض دليلًا على قصد إيصال هذه الشحنة إلى طرف معين داخل بيروت؟ أولا يدل ما نشره موقع “أنا العربي” على الإنترنت من ظهور غرتشوشكين بعد توارٍ لعشرة أشهر بعد إطلاق بروكوشيف وزملائه لإعادتهم إلى بلادهم، على نجاح خطته بإبقاء السفينة في بيروت، تمهيدًا لإدخال المواد إلى بيروت؟؟؟؟

جدير بالذكر أن وكالة “رويترز” نقلت عن المتحدث باسم الشرطة في قبرص كريستوس أندرو أنه: “كان هناك طلب من الانتربول في بيروت لتحديد مكان غرتشوشكين وطرح بعض الأسئلة عليه بخصوص هذه الشحنة”، وأفاد بأنه تم استجوابه في منزله بقبرص، وأن إجاباته أحيلت إلى السلطات اللبنانية.

ولكن من هو صاحب “سارينا”؟ يفيد موقع متخصّص بحركة السفن في البحار هو marinetraffic بوجود 17 سفينة بهذا الاسم، ثلاث منها ترفع العلم الإيراني، تبين في 2 تموز 2019، إثر تقرير للتلفزيون الرسمي الإيراني الذي يسيطر عليه المتشددون وأثار أزمة سياسية داخل إيران، أن إحداها تسخّرها السلطات الإيرانية لتهريب النفط، إذ عرض التقرير صورًا مباشرة من الأقمار الصناعية لمسار الناقلة ثم رسوّها في ميناء بالصين لتسليم الشحنة النفطية متفاخرًا بالالتفاف على العقوبات، ما أثار حفيظة وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة، الذي اعتبر أن التقرير “فضح المستور وأضاع جهود البلاد للالتفاف على العقوبات، إذ يقوم بعض وسائل الإعلام الأجنبية العدوة بإعادة نشر هذا الموضوع..”.

اعتبر أن التقرير “فضح المستور وأضاع جهود البلاد للالتفاف على العقوبات، إذ يقوم بعض وسائل الإعلام الأجنبية العدوة بإعادة نشر هذا الموضوع..”.

وفي كلام يذكرنا بطموح من أراد تكسير رأس حافظ الأسد فكانت النتيجة تكسير لبنان فوق رؤوس أبنائه، قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عام 2016 (بعد سنتين من احتجاز النيترات في مرفأ بيروت): “كام صاروخ من عنا زائد هول حاويات الأمونيا بحيفا نتيجتن نتيجة قنبلة نووية”، وأدى إلى قيام الصهاينة بنقل مصنع النيترات من حيفا إلى الجنوب على وجه السرعة، ليس خوفًا من النسبة الضعيفة لتنفيذ مضمون كلام نصر الله، بل نحسب أن بشرهم ذوو قيمة لديهم، وهم لا يخاطرون بإبقائهم تحت مرمى الصواريخ ولو باحتمال واهٍ، ونحسب أنهم كدولة قامت أولًا وآخرًا على الاستخبارات والسلاح، تابعوا ما زلّ به لسان نصر الله عن “الأمونيا” فتوصلوا بعد 3 سنين إلى إدراج مرفأ بيروت ضمن أربعة “أهداف” مشروعة لهم، ورد ذكرها في تغريدات على “تويتر” للمتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، معتبرين مرفأ بيروت من “المعابر على حدود سوريا ولبنان [التي] تستخدم لنقل الأسلحة الإيرانية”، وأن مرفأ بيروت “يُستخدم كمحور نقل بحري للأسلحة من إيران إلى حزب الله”، كما أدرج أدرعي في تغريداته مطار بيروت الدولي مع هذه المحاور باعتباره “يُستخدم كمسار جوي وإلى جانبه منشآت لتحويل صواريخ إلى دقيقة”.

فهل استهدفت إسرائيل مرفأ بيروت؟ ولماذا؟ هل اكتشفت أن مادة النيترات داخل العنبر 12 تابعة لحزب الله فقامت بقصفه؟

أمران جعلا الرأي العام بدايةً يميل نحو الاعتقاد أن إسرائيل هي الفاعلة: صورة على الإنترنت وسماع هدير في السماء بعد الانفجار:

انتشرت بعد التفجير صورة على الإنترنت تُظهر صاروخًا يتجه نحو العنبر 12، وسرعان ما سرى حديث عن تفجير المكان بطائرة من الجو، ليتبين بعدها أن الصورة معالجة بتطبيق للرسم والتصميم،

أما الهدير، الذي سمعه فعلًا كثير من الناس بعد الانفجار، فقد بيَّن الخبراء بعد أيام أن الصوت المسموع كان بسبب النقص الكبير في الأوكسيجين الذي أحدثه الانفجار في الجو ومحاولة الأنحاء الغنية المحيطة بمكان النقص تعويضه.

وسرعان ما تم استبعاد رواية العامل الإسرائيلي، ولم يأخذ بها حتى الجيش اللبناني على رغم إصداره في صباح يوم التفجير  بيانًا جاء فيه أن خروقات متقطعة لطائرات العدو الإسرائيلي استمرت من صباح الثلثاء إلى صباح الأربعاء، فلماذا صمت الحزب الإيراني رغم أنه يملأ الدنيا ضجيجًا عند أي حادث أمني باتهام إسرائيل؟

بيان قيادة الجيش بشأن الخروقات الاسرائيلية

إذًا، من المستفيد من إبقاء النيترات لهذه المدة الطويلة؟؟

لن نجيب على هذا السؤال، بل سنعرض لأمرين ونترك للقارئ الكريم الاستنتاج:

أولًا: نشرت شبكة “ترونيوز” Trunews الأميركية مقطع فيديو لتفجير حدث في مدينة إدلب بسوريا قبل 7 أشهر يشبه تمامًا من حيث الشكل انفجار مرفأ بيروت، حيث أدى إلى تكوين سحابة هوائية بيضاء ضخمة على شكل الفطر تلاشت بسرعة مع ظهور ألوان التفجير ذاتها التي ظهرت في تفجير بيروت، بفارق واحد هو أن سحابة بيروت تصاعدت في السماء بينما توجهت سحابة إدلب نحو الأرض مباشرة. وهو أمر يطرح شكوكًا في تطابق المادة المستخدمة في التفجيرات، وهي نيترات الأمونيوم.

انفجار مرفأ بيروت

انفجار إدلب

ثانيًا: أقوال خبراء متفجرات كثر أن المادة التي انفجرت في العنبر 12 بمرفأ بيروت لم تكن الـ2750 طنًّا من النيترات، وقدَّروها بما بين 350 إلى 400 طن، معتبرين بما يشبه الإجماع أن 2750 طنًّا ما كانت لتُبقي على شيء من بيروت كلها في حال انفجارها. فأين اختفت بقية النترات؟

السابق
بعد التسوية الفرنسية.. تصعيد أميركي: لا نريد أن يكون «حزب الله» جزءا من الحكومة!
التالي
بالصورة: تضرر طائرة ماكرون في مطار بيروت.. ماذا جرى؟