إيلي يشوعي يخص «جنوبية» بملاحظاته حول الخطة الاقتصادية: فضفاضة.. وضَعَها من أفقر الشعب!

ايلي يشوعي خبير اقتصادي

بعدما أقرّت الحكومة في الأيام الماضية الخطة الإقتصادية، أخيراً، بعد أشهر على المماطلة وغرق لبنان بديونه وأزماته المتتالية، مالية كانت أم صحّية، خص الخبير المالي إيلي يشوعي موقع “جنوبية” بملاحظاته حول هذه الخطة، على أنها “صفحات فضفاضة فيها عراضة لأفكارٍ قديمة نجدها في خطط حكومية سابقة خلال عقود ثلاثة”، ومفنداً مطالب صندوق النقد الدولي لناحية “تحرير سعر الصرف واعتماد سياسة تقشفية والغاء الدعم على الخبز والمازوت وغيرها من سلع الفقراء”.

وجاءت الإنتقادات على الشكل التالي:

أ- في الشكل:

صفحات فضفاضة فيها عراضة أفكار ومقاطع مختلفة تم وصلها ببعضها ودون تفادي تكرارٍ مملٍ لأفكارٍ قديمة نجدها في خطط حكومية سابقة خلال عقود ثلاثة، مثل تصحيح المالية العامة، ودمج المصارف وإعادة هيكلتها، وتحقيق النمو اقتصادي وشبكات الأمان الاجتماعي، وتطوير البنى التحتية والخدمات العامة، وخفض العجز في الميزان التجاري والجاري وفي ميزان المدفوعات وفي الموازنة، وإصلاح النظام الضريبي، ومكافحة التهريب والتهرب الضريبي.

إقرأ أيضاً: خطة «صوتية» لحكومة «تغرق في شبر».. الصفر والمزدوج!

أما جديدها: إصلاح نظام سعر الصرف، استعادة الأموال المنهوبة، مسار جديد للديون بعد إعلان إفلاس لبنان أي توقفه عن دفع مجمل ديونه الخارجية مع طلب إلغاء ٧٠٪ منها وإلغاء ٦٠٪ من الدين الداخلي للخزينة، وتأسيس صندوق لإدارة أصول الدولة أي أملاكها العامة ومؤسساتها الاستثمارية. كما تتضمن الخطة زيادة ملحوظة للضرائب في زمن انهيار اقتصادي: زيادة ضريبية على الربح والدخل والأجور المرتفعة والقيمة المضافة والنسب الضريبية المعمول بها حالياً لكي تتناسب مع درجة التضخم.

تتضمن الخطة زيادة ملحوظة للضرائب في زمن انهيار اقتصادي!

وارتكز البرنامج على دعم مالي خارجي من صندوق النقد الدولي ومؤتمر سيدر ومانحين آخرين. وقد طلبت الحكومة من صندوق النقد قروضاً ب ١٠ مليارات $، لاستعمالها أساساً في تمويل الاستيراد للإنتاج والاستهلاك فضلاً عن الحصول على أموال مؤتمر سيدر.

ب- في الأساس:

تطلب الحكومة دعماً مالياً دسماً من الخارج قبل القيام بأي عمل تنفيذي لاستعادة الحقوق المالية المهدورة للخزينة، مع بقاء كامل المنظومة السياسية والمالية والنقدية المسؤولة عن إفلاس لبنان وتبخر أموال المودعين ومليارات القروض السابقة في مواقعها التاريخية. وتمضي في تطبيق مشروع متواضع للـ Bail out، أي لمساعدة القطاعات الاقتصادية والأسر الأكثر فقراً، وآخر للـ Bail in، أي لمساعدة أصحاب الودائع المصرفية الكبيرة على تحويلها إلى أسهم في المصارف، وتبقي الخطة الحكومية على الـCapital control والـ Hair cut، غير الشرعيين في المصارف. وقد وقّعت الحكومة مؤخراً على طلب رسمي من صندوق النقد الدولي للتعاون والمساعدة على إخراج لبنان من محنته المالية.

برنامج صندوق النقد الدولي:

للصندوق سياسات تصحيح هيكلي غير شعبية لاستعادة التوازنات الاقتصادية:(USAPs)Unpopular structural adjustment policies

إلغاء كل أنواع الدعم على الرغيف والتبغ والمازوت في الشتاء وغيرها، ما يرفع أسعارها وهي سلع الفقراء!

تُختصر تلك السياسات بعشرة بنود أساسية:

  • ١- خفض قيمة العملة أو تحرير سعر صرف العملة المحلية من أجل حفز الصادرات، علماً أن اللبنانيين المدينين بالدولار، وفي غياب توافره في المصارف وعدم تصحيح الأجور، يصبحون ملزمين بتأمين أكثر من ضعف ما كانوا يدفعونه بالليرة لتسديد قروضهم خصوصاً في وقت تهاوت فيه القدرة الشرائية للأجور.
  • ٢- ضمان استقرار الأسعار والسيطرة على التضخم لحفظ الإدخار بالعملة المحلية، علماً أن ذلك يتناقص مع طلب خفض قيمة العملة.

عشرات الآلاف من الموظفين معرضين للتسريح والتعطل عن العمل!

  • ٣- إعتماد سياسة تقشفية صارمة في مسألة الإنفاق الرسمي في الموازنة، ما يُعرِّض عشرات الآلاف من الموظفين للتسريح والتعطل عن العمل، مع خفض الإنفاق الرسمي ذي الطابع الصحي والاجتماعي، وخفض مخصصات التقاعد والتقديمات الاجتماعية.
  • ٤- إلغاء كل أنواع الدعم على الرغيف والتبغ والمازوت في الشتاء وغيرها، ما يرفع أسعارها وهي سلع الفقراء.
  • ٥- بيع المؤسسات العامة ذات الطابع الاستثماري، خصوصاً الكهرباء والاتصالات وشركة الطيران والكازينو.
  • ٦- تحرير كامل للتجارة الخارجية وإلغاء أي عائق جمركي أو إداري أمام الاستيراد، ما ينعكس سلباً على واردات الخزينة وعلى الإنتاج الوطني.
  • ٧- رفع نسب الفوائد على المدى القصير لجذب الرساميل الخارجية، علماً أن الفوائد في لبنان أساساً مرتفعة جداً، وهي الآن، بسبب انعدام الثقة، عاجزة عن جذب أي رساميل خارجية، بل نحن في حال عكسية تخرج الرساميل فيها من لبنان.

زيادة الضرائب من أجل زيادة الواردات مع تجاهل مبدأ المرونة في حال الركود الإقتصادي العميق!

  • ٨- زيادة الضرائب من أجل زيادة الواردات مع تجاهل مبدأ المرونة في حال الركود الإقتصادي العميق، أي تراجع الواردات الضريبية مع تراجع النشاط الاقتصادي، فضلاً عن الأثر المضاعف لزيادة الضرائب في زمن الانهيار الإقتصادي. زيادة الضرائب ستتسبب بتدهور كبير للناتج للمحلي في لبنان.
  • ٩- من الصعب على صندوق النقد الدولي تقديم القروض لدولة لم تنجح بعد في استرداد فلس واحد من عشرات المليارات من الأموال المنهوبة من خزينتها المركزية، كما لم تقم بأي إصلاح حقيقي. لذلك ستكون شروط صندوق النقد الدولي أكثر قسوة حرصاً على استرداد القروض.
  • ١٠- خفض عجز الميزان التجاري بواسطة زيادة الصادرات وخفض الإستيراد، ما يفترض وجود اقتصاد قوي قادر على التصدير والمنافسة، وهو واقعاً غير موجود بسبب السياسات النقدية والمالية التخريبية المنتهجة في لبنان منذ ثلاثة عقود.

الخطط الحكومية البديلة:

يجب أن تنطلق من تطبيق العلاج الأنفع وهو يرتكز على أسس ثلاثة: ثقة، تشركة، مصداقية

أ- أمثلة على الثقة:

  • ١- تعيين حاكم بنك مركزي ونواب حاكم جدد مستقلين ومنتجين، يصححون السياسات والمسارات.
  • ٢- تطبيق القوانين الموجودة بشكل دقيق من أجل استرداد الخزينة لكامل حقوقها.
  • ٣- عدم التدخل في قرارات وتشكيلات مجلس القضاء الأعلى.
  • ٤- التحرر من الخطط السابقة للخدمات العامة في لبنان في مجالات الكهرباء والنفايات والسدود وغيرها.

ب- مثال على التشركة:

تكليف استشاريين وإداريين دوليين متخصصين وضع دفاتر شروط لتلزيم الخدمات وبعض المرافق العامة للقطاع الخاص المحلي والمشترك والخارجي، تمويلاً وعصرنة وتحديثاً وإنشاءً وإدارة، دون أي تمليك، وبالمزايدة لصالح الدولة اللبنانية، ولمدة زمنية محددة تعود بعدها الملكية كاملة إلى الدولة. ومن شأن هذه التشركة أن تضخ في الاقتصاد مليارات من الدولارات دون أن تضيف ديوناً جديدة، فتحرك عجلة الاقتصاد، وتخلق فرص عمل وفيرة، وتسمح بنقل آلاف الموظفين من القطاع العام إلى الشركات الخاصة.

ج- أمثلة على (عدم) المصداقية:

  • ١- إعلان إفلاس لبنان وتخلفه عن دفع الديون في آخر لحظة كان تسرعاً من قبل الحكومة أفقد لبنان سمعته ومصداقيته الخارجية. وهو يذهب اليوم إلى صندوق النقد الدولي صاغراً ومكبل اليدين، منهكاً لا متوعكاً كدول أخرى حذت حذوه. فلا رأس مال وطني لديه، ولا بنى تحتية، ولا بيئة، ولا اقتصاد، ولا احتياطات مالية تسمح له بالحصول السهل على الدعم المالي والإعفاء الضريبي الخارجيين.
  • ٢- وجود مسؤولين في مواقع رئيسية في الدولة على علاقة وثيقة بالمنظومة السياسية التي أفقرت شعب لبنان ودمرت اقتصاده وهجرت شبابه وأذلت كبار السن فيه. كيف يمكن للبنان أن يكتسب مصداقية أمام الخارج في ظل الغياب التام للمحاسبة والشفافية على أعلى المستويات في دولة تطلب الدعم المالي الخارجي؟
السابق
«الجيش» ينقضّ على خيمة «حراك بعلبك».. تحت حجّة «كورونا»!
التالي
الحكومة تلعب «الروليت الكورونية»..تخفيف «التعبئة» لإحتواء الجوع لا الفيروس!