«حزب الله» وإسرائيل «يربحان» الحرب.. قبل وقوعها!

علي الامين

لعل “ملحمة” الصراع العربي الإسرائيلي باتت بحاجة ماسة إلى إعادة نظر جوهرية في تعريفاتها و أدبياتها، التي أسرت شعوباً وأفراداً في فخ أسطورة أًجهضت قبل أن تولد، وتحولت الى فعل بطولات وهمية متمادية، أسقطت القناع عنها مفاعيل الربيع العربي و الثورات المتوقدة.

الصراع العربي الإسرائيلي تحول بفعل أنظمة مارقة وخانعة الى مصالح عربية إسرائيلية دخلت عليها الأجندة الإيرانية بقوة لتعممها وتعززها عبر “الشريك الأميركي المضارب”، من إيران الى سوريا ولبنان مرورا باليمن والعراق.

الصراع المسلح والحروب الكلاسيكة الطاحنة عفا عنها الزمن، ليحل مكانها الحروب الإفتراضية السهلة، تكريساً للمثل الشعبي “الحرب بالنظارات هينة” الذي إنقلبت مقاصده وتحول الى حقيقة، إذ يكفي قرع طبول الحرب بين إسرائيل من جهة ومن جهة أخرى سوريا أ و إيران عبر “حزب الله” أوالتلويح بها والتهويل على الحكومات والشعوب، او القيام بعمليات عسكرية موضعية محدودة النطاق ومدرسة النتائج سلفاً نتيجة الإتصالات عبر القنوات الخفية أو المعروفة، حتى تؤتي الحرب ثمارها وتنتهي بفوز الطرفين بها. 

والشاهد على ذلك ما جرى منذ أيام حيث زاد على نحو ملحوظ تحليق الطائرات الاسرائيلية المسيّرة على امتداد مناطق الجنوب، وهو ترافق مع تحذيرات اسرائيلية عسكرية وسياسية من مغبة قيام “حزب الله بالرد على مقتل احد عناصر “حزب الله” في سوريا بغارة اسرائيلية قبل نحو اسبوع، وكان آخر التحذيرات الاسرائيلية ما قاله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من ان اي استهداف لكيانه عبر لبنان “سيرتب ردّاً اسرائيليا في سوريا ولبنان”.

في المقابل يتمسك “حزب الله” في ما يعتبره حقاًّ للرد من الأراضي اللبنانية، انطلاقا من قواعد الاشتباك التي شدد امين عام الحزب السيد حسن نصرالله على تثبيتها لجهة ان اي استهداف لعناصر الحزب  في سورية، سيؤدي الى رد حزبه من الاراضي اللبنانية على اسرائيل. وهذا ما جرى حين استهدفت اسرائيل عنصرين للحزب في نهاية آب من العام ٢٠١٩، واستهدافها كذلك مركز العلاقات الاعلامية للحزب في حي معوض بالضاحية الجنوبية، ورتب ذلك قيام “حزب الله” باستهداف آلية اسرائيلية قرب الحدود مع لبنان في مطلع ايلول. عملية الرد هذه جاءت في سياق تردد ان اتفاقا ضمنيا بتنسيق روسي، ضمن ان لا تستدرج العملية هذه حربا لا يريدها الطرفان على ضفتي الحدود اللبنانية-الاسرائيلية.

“حزب الله” يطلق اشارات متناقضة حول عملية الرد، فوسائل الاعلام القريبة منه كقناة “الميادين” اشارت الى “ان حزب الله تلقى رسالة اسرائيلية عبر الامم المتحدة، تشير الى ان سقوط عنصر “حزب الله” لم يكن مقصوداً، وانه وقع عن طريق الخطأ” وكان عضو كتلة الوفاء للمقاومة قد ذهب في نفس الاتجاه، فالنائب الوليد سكرية قال في حديث اذاعي انه يتوقع ان لا يرد “حزب الله”، ملمحاً الى الرسالة الاسرائيلية الآنفة، ومشيرا الى ان الأوضاع اللبنانية لا تسمح بالتصعيد العسكري او الانجرار اليه.

في المقابل لا يتوقف “حزب الله” عن توجيه الرسائل غير المباشرة الى أن الردّ آت وعبر الأراضي اللبنانية.

ازاء كل ما تقدم يمكن الحديث عن حرج يقع فيه “حزب الله”، فهو امام عملية ادت الى سقوط احد عناصره في سوريا، وازاء عملية تحرش اميركية بطائرة ايرانية في الأجواء السورية، وهو يدرك ان فرص الرد وتمنع الحرب تتطلب تنسيقاً ضمنياً مع اسرائيل وبالتالي قبولاً بالرد، وهذا ما يبدو اعقد مما كان عليه الحال في العام الفائت، فالظروف الدولية والاقليمية اكثر تعقيداً، والأزمة اللبنانية تزداد تفاقماً، وسياسة الضغوط الاميركية على ايران وأذرعها انتقلت الى مرحلة جديدة منذ اغتيال قاسم سليماني مطلع شباط المنصرم.

في المقابل فان عدم قيام “حزب الله” بالرد، سيزيد من استهداف عناصره في سورية، وربما يقوض قواعد الاشتباك التي يسعى الحزب للمحافظة عليها، ولا تبدو اسرائيل في موقع من يريد تقويضها، طالما انها تساهم في تعزيز الاستقرار على الحدود مع لبنان، من دون ان يغيب عن حساباتها ما يشغل بال نخبتها السياسية والعسكرية، “الصواريخ الدقيقة في لبنان”.

اما ما يعوق عملية رد غير مدروسة وغير مضمونة النتائج بالنسبة ل”حزب الله”، هو قلقه من تقويض تحكمه بالدولة اللبنانية، اي ان اي حرب فيما لو وقعت، لن تكون نتائجها لصالحه هذه المرة، فالحزب جلّ مشروعه يقوم على ترسيخ النفوذ الايراني في سوريا ولبنان، وهذا يتطلب تأجيل اي مواجهة عسكرية مع اسرائيل، بل تحويل العداء لاسرائيل الى ذريعة في سبيل التمدد والسيطرة كما هو الحال في لبنان.

أمين عام “حزب الله” الذي يجمع في شخصيته بين البعد الايديولوجي الذي يذهب بعيدا في الولاء للمشروع الايراني، وبين الشخصية الواقعية التي تتيح له ترتيب تفاهمات ضمنية مع اسرائيل، أن الركن الأساس في ولاء جزء من الشيعة اللبنانيين له، هو اطمئنانهم الى انه لن يجرهم الى مواجهة مع اسرائيل، وهذه القناعة هي العقد الراسخ وان كان غير موثق بين نصرالله وهؤلاء.

لذا فان “حزب الله” ومنذ حرب العام ٢٠٠٦، وفي سبيل ترسيخ هذه الحقيقة في الوعي الطائفي، منذ ان حوّل فوهة البندقية وزخمها باتجاه الداخل، وبدأ في صوغ مشروع النفوذ الشيعي في المعادلة الداخلية، مستفيدا من بندقية “المقاومة” التي اتاحت له ان يخرج الى سورية مقاتلا باسمها امام اللبنانيين وغير الشيعة، وتحت شعار   “لن تسبى زينب مرتين” امام جمهوره الشيعي، و لاقى هذا التدخل نوعا من الالتفاف الشيعي الذي كان معياره الأقوى حماية الشيعة، في الوقت الذي لم يعر نصرالله فيه اي اهتمام لبقية اللبنانيين الذين رفضوا تدخله على المستويين الرسمي والشعبي. يستحضر ذلك التورط في سوريا، موضوع “الحياد” اليوم، فما كان لا يحتاج الى توافق في التدخل في سورية، يحتاج “الحياد” اليوم الى توافق لبناني كما تعلن (ملائكة حزب الله) اليوم. فكيف بوجوده في سوريا اليوم، الا يستحق اي مساءلة لبنانية او توافقا عليه؟ 

الرد على الضربة الاسرائيلية مشروط بعدم انجراره الى حرب، لذا فان “حزب الله” سيقدم على الرد، اذا توفرت شروط الأمان، اما غياب هذه الشروط فسيدفعه الى عدم الردّ، او القيام بعملية امنية لا تؤدي الى اتهامه في القيام بها، مردداً المقولة السورية المتخاذلة تاريخياً لحكام دمشق “حق الرد في الزمان والمكان المناسبين”، الذي لم “يحن أوانه” بعد رغم الضربات المتتالية على مر الأجيال!. 

السابق
سؤال من جنبلاط لـ«قوى الممانعة والثأر»: هل يمكن ان نتساعد؟
التالي
فاجعة في صيدا.. ابن الـ17 عاماً يُسلم الروح بعدما قضى شنقاً!