الناس أصدق إنباء من زعمائها!

الانهيار الاقتصادي

لنتحدث بصراحة: لا أمل قريبا بإنقاذ لبنان من الإنهيار المالي والإقتصادي. حين يقال لا أمل  قريباً بالإنقاذ، لأنه لا يلوح  في الأفق أي فعل للإنقاذ ولا أي مبادرة، ولا أي خطة. هذا قول مؤلم، ولكن هذه هي الحقيقة. أيضا  حتى الآن، لا يوجد لدى أي طرف سياسي لبناني، تصور أو برنامج، لإخراج لبنان من محنته، أو لإيقاف الإنهيار عند المستوى الذي بلغه، وهذا يعني أن أضعف الإيمان غير موجود لدى الأطراف السياسية اللبنانية.

لذك يتحدث القادة السياسيون عن  نهاية عصر الرفاهية والعودة إلى معيشة الأجداد، ويدعون الناس للعودة إلى الزراعة، ويطلبون منهم الصبر، وبعضهم يدعو المواطنين للعمل في البيوت ومحطات الوقود. لا شيء غير ذلك، والشيء  هنا يعني السيء، ومعنى كلام أهل السياسة أن على الناس أن تعتاد التكيف والعيش  مع السيء، بكل مراراته وشظفه وقلة الحيلة وقصر اليد. وبالمعاني والدلالات التي سبقها ذكرها، يقول أهل السياسة  للناس، لاتنتظروا حلولا قريبة ولا تنتظروا إنقاذا قريبا.

اقرأ أيضاً: النكبات الإقتصادية تابع..توقعات بخسارة 100 الف موظف في القطاع السياحي وظائفهم!

مخاطر الانهيار

آن للبنانيين أن يعرفوا ذلك، وكان عليهم أن يدركوا مخاطر الإنهيار منذ لاحت ملامحه في عام 2016 مع الهندسات المالية، فالهندسات تلك قرعت نواقيس الإنهيار، وكان هدفها ـ على ما يقول أصحابها ـ تأجيل الإنهيار على قاعدة  “لعل وعسى” جاءت النجدة على حين غرة، من “شقيق أو صديق” أو إنفراجة  غير محسوبة. جاء عام 2019، فوقع الفأس في الرأس، وتبين كم هي ركيكة وسطحية مقولة أهل السياسة، تلك المقولة القائلة بأن غطاء إقليميا ـ دوليا على لبنان، يمنع انهياره لألف حساب وحساب، وظهر أن أهل السياسة لايعرفون قواعد الحساب كما لا يعرفون قواعد الحكم، كما لا يعرفون حتى قواعد اللغة التي يتحدثون بها  كما لا يعرفون قواعد اللياقة حين يتخاطبون. لا يعرفون أية قاعدة، فمن أين يأتون بقواعد الإنقاذ؟

لنتخيل المشهد: كم مغترب سيعود إلى لبنان وكم مهاجر سيغادر لبنان؟ حسابات الناس أصدق من حسابات أهل السياسة: كثير من اللبنانيين سيغادرون ويرحلون

في “الخطة الإصلاحية” التي اقترحها أهل السياسة قبل استقالة الرئيس سعد الحريري، لم تظهر أي بقعة ضوء للإصلاح. وفي “خطة التعافي” التي قدمتها حكومة الرئيس حسان دياب، لا يوجد أي “حبة ترياق” لتعافي  “الرجل المسموم” الذي إسمه لبنان. الموفد الفرنسي لمتابعة مقررات  مؤتمر “سيدر” بيار دوكان، عمل على توبيخ المسؤولين اللبنانيين  مرات عدة، مهددا إياهم  بحجب الأموال التي خصصها المؤتمر للبنان، جراء عدم توافقهم  على الإصلاحات المطلوبة ولامبالاتهم واستخفافهم تجاه انحدار لبنان نحو الإنهيار. وقبل أيام، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا: “ليس لديها أي سبب لتتوقع تحقيق تقدم في المفاوضات مع لبنان ولا يتضح ما إذا كان بالإمكان أن تتوحد قيادات البلاد حول الإصلاحات الضرورية”. لا يتفق أهل السياسة على أرقام الخسائر المالية التي أسقطت لبنان  في لجة الإنهيار والإفقار.

صلاحيات الرئاسات

لا يتفق أهل السياسة على إصلاح قطاع الكهرباء وهو علة العلل وعلة المعلول. لا يتفق أهل السياسة  على  إزالة النفايات المتراكمة منذ عام 2015. لا يتفق أهل السياسة على الحد من تلوث الأنهار. لا يتفق أهل السياسة على تعيينات في الإدارات العامة، ولا على تسيير أعمال الحكومات ولا على تفسير الدستور، ولا على صلاحيات  الرئاسات، ولا على تحديد العدو والشقيق والصديق .لا يتفقون على شيء، ولذلك أفلست الدولة لا يتفقون على شيء، ولذلك عصف الفقر بالناس وأهلكهملا يتفقون على أفعال للإنقاذ، ولكنهم يتوافقون على وعود بالإنقاذ. في استعاد مطار بيروت الدولي جزء من نشاطه، وبالتدرج قد يستعيد حركته الكاملة. لنتخيل المشهد: كم مغترب سيعود إلى لبنان وكم مهاجر سيغادر لبنان؟ حسابات الناس أصدق من حسابات أهل السياسة: كثير من اللبنانيين سيغادرون ويرحلون.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» يُلملم دولارات «الإغتراب»..وحكومة دياب تُخيّر اللبنانيين بين الجوع والإنتحار!

هذا ما يقوله الناس في البيوت والشوارع. ربما جائحة كورونا تعرقل إقدام الناس على الإزدحام أمام السفارات طلبا للهجرة وأملا بالرحيل. لن يقبل الناس بالعودة إلى معيشة الأجداد. لن يعود الناس إلى الزراعة  ليكتفوا بأكيال معدودات من الحنطة والأعداس والأفوال وببعض من  البقدونس والنعناع. لن يعمل الناس في تنظيف  البيوت وفي محطات الوقود  مقتنعين بخبزهم وكفاف يومهم. ولن يصبرالناس، لأنهم لا يرون فرجا بعد صبرهم. الصبر مفتاح الفرج، طبعا وأجل، والناس يصبرون حين تتراءى لهم أبواب الفرج، ولكن مع أهل السياسة في لبنان: أين أبواب الفرج؟ لنتخيل المشهد مرة ثانية بعد زوال جائحة كورونا: ازدحام أمام السفارات طلباً للهجرة إزدحام في مطار بيروت طلبا للرحيل من سيبقى في لبنان؟ يبقى الزعماء؟ زعماء بلا شعب؟ كيف يستقيم الأمر؟ حينذاك: هل يصدر الزعماء “قرارات وطنية” بمنع هجرة الشعب؟” أم الكوارث لو فعلوها. عشتم وعاش لبنان. 

السابق
عون يُحيي معادلة: الحريري وباسيل معاً في أي حكومة جديدة!
التالي
سعر الدولار يتأرجح بين 8500 و8000 ليرة..وتسعيرة نقابة الصرافين على حالها!