لبنان الّذي نريد!

السيد علي الامين
لا بناء للدولة من دون الخروج من ولاء المواطن لطائفته أو لزعيمها الطائفي لأن الدولة جعلت من الزعيم مصدراً لكل الخدمات التي تُقّدمُ إلى أبناء طائفته.

منذ عهود مضت  ولبنان  كان واحة للحرية في العالم العربي وقد شكل نموذجاً حضارياً في العيش المشترك القائم على الإنفتاح والتّسامح بين مختلف الطوائف اللبنانية.

وأعطى بذلك مثالاً على تجربة إنسانية ناجحة في احترام الآخر و القبول به ونبذ التّعصّب الّذي يشكّل سمةً من سمات الجهل والتخلّف و قد بقي رباط العيش المشترك يجمع اللبنانيين المتمسّكين بوطنهم لبنان، رغم كلّ ما حصل على أرضه من حروب ونزاعات لا يحمل الشّعب اللبناني المسؤوليّة عنها و إنّما كانت حروب الآخرين الّذين استفادوا من ضعف الدّولة اللبنانية في تلك المرحلة ليقيموا دويلات الشّوارع و الزواريب و المناطق.

مشروع الدولة

و اللبنانيون اليوم كما في الأمس كانوا ولا يزالون متمسّكين بلبنان الواحد ومشروع الدّولة الواحدة، التّي تشكّل مرجعيّة لكلّ اللبنانيين في مختلف الحقول والميادين، من خلال نظام سياسي يجعل منها دولة الإنسان التي تحترم مختلف العقائد والمذاهب والأديان، من دون أن يكون هناك امتيازات في الحقوق لطائفة على أخرى ولا لفرد على آخر من خلال الانتماء الديّني للطّوائف والأفراد الّذين يجب أن يكونوا متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات وقد استجاب اتفاق الطائف لمعظم طموحات الشعب اللبناني في إرساء دعائم دولة المؤسسات والقانون.

الدولة يجب وحدها من خلال مؤسساتها ان تكون صاحبة القرار ومرجعية الحلول عند حصول الإختلاف بحيث يقبل الجميع بأحكامها وتنفيذ قراراتها من دون استثناء

ونحن نتطلّع إلى اليوم الّذي تصبح فيه الدّولة اللبنانية هي المسؤولة وحدها عن الأمن والدّفاع وعن السياسة والإقتصاد وعن سائر المهام الّتي تقوم بها الدّول في شعوبها وأوطانها وأن تكون الدّولة الّتي ينخرط فيها الجميع وينضوي تحت لوائها الجميع.

وأن تكون وحدها من خلال مؤسساتها صاحبة القرار ومرجعية الحلول عند حصول الإختلاف بحيث يقبل الجميع بأحكامها وتنفيذ قراراتها من دون استثناء على قاعدة أن يكون الولاء للوطن والدّولة وليس للطّائفة أو الحزب أو الزّعيم السياسي أو الدّيني.

إصلاحات إدارية

و لتحقيق هذه الغاية يجب إدخال مجموعة من الإصلاحات وإعادة النظر في بعض السياسات الإدارية المعتمدة لفترة طويلة من الزمن والتي جعلت ولاء المواطن لطائفته أو لزعيمها الطائفي لأن الدولة جعلت من الزعيم مصدراً لكل الخدمات التي تُقّدمُ إلى أبناء طائفته. بحيث أصبح في نظر أبناء طائفته هو المعطي والمانع وهو الدولة بنظر أصحابه وأتباعه وهو القانون والنّظام.

ولذلك يجب أن يبقى في السلطة على الدّوام وإن أساء إليها أو خرج عنها  وليس المؤسسات التابعة لها والمنبثقة عنها ولذلك يجب إخراج الخدمات من أيدي الأحزاب والزعامات وجعلها محصورة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها لا بالأشخاص والأفراد.

وبذلك يصبح ارتباط المواطن بدولته التي تضمن له حقوقه وليس بالحزب وزعيم الطائفة الذي يجعل منها سلاحاً ضدّ الدّولة ومؤسساتها عندما يشاء خدمة لأغراضه الشخصية أو وفاءاً لإرتباطاته الخارجية .

لا للفرز الطائفي والمذهبي

ومن الإصلاحات التي نتطلع إليها في وطننا لبنان والتي تخرج شعبه عن دائرة الفرز الطائفي والتطرف الديني والمذهبي أمور متعددة:  

إعادة النظر في مناهج التعليم والبرامج التربوية والعمل على توحيدها في مختلف المراحل والقطاعات الخاصة والعامة وإلغاء التعليم الديني من المدارس التي يجب أن تنحصر مهمتها في التربية والتعليم والتنشئة الوطنية.

وأما التعليم الديني فهو مهمة الكنائس والمساجد ورجال السلك الديني المحتاج إلى الإعداد والتنظيم بما ينسجم مع روح العصر والعيش المشترك الذي يستدعي ثقافة الإنفتاح والتسامح.

ومنها إعادة النظر في تشكيل الأحزاب السياسية ومنع قيامها على أسس دينية وطائفية بل يجب تشكيلها وقيامها على أساس البرامج السياسية والإجتماعية التي تهم كل المواطنين ليصبح التمثيل للمواطنين تمثيلاً سياسياً إجتماعياً وثقافياً وليس تمثيلاً طائفياً ودينياً.

وبذلك نؤسس لمجلس نيابي يقوم اختيار المواطنين لأعضائه على أساس المشاريع السياسية والبرامج الاقتصادية والإصلاحات الإجتماعية بعيداً عن العصب المذهبي والطائفي.

وبذلك نعزز حالة الإنصهار الوطني والتنافس الديمقراطي في عملية بناء لبنان المستقبل لبنان الإستقرار والإزدهار ليعود لبنان لؤلؤة في الشرق ونموذجاً حضارياً في أرقى وأسمى العلاقات الإنسانية في المنطقة والعالم.

السابق
حكومة «الكمامات» تُشرّع البلد أمام الجائحة..والنزوح السوري في عين «العاصفة الكورونية»!
التالي
«المفتي الممتاز» يهبط إلى درجة «المفتي غير المقبول»!