أسئلة تعتمل في صدور اللبنانيين برسم نصرالله.. هل من مجيب؟!

علي الأمين

لا يستطيع “حزب الله” الهروب حرفياً او مجازياً إلى الأمام كعادته، في ظل الأزمات والنكبات المتناسلة من جراء أجندته وأدائه ورهاناته، وخصوصاً في هذه الفترة المالية والمعيشية والأمنية الحرجة.

  في زمن الإنهيار المريع والسريع للبلاد والعباد، والدخول في نفق الفقر والعوز، بات لزاماً على “حزب الله” الذي نصّب نفسه حاكماً على لبنان بالسلاح والدولار، وينفّذ سياسة و رغبات الوليّ الفقيه الإيراني و محوره، أن يصارح الناس كل الناس، ويجيب عن أسئلة صعبة تعتمل في صدورها لما آلت إليه الأمور، وتحديدا عن سر “قوّة قلبه” على أذية اللبنانيين عبر حكومة محكومة به، كان ولا يزال بمقدوره ان يضع حدّاً ولو متواضعاً للتدهور غير المسبوق إلى السحيق من الخوف على المصير، الذي يتحمّل جزءاً كبيراً من مسؤوليته. فهل من مجيب؟!.   

فالسيناريو المرتقب للانهيار المالي والاقتصادي الذي يعاني منه لبنان، لا يحتاج لكثير من الدراسة والتحليل، تراجع مريع لقيمة الليرة اللبنانية قياساً للدولار الأميركي، فهي فقدت حتى نهاية الاسبوع ثمانين في المئة من قيمتها، في المقابل افتقاد الدولار من الاسواق الذي يترجم زيادة في اسعار السلع بشكل صادم وعشوائي، ثم العجز المتنامي في القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام، وممن تبقى في القطاع الخاص من عاملين لم يتعرضوا للتسريح او لقضم رواتبهم المتهاوية اصلاً، او تمّ اغلاق المؤسسات التي عملوا فيها.

إقرأ أيضاً: «قانون مازح» يتحدّى «قانون قيصر»!

اللائحة تطول وتستنزف الدولة والمجتمع، من دون ان تبدي السلطة ايّ مبادرة جدّية تجاه مطالب شعبية ودولية بضرورة تنفيذ خطوات اصلاحية تتصل بملفات فساد وهدر معروفة للجميع، بل لم توجّه ايّ رسالة توحي بالثقة بهذه الحكومة، بينما اظهرت الوقائع السياسية والتعيينات المالية والادارية، ان الحكومة ليست الّا ظلاًّ لتقاسم نفوذ بين اطراف “حلف الممانعة” الذي وصل الى ما يشبه القناعة، بأن القضاء على الفساد او محاربته، نتيجته ضرب هذا الحلف واسقاطه، والاّ ما معنى ان لا تبادر هذه الحكومة المطيعة والممثلة لهذا الحلف وقراراته، الى القيام بأي خطوة ولو عبر اتخاذ قرار بمحاسبة مرتكب واحد في طول لبنان وعرضه.

بات “حزب الله” اليوم الحامي لهذه السلطة، والمدافع عنها لا عن الدولة، هو يريد رعاية وادارة شبكة السلطة، ولو على حساب المؤسسات والشعب والأرض، غايته في ذلك تفادي مجابهة الأسئلة الوجودية للدولة اللبنانية اليوم.

لقد سعى “حزب الله” منذ نشأته حتى اليوم، نحو هدف استراتيجي هو مبرر وظيفته ووجوده، هدف جعل ايران على حدود اسرائيل، وقد كان اميناً لهذه الوظيفة التي كان يجري ترويجها وتعميمها حيناً باسم المقاومة الحصرية للحزب ضد الاحتلال، وحيناً باسم محور الممانعة الذي تتصدره ايران، من خلال انخراط “حزب الله” في معارك خارج الحدود اللبنانية، ومحاولة ادراج لبنان ضمن هذا المحور بوسائل مكشوفة، قامت على ترسيخ ثنائية الدولة-الدويلة، التي انتهت الى ما عليه لبنان اليوم، من عزلة عربية ودولية قاتلة، وباتت الدويلة التي تحصّنت بالدولة في سنوات سابقة، هي اليوم المعنية بحماية السلطة لا الدولة، اي الحكومة والرئاسات الثلاث وكل مكملات هذا التحالف السلطوي الذي لم يعد لديه غير الاحتماء بعباءة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.

من هنا تضيق مساحة الخيارات امام “حزب الله” في مواجهة الأزمة الخانقة للبنانيين، وهي تتراوح بين حدّي تفجير حرب مع اسرائيل و حدّ التسليم بشروط الدولة اللبنانية وشروط مساعدتها الخارجية.

اولاً، خيار الحرب: يبقى من الاحتمالات الواردة اذا كانت القيادة الايرانية، قد وصلت الى قناعة ان ما يجري اليوم سيؤدي الى فقدانها الوجود الاستراتيجي على الحدود مع اسرائيل، وبالتالي يمكن ان تقوم بالزام “حزب الله” بخوض حرب مع اسرائيل، تدرك القيادة هذه، انها ستكون انتحارية للحزب والشيعة واللبنانيين على وجه العموم، في ظل الانهيار الذي يعيشه لبنان، وغياب اي حاضنة عربية ودولية للبنان، وعدم قدرة ايران على تمويل هذه الحرب. وهذا هو نفسه ربما ما يجعل اسرائيل غير متحمسة للمبادرة الى حرب، طالما ان الانهيار في لبنان يؤدي الى حدّ كبير وظيفة الحرب، ويحقق معظم اهدافها.

ثانيا، خيار التسوية:

من الواضح أن القيادة الايرانية، تتعامل مع الهجوم الاميركي الأمني والمالي والاقتصادي، عليها وعلى دول محور الممانعة، بالانكفاء التكتيكي وتفادي الصدام العسكري، وكان ردّ الفعل على اغتيال البنتاغون قائد فيلق القدس قاسم سليماني، مؤشر على أنّ ايران لا تريد المواجهة العسكرية، وهذا ما رسّخ لدى المراقبين ان الرهان الايراني هو على نتائج الانتخابات الاميركية، وفوز الحزب الديمقراطي، اعتقاداً منها أنّ اي رئيس غير الرئيس دونالد ترامب، هو افضل لايران، وقد تنجز تسوية معه امتدادا للاتفاق النووي، ولكن ذلك فيما لو تحقق فهو لن يجعل لبنان في منأى عنها وبالتالي لا يمكن في مسار التسوية هذه توقع مسارا غير مسار انهاء الدويلة داخل الدولة في لبنان، وربما مسارات اخرى، بحسب المشهد الذي يمكن ان يكون عليه لبنان، في ظل تداعيات الأزمة الحالية، وما ستؤول اليه اوضاع البلاد والعباد.

لم يخرج أمين عام “حزب الله” ليقول للبنانيين ولأنصاره ما هي وعوده للمرحلة المقبلة، وكيف يمكن للبنان الخروج من المأزق الذي وضعه هو وحلفاؤه فيه، ما هي مقترحاته لصمود لبنان، وما هي البدائل عن عدم وقف الفساد وستمرار الحكومة، وكيف يمكن تعويض ما يتم تهريبه من عملة صعبة وطحين ومازوت وبنزين وتهريب الأدوية الى سوريا؟ لم يقل للبنانيين شيئاً عن احتمالات الحرب، ماذا لو بادرت اسرائيل اليها، ما هي خطط الصمود؟

كيف سيتعامل “حزب الله” مع تزايد الفقر والعوَز، وردّات فعل المواطنين حيالهما؟ هل سيستمر في الاعتداد بانه محازبيه لا يزالون يتلقون رواتبهم بالدولار؟ وهل سيدير ظهره الى الأزمات بالقول انها ليست من مسؤولياته؟ وهل سيكون القمع والتضييق على الناشطين، والتلويح بسيف العمالة هو الجواب على الأزمة؟

تضيق الخيارات، لكن ما هو متاح اليوم من حلول، لن يكون متاحا في الغد، وما يمكن عدم التنازل عنه اليوم، لن يستطيع اللبنانيون المحافظة عليه غدا، سياسة الحدّ من الخسائر، هو الأساس في ما يمكن البناء عليه، فالانهيار المالي والاقتصادي في دول محور الممانعة وعلى رأسهم ايران، يترجم ميزان القوى في المنطقة، والهزيمة وقعت منذ ان دمرت سوريا وتضعضع العراق، وتم عزل لبنان “ببراعة” الممانعة، وبالتالي ازاء هذه الوقائع لا يمكن توقّع نتائج عكسية لوقائع استراتيجية دامغة.

العودة الى لبنان هي الحل كم كان الخروج على الدولة منذ عقود هو المشكلة، وترف الانتظار غير موجود، ما يمكن- وليس مؤكدا- ان يحُول دون انهيار لبنان وتفتته، تشكيل حكومة مستقلين من رجالات تحظى بثقة الدول التي يمكن ان تساعد لبنان، وباحترام وثقة من الرأي العام، واعادة الاعتبار للسلطة القضائية المستقلة، وبناء الثقة مع المحيط العربي، ووقف كل مشاريع الهدر والفساد، او ان يخرج الامين العام للحزب ليجيب على الاسئلة التي يطرحها اللبنانيون ويقدم حلولا تشعرهم انهم فعلا محكومون من قبل سلطة موثوقة وتستحق ان تحكُم وتُطاع.

السابق
توتر في جلّ الديب.. واعتداء على صحافيين ومصوّرين!
التالي
مواطن بلّغ عن إنفجار جسم غريب.. اليكم رواية قوى الأمن عن ما حصل مع الحريري!