خبيران إقتصاديان يحذران عبر «جنوبية» من أخطار التراجع الجديد للتصنيف: لبنان تحت الحصار

التلاعب مستمر بالدولار
قد لا يكون ُمفاجئا تخفيض وكالة فيتش (قبل أيام) تصنيف لبنان على درجةRD لإحتمال التعثر عن سداد إصدارات العملة الاجنبية طويلة المدى، إلا أن هذا التصنيف يدق الناقوس من جديد حول الخطر الاقتصادي المحدق في لقمة عيش اللبنانيين في الايام المقبلة، نتيجة الاداء السياسي والاقتصادي المزري للقوى السياسية ما أوصله إلى قعر التصنيفات العالمية لجهة ملاءته المالية والنقدية وقدرته على تسديد ديونه.

هذا التراجع الجديد في مكانة لبنان لدى الاسواق المالية العالمية يفتح الباب أمام السؤال عن علاقة بلدنا مع الدائنين ومع هذه الاسواق في المرحلة المقبلة في ظل إستمرار الامتناع عن تسديد الديون من جهة وتوقف المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد الدولي من جهة أخرى وأيضا في ظل أزمة سياسية يبدو أنها مستفحلة ولا ضوء قريبا للخروج من نفقها.

ليس صدفة تسريب خبر عن مصرف لبنان عبر وكالة “رويترز” يعلن فيه عدم قدرته على دعم المواد الاولية من طحين ومحروقات أكثر من ثلاثة أشهر، بل هو رسالة إلى السياسيين من جهة ودليل آخر على حالة العجز الاقتصادي التي وصلت إليها الدولة اللبنانية من جهة ثانية، ما يعني أيضا أن سيناريوهات إقتصادية سيئة قد تكون بالإنتظار.

قرم: لبنان تحت الحصار

ويقول وزير المال السابق جورج قرم، ل”جنوبية” :”اليوم لبنان تحت الحصار الفعلي ومن يقوم بهذا الحصار هو الدول الغربية، صحيح أن هناك مساعدات عينية تصل إلى لبنان لكن لا مساعدات مالية إلا إذا وصلنا إلى إتفاق مع صندوق النقد الدولي وكنا على وشك حصول ذلك لولا معارضة جمعية المصارف”.

وزير المال الاسبق جورج قرم
وزير المال الاسبق جورج قرم

ويلفت قرم إلى أن”حياة المواطنين ستزداد صعوبة سواء لناحية قدرتهم الشرائية أو لناحية حصولهم على جزء من ودائعهم، وللأسف المودعين الكبار وحدهم من سيعطى لهم إستثناءات بسبب غياب قانون”الكابيتال كونترول”، وهذا يعني أن النظام المصرفي يحتاج إلى إعادة هيكلة بأسرع وقت ممكن ومعرفة إلى أين ذهبت أموال المودعين”.

غبريل لـ”جنوبية”: لا اصلاحات أو  شفافية مع الدائنين 

ويضيف:” صحيح أنهم (المصارف) أقرضوا الدولة اللبنانية وهذا أمر تقوم به معظم المصارف في العالم، لكن خطيئتهم الكبرى التي إرتكبوها هي بيعهم (بعد حصول الازمة) لسندات اليوروبوندز لمصارف أجنبية وهذا ما وضع لبنان في وضع قانوني أصعب لجهة إمكانية مقاضاته من قبل هؤلاء الدائنين الاجانب، علما أنه بخبرتي أرى أن كل الدائنين يريدون الوصول إلى تسوية مع لبنان”.

أداء حكومة دياب سيء

ويشرح الخبير الاقتصادي نسيب غبريل إستمرار تراجع لبنان في التصنيف الائتماني العالمي  من زاوية أخرى قوامها الاداء غير المحترف لحكومة الرئيس حسان دياب في التعامل مع الأسواق المالية ومع صندوق النقد الدولي، فيشير لـ”جنوبية” إلى أن “المشكلة بدأت مع حكومة الرئيس دياب التي أعلنت في 7 آذار الماضي أن لبنان سيتوقف عن ديونه الخارجية ، وضحّت بمصداقية لبنان التي بنتها الدولة اللبنانية على مدى عشرات السنوات في تسديد مستحقاته الخارجية بكافة الاوضاع المحلية والخارجية، فحين يكون هناك قرار بالتوقف عن التسديد فإن معظم الدول التي تقرر القيام بهذه الخطوة تستبق القرار بفتح مفاوضات مع الجهات الدائنة ولا تعلن عن قرارها إلا بعد أن تكون قد قطعت شوطا كبيرا من المفاوضات مع صندوق النقد”.

إقرأ أيضاً: «أجراس العودة» لن تقرع الى.. منازل بيروت!

ولفت إلى أن “ما حصل في لبنان هو أن القرار أُتخذ وبعد مرور شهرين بدأنا المفاوضات مع الصندوق كما أن حكومة دياب لم تتواصل مع الدائنين المحليين والخارجيين قبل عدة أشهر، وبعد قرار التعثر لم يحدث تواصل وتفاوض معهم حول إعادة جدولة الدين العام، واليوم الحكومة إستقالت ولم يحصل تواصل مع الدائنين”.

الخبير الاقتصادي نسيب غبريل
الخبير الاقتصادي نسيب غبريل

ويرى غبريل أن”إقامة دعوى من قبل الدائنين على الدولة اللبنانية هو موضوع قانوني ولكن الاهم هو ضرب مصداقية لبنان وتهشيم صورته على أنه يسعى لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة منه دوليا، لأنه لم يفاوض الدائنين على مخرج لإعادة هيكلة الدين العام فإذا لم نكن شفافين في التفاوض مع الدائنين لإعادة أموالهم كيف يمكن أن نكون صادقين في تنفيذ الاصلاحات؟”.

يوميات محزنة للبنانيين

السؤال الذي يطرح هنا كيف سيترجم هذا التخبط على يوميات اللبنانيين ؟ يجيب غبريل:”هذا الامر يترجم حاليا على الارض لأنه بمجرد إعلان التعثر توقفت تدفقات رؤوس الاموال من الخارج من المؤسسات المتعددة الاطراف ومن القطاع الخاص، للأسف أنه لم يحصل تواصل مع الدائنين وهذا يعني تأجيل أي تحويلات يمكن أن تأتي من الخارج يحتاجها الاقتصاد اللبناني، فتأجيل تدفق رؤوس الاموال سواء أكان من مصادر رسمية أو قطاع خاص يضر  بإحتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، وشح السيولة من جراء تراجع تدفقات رؤوس الاموال أدى إلى إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة في السوق السوداء وإلى غلاء  في أسعار و تضخم و غير مسبوق و تعدد أسعار  الدولار في السوق السوداء”. 

قرم لـ”جنوبية”: لا أموال إلا بعد الإتفاق مع صندوق النقد 

ويعطي غبريل مثالا على ملل اللبنانيين من إنتظار الارقام، فيلفت إلى أن “مؤشر الاسعار الاستهلاكية التي تصدر عن مديرية الاحصاء المركزي إرتفع 90 بالمئة من حزيران 2019 حتى حزيران 2020، علما أن هناك مكونات السلة الغذائية أرتفعت أكثر بكثير من 90 بالمئة ونسبة إرتفاع التضخم أو إنخفاضه في الاشهر المقبلة يتعلق  بمدى نجاح دعم السلة الغذائية ولجم صرف سعر الدولار في السوق السوداء والقدرة على الاستمرار على الاستيراد من الخارج بعد كارثة مرفا بيروت”.

لا مصلحة للمصارف بمقاضاة الدولة

على الضفة القانونية يشرح خبراء القانون الدولي خصوصية  مشكلة الدائنين ( مصارف لبنانية وحاملي سندات يوبوندز في أسواق المال العالمية) مع الدولة اللبنانية هي في أنها بحسب القانون الدولي هي دولة ذات سيادة لا تخضع لنفس الاصول والقوانين والانظمة التي يخضع لها الاشخاص أو الشركات المتمنعين عن دفع ديونهم إلى من يستحق، ولا يمكن الحجز على ممتلكاتها (سفارات قنصليات وكل مؤسسة لها صفة عامة) بينما يمكن الحجز والتنفيذ على أموال خاصة للدولة أو لشركات خاصة متل الميدل إيست او عقارات”.

ويوضح هؤلاء الخبراء أن “المصارف اللبنانية لديها قسم كبير من هذه سندات اليوروبوندذ (نحو 60 بالمائة من الدين العام) ولا مصلحة لها في مقاضاة الدولة اللبنانية، لأن المحاسبة تفتح الباب أمام التدقيق في حسابات المصارف والمصرف المركزي والدولة ويدخل الموضوع في السياقات أخرى مما يؤدي إلى تعرض القطاع المصرفي إلى هزة أخرى ُتضاف الى الهزة التي أدت إلى الاضرار بالمودعين”.

السابق
«أجراس العودة» لن تقرع الى.. منازل بيروت!
التالي
فضيحة من العيار الثقيل تُفجّرها ديما صادق: جبران جاء بشحنة «الأمونيوم» الى لبنان!