العلاّمة السيِّد علي الأمين..عالِمٌ عامِلٌ وفقيهٌ عاقِلٌ

السيد علي الامين
حملة التشهير للنيل من قامة العلامة السيد علي الامين لم تزده الا إصراراً على الحوار والانفتاح وتقبل الآخر، رغم اصرار هذا "الآخر"، على التخوين والتشويه والالغاء.

كثيرةٌ هي الأحداثُ المُتنقلةُ في وطني، والتي تحملُ في معظمِها هوّيةَ الرسالاتِ الدينيّة. وقليلةٌ هي المُفرداتُ التي تُعنى بتقصّي الحقائقِ حول تبريرِ وأسبابِ نشوبِ تلك الأحداثِ التي دخلت بيوتاتِ المُواطنيّةِ وتأرجحتْ عالقةً بين سندانِ نعمةِ الطائفةِ ومطرقةِ الطائفيّةِ المُغذَّاةِ حزبيّاً، والمدعومةِ سيّاسياً في إنشاء جسرِ عبورٍ نحو الحُكمِ والتحكّم، وليس من أجل جسورٍ عابرةٍ للقاءِ كلِ الطوائفِ والمذاهبِ على مبدأ الشراكةِ في الوطنِ بعد أن وضعها اللهُ تعالى لجميعِنا أمانةً في أعناقِنا وفي عُهدتِنا دون استثناء.

عدمِ تطبيقِ مبدأ الشرَاكةِ

فنكُوثُ العهدِ مع الله في عدمِ تطبيقِ مبدأ الشرَاكةِ يُحتّمُ على حَمَلتِها الوقفاتُ الطِوالُ بين يديه سبحانه، والتي كان في مقدماتِها سعيٌ حثيثٌ في إيقاظ الفتنِ، وإثارةِ النعراتِ في الوطن بين جميعِ بنيهِ وكافة شرائحه، وعمليّةِ برمجةِ الإشاعات وانتشارِها حتى أصبحتْ كالنارِ في الهشيِم.

وسهولةُ العمل عليها لأنها تتبعُ قاعدةَ “السهل المُمتنع”، فأدتْ إلى ضربِ المرتكزاتِ الأمنيّةِ والإجتماعيّةِ والإقتصاديّة، والتباعدِ في الثقافةِ والسياسةِ مما نتجَ عنها بحورٌ من الدماء، والكثيرُ من الهجُراتِ الداخليّة والخارجيّة، إضافةً إلى تهجيرِ العقول، وظلمٍ للعلماءِ والحكماءِ الحاملين أمانةَ الله في رسالتهِم.

إقرأ أيضاً: العلّامة علي الامين: دَاعِية الكرامة الوطنيّة

والتي أودتْ بسَوقِهم إلى بطون الأراضي وسراديبِ الجهلِ لطالما حَمَلوا فتوى الحُرُمِ في عدم سريانِ مفعولِ الفِتَنِ ورفعِ الظلمِ والتسلط، لكنّهم غفِلوا أنّ الله تعالى يتوّعدُ أمثالَهم في ساحةِ القضاءِ وساعةِ العقابِ والحسابِ كما جاء قي قوله تعالى: “…وسيعلمُ الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون”.
وسابقةُ هذا النوعِ من الظلمِ عموماً وعلى العلماء خصوصاً لم تكن وليدةَ ساعتِها، إنما هي منهجيّةٌ قديمةُ الزمن، إبتداءً من العهدِ المملوكي إلى عهدِ الإقطاعِ وصولاً إلى عصر الزعماءِ والأحزابِ في تاريخنا الحديث والمعاصر.

الشهيد الاول

واذا أردنا أن نتحدثَ عن العلماء وما نالوهُ من ظلمٍ في غياهبِ ظُلُمات الحُكامِ والسلاطين لهم، فإنّ المقامَ لا ينتهي، ولكننا نذكرُ بعضَ تلك الأحداث التي حصلتْ في القرن الرابع عشر الميلادي بحق العديد من الفقهاء والعلماء منهم: الفقيه “محمد بن مكي الجزيني العاملي” والذي يُعدُّ مؤسس الحركة الفكريّة والعلميّة في جبل عامل والمُلقب ب”الشهيد الأول”، وما لحِقهُ من ظلمٍ وأذى على يد الحكام والولاة ومن تَبِعَهم من حَمَلةِ الوشايةِ والتقارير الكاذبةِ آنذاك، وزَجّهِ في السجون وقتلهِ وصلبهِ ومن ثم حرقهِ، مُتهمينَ إياهُ “بإثارة النعرات الطائفيّة والمذهبيّة”.

العلاّمة الأمين تحوّلَ إلى نورٍ ساطعٍ من خلال علمِه وفكرِه وإنسانيّتِه فأضاءَ الأرجاءَ والمُنتدياتِ والمؤتمراتِ العلميّةِ المحليّةِ والإقليميّةِ والعالميّةِ

والصحيحُ عكس ذلك كما يذكر المؤرخون، والأصح هو حسدُ الحُكامِ وحقدِهم عليه لأنه كان يمتلكُ القدرةَ في البيان وأسلوبِ إيصالِ الفكرةِ الحقيقيّةِ لمعنى “كلمةِ الله تعالى” المتضمنةِ النهي عن الظلم بين أفراد المجتمع، ومواجهاتِه المستمرةِ بالقول للحكام والولاة المُتحكّمين برقاب الناس، وتكريس دعوتهِ في العيش المشتركِ بين كافة الطوائفِ والمذاهب حتى ذاعَ صيتُ الشهيدِ الأول في العَالمِ أجمع.

تعذيب العلماء وقتلهم

وإنْ اختلفت وتغيّرت القرون لكنّ وحدةَ الممارساتِ بقيتْ على حالِها من تنكيلٍ وتعذيبٍ ورَجمٍ وقتلٍ للعلماء بذات الهدف ونفس الإتهام، كما حصل مع أمثالِ فقيه القرن التاسع عشر “زين الدين الجُبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني”.
وأيضاً ما جرى خلال الحربين العالميّتين خصوصاً في الفترة الممتدةِ بين نهاية الحكم العثماني وبداية الإنتداب الفرنسي على جبل عامل(الجنوب حالياً)… حصلتْ ظروفٌ وأسبابٌ مشابهةٌ تُذكرُ في محلها لاحقاً…
فصحيحٌ أنّ إمبراطوريّاتٍ عبرَ التاريخِ خَسِرتْ حُكمَها وسلطتَها لكنّها تركتْ نهجاً توارثتهُ “إمبراطوريّاتٌ محليّة”، اكتسبتْ طريقَتها المُماثِلة وتحديداً مع علماء مفكرّين متنوّرين عابرين حدودَ الطوائفِ والمذاهب مروراً بالقرن العشرين كالإمام السيد محسن الأمين، والإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، والإمام السيد موسى الصدر، والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين،…وصولاً إلى العلاّمة العلَم السيد علي الأمين في القرن الواحد والعشرين، وهو الذي سار في طريق آبائهِ وأجدادهِ نهجاً وعِلماً وثقافةً وقضيّة.

الفقيه المتواضع

وفي ظلِّ وضعِنا المَعِش، والتراكمات الإقتصاديّة الصعبة جداً، ودقةِ الأزمات الإجتماعيّةِ والسياسيّة، لفتَ أنظارَنا ما شهِدتهُ الساحةُ اللبنانيّة عبرَ بعض شاشاتِ التلفزةِ ومنصّاتِ التواصل الإجتماعي من إعتداءٍ خطيرٍ ومُستَنكرٍ وإتهاماتٍ بالجملةِ تَطَالُ عالماً مفكّراً، وفقيهاً متواضعاً هو العلاّمة السيد علي الأمين، مستغلّين القضاءَ فيها ومحرّكين في حملتِهم أرقاماً من الجيوش الإلكترونيّةِ لعلّهم بذالك يتغنّون بأنّ الكثرةَ تَغلب القِلّة، بالرغم أنّ الله تعالى أشار إلى هذا المعنى في سورة “التكاثر” … .
فحينما أراد السيد علي الأمين أن يُضيءَ شمعةً في عتمة الطائفيّةِ والمذهبيّةِ كان آخرون في المقابلِ يعملون على صناعةِ فجواتٍ مُصطنعةٍ من موادٍ سيّاسيةٍ مُدّشمةٍ بألوانِ الغيرةِ الطائفيّةِ والتي ستؤدي عمليّاً إلى عزلِ الطائفةِ عن محيطِها وعن عالَمِها… وكل ذلك فقط حتى تبقى “الإمبراطوريّةُ المحليّة”.
بينما العلاّمة السيد علي الأمين تحوّلَ إلى نورٍ ساطعٍ من خلال علمِه وفكرِه وإنسانيّتِه، فأضاءَ الأرجاءَ والمُنتدياتِ والمؤتمراتِ العلميّةِ المحليّةِ والإقليميّةِ والعالميّةِ مخاطباً العالَمَ بلغةِ الحوارِ مستنداً إلى تلك المرتكزاتِ والمداركِ الأساسيةِ وهي:القرآن الكريم، والسنّة النبوية، والإجماع، والعقل.

متأثراً بكلامِ ونهجِ الإمام علي(ع)عندما أرسلَ مالكَ الأشتر والياً على مصرَ مُخاطباً إياه في كيفيّةِ تعاملهِ مع أبنائِها قائلاً له:وأشعرْ قلبَكَ الرحمةَ للرعيّةِ، والمحبةَ لهم، واللطفَ بهم…. إلى أنْ يقول(ع):فإنهم صنفان:إما أخٌ لك في الدين، وإما نظيرٌ لك في الخَلق….
فالجسورُ التي عَبَرَها السيد علي الأمين حتى وصلَ إمتدادُها إلى ما وراءِ البحار حاملاً فِقْهَ التسامحِ معه، مُبيّناً المشتركاتِ والروابطِ الدينيّةِ والإجتماعيّةِ والثقافيّةِ التي تجمعُ الطوائفَ والمذاهبَ والأديان.

من ولاّهم على الطائفة؟

وعملُهُ الرساليّ هذا، ليس من أجل منصبِ الإفتاءِ الذي عزلوه منه أو عنه، ولا من أجلِ مدرستِه الدينيّةِ التي أسماها بإسم الإمام موسى الصدر في مدينةِ صور وصادروها منه، وليس من أجل منزِلهِ المُستعارِ الغيرِ مملوكٍ له، إنما من أجلِ إعلاء تلك المنظومةِ الفكريّةِ العلميّةِ الوحدويّةِ في الطائفةِ الشيعيّة والذي يُعدُّ من أبرزِ علمائِها العامليين والعاملين دوماً على إبرازِها…
فبسببِ مواجهاتهِ أداءَ الذين يعتبرون أنفسَهم الولاةَ على الطائفةِ وعلى أبناءِ جيلِها، حيث قال لهم: إنّ الإستمرارَ بسياستِكم هذه وأدائكم هذا، ستعزِلون مجتمعَ الطائفةِ عن وطنٍ مأهول، وستأخذون به إلى مكانٍ مجهول…. ولا غَرابةَ من ذلك السيّد الهاشميّ الذي واكبَ تاريخَ العلماء الجريئين في قول الحق ممن سبقوه.

ناقشَهم العلامة الامين بالعلِمِ والقلم بادلوهُ بسهامِ الإتهاماتِ والإشاعاتِ والفبركاتِ الظالمةِ التي لا تمتُّ إلى واقعِ الحقيقةِ بصلة

(ونشيرُ هنا إلى أحد العلماء الكبار المعاصرين عندما أراد أن يصفَهُ منذُ عقودٍ قائلاً: إنّ بعضاً من العلماء يمتلكون العلمَ ولا يمتلكون الجرأة، بينما السيد علي الأمين يمتلكُ العِلمَ والجرأةَ معاً…).
فعَمِلَ جاهداً لمُحاورتِهم بسيفِ الفِكرِ والمنطق، فحاربوه بسيفِ الظلم، ناقشَهم بالعلِمِ والقلم، بادلوهُ بسهامِ الإتهاماتِ والإشاعاتِ والفبركاتِ الظالمةِ التي لا تمتُّ إلى واقعِ الحقيقةِ بصلة… فمرّةً بالعمالةِ العربيّةِ الخليجيّةِ جنوباً وشرقاً،
وتارةً بالعمالةِ الأمريكيّةِ غرباً، وطوراً بالعمالةِ الإسرائيليّةِ تطبيعاً، وأخيراً بتهديدِهِ جسديّاً.
ورَغمَ ذلك تسألُهُ فيجيبُكَ مردّداً: حسبي اللهُ ونِعمَ الوكيل…
ونحن نقولُ لك يا سماحةَ السيد: أنت وأجدادُكَ كالنخيلِ الغنيَّ بثمرهِ، فيُرمى دائماً بالأحجار… ولا يَرحلُ إلا واقفاً، وكالسنديّان البَريِّ في جبل عامل لا ينتهي ولا ينحني إلا لله وحده…. .
ختاماً: وظُلمُ ذَوي القُربى أشدُّ مَضَاضَةً
على المرءِ مِنْ وَقْعِ الحُسامِ المُهنَّدِ .

السابق
خالد يوسف شهيد الإهمال الحكومي..منتدى صور الثقافي ينعى أبا اديب الناشط والنشيط!
التالي
بالفيديو: بين نصرالله وغجر..حكومة تناقضات لا إصلاحات!