محفوظ وأزمة منتهى «الخدمة»: استجداء الفتات من العهد ودياب

عبد الهادي محفوظ في مؤتمره

التخبّط الذي يعانيه رئيس “المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع”، عبد الهادي محفوظ، إزاء أحلامه التي تتلاشى الآن، يدفعه الى حافة الانتحار الإعلامي، استجداءً لبعض من رضى حكومة الرئيس حسان دياب عنه، والتصدّق عليه بفتات مما مُنح لوزيرة الإعلام منال عبد الصمد في جهود تنظيم المواقع الإلكترونية في لبنان.

وجد محفوظ نفسه، بعد أعوام طويلة على مكوثه في منصب بكرسيّ مكسور، بلا سلطة ولا صلاحيات. وعاد من صولاته وجولاته السياسية، خالي الوفاض. لم ينتزع صلاحيات لمجلسه، ولم يمارس دوراً أساسياً لتعديل المشهد الإعلامي. وهو يتخوف من أن “ينبت العشب على طريق المجلس”، على ضوء “تحالفات” الإعلام المرئي والمسموع، التي تتشكل الآن في ملف شبكات “الكابل”، والرسالة–الشكوى التي أرسلت الى مجلس الوزراء ضد محفوظ لوقوفه الى جانب إحداها، وأشار إليها في اجتماعه الإثنين. 

إقرأ أيضاً: اعلاميون وصحافيون يتضامنون مع «جنوبية»: المجلس الوطني أداة للسلطة ويقمع الحريات!

والحال إن جعبة محفوظ فارغة من الإنجازات، كما من المهام والأصدقاء. يعيش أزمة خريف العمر السياسي والإداري. فهو وحيد الآن، يتخبط في موج التغيرات السياسية وتقاطع المصالح، ويفشل في تحريك ملف “قانون الإعلام” الذي لم يُقرّ حتى الآن، ولن يُقرّ بالسرعة التي يتصورها الواهمون، لأنه “لا ضرر يترتب على الإمعان الإضافي في دراسته”، بحسب ما تقول مصادر سياسية، يُفهم منها أن إقراره ليس مستعجلاً الآن، ولا يحتل أولوية. 

وعليه، يتلاطم محفوظ مع أمواج المتغيرات بلا حاضنة سياسية. فلا “حزب الله” يؤيّده في معركة التنافس مع وزارة الإعلام على تنظيم المواقع الإلكترونية، ولا “حركة أمل” تقف الى جانبه، بحسب ما تقول مصادر مطلعة. وبالتالي، وجد نفسه وقد خرج من “مولد” المواقع الإلكترونية “بلا حمّص”، وبدأ يخسر معركته مع وزارة الإعلام، فحاول الإلتفاف، على نيّة تعويض الحاضنة السياسية، بتقديم فروض الطاعة للحكومة الحالية. 

لم يجد محفوظ سبيلاً الى ذلك، الا بتنصيب نفسه “حامي الحمى” عن دياب والعهد، والاستزلام لهما على نية “اقتناص الفرصة الأخيرة”. نعم، دياب نفسه، الداعم لدور وزيرة الإعلام في تنظيم ملف المواقع الإلكترونية وإرسال التعديلات على قانون الإعلام الجديد الخاضع للدرس في لجنة الإدارة والعدل النيابية. تلك التعديلات التي تقترح إعادة مهمة تنظيم المواقع الالكترونية الى وزارة الإعلام، وتنهي الاقتراحات التي من شأنها أن تُخضع المواقع الالكترونية لسلطة “المجلس الوطني”. 

فهو بذلك، حين يهاجم المواقع الإلكترونية في تقرير الرصد الذي أعلنه الإثنين، يقدم فروض الطاعة الى دياب، استجداءً لدور له في مستقبل المواقع الإلكترونية، بعدما تخلى عنه “الثنائي الشيعي”، وتالياً، بات إشراكه في مستقبل تنظيم المواقع الإلكترونية، وحماية دور له في هذا الملف، رهن موافقة الرئيس حسان دياب. 

قدّم محفوظ فروض الطاعة حين هاجم جريدة “المدن” الإلكترونية، وموقع “جنوبية”، لوقوفهما الى جانب الثورة أخيراً، مستعيناً بـ”لجنة مؤقتة” للمواقع الإلكترونية الاعلامية، تعرضت للطعن والتشكيك من قبل إعلاميين حضروا الاجتماع. 

علماً أن “المدن”، كانت قد نشرت ثلاثة مقالات لمتابعة قضية تنظيم المواقع الإلكترونية، ودور كل من وزارة الإعلام ومجلس المرئي والمسموع، لجهة طموح الأخير إلى دور رقابي، وصراعه مع النقابات، وتنافسه مع وزارة الإعلام.

وطالب الزميل محمد غزالة، مدير شبكة ZNN news، بحلّ “اللجنة المؤقتة” المذكورة، وتشكيل أخرى موسعة لا تختصر المواقع الالكترونية في تلك الشخصيات الممثلة فيها. وكان لافتاً سؤال ممثل موقع “العهد” (القريب من حزب الله) عن اللجنة وكيفية تشكيلها، والاعتراض على اللجنة، وهو مؤشر كبير من جهة انتقاد موقع “العهد” له، سيقرأه محفوظ جيداً في السياسة، إثر تراكم “الفوضى” في أداء مجلسه. 

ما يجب أن يعرفه محفوظ، أن تقييم المواقع، عبر لجنة مشكوك في نزاهتها وتصدر قراراتها وفق تقاطع المصالح بين أعضائها وحروب محفوظ الخاسرة ضد وزيرة الإعلام، هو سقوط له وللمجلس واللجنة على حد سواء. 

فإلى جانب انقلابه على تصريحه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال اجتماع مع ممثلي وسائل الإعلام، حين قال أن “الإعلام هو السلطة الأولى في مواجهة سلطة مأزومة وحراك متواصل في الشارع”، ينصُّب محفوظ نفسه وصياً وجهازاً أمنياً يراقب وسائل الإعلام، ويصنّفها بين “مؤدٍّ لفروض الطاعة” وحرّ ومتمرّد ومتمسك بالحرية والتنوع وحرية الرأي والتعبير في لبنان. فيما يهدر دم الطرف الآخر، المعارض للعهد، أو المنتقد لأداء الحكومة، عبر استهداف “المدن” و”جنوبية”، كما جرى في اجتماع الاثنين. 

وتلا محفوظ تقرير الرصد الإعلامي المرئي والمسموع والمواقع الالكترونية، قائلاً إن المواقع الإلكترونية تضمنت العديد من المقالات التي تدعو إلى عودة “الثورة” إلى الشارع من باب انتقاد ارتفاع سعر الدولار وغلاء أسعار السلع الإستهلاكية. وتبيّن أن بعض المواقع، وتحديداً “جنوبية” و”المدن”، بحسب محفوظ، “شنت حملات مناهضة للحكومة وللرئاسة الأولى، مبنية على تحليلات تم تظهيرها للمتابع والقارئ على أنها حقائق واقعية، وكأن الأزمة المالية والإقتصادية والنقدية هي وليدة البارحة، وكأن المسؤول عنها هو هذه الحكومة بالذات”. وأضاف: “من جهة أخرى، يتبين أن بعض المواقع تقوم بحملة ممنهجة على الحكومة عبر اتهامها بأنها مدعومة، لا بل تقاد، من بعض الأحزاب السياسية على الساحة اللبنانية وعلى رأسها “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” (موقع الجنوبية والمدن)، فيما يستكمل البعض الآخر حملات التوعية في ما يختص بوباء كورونا المستجد (النشرة، ليبانون فايلز).

ها هو عبد الهادي محفوظ يحاول إنقاذ صورته، الصورة دون الفعل، بتهويمات، وبكل ما يناقض معنى الإعلام الحقيقي الذي يقوم بواجبه اتجاه لبنان الوطن والمواطنين اللبنانيين، وليس السلطة، بالإضاءة على الحقوق المسلوبة من الناس، كما أموالهم وجنى أعمارهم، وعيشهم المهدور اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. الإعلام المتمسك بوظيفته ورسالته الأصل. مسكين أي إنسان، أي موظف، أي “مسؤول” يصل إلى هذا الدَّرَك. 

السابق
الولايات المتحدة تستعد للإفراج عن عالم إيراني.. بسبب كورونا!
التالي
بعد جنبلاط.. «طبخة» لجمع الحريري بعون!