عندما تسقط الحكومة اللبنانية في قبضة حزب الله

علي الامين

تثبت حكومة الرئيس حسان دياب كل يوم، ومنذ أن تم تكليف رئيسها قبل نحو خمسة شهور، أنّها أداة تتحكم بها السلطة التي قدّمتها للبنانيين على أنها حكومة اختصاصيين مستقلين، ورغم أن الحقيقة غير ذلك، فإن قسما من اللبنانيين تمنّى أن يصدّق هذه المقولة، انطلاقا من أن السلطة الحاكمة يديرها حزب الله ويرعى توازناتها المحلية، وهو صاحب مصلحة في أن يمنع انهيار ما تبقى من الدولة الضعيفة التي يحكمها، وربما سيتضرر من أي انهيار اقتصادي ومعيشي، طالما أن ذلك سيصيب بيئته الحاضنة.

إقرأ أيضاً: دياب «اللاهث» وراء «خصومة» الحريري!

لم تكن انتفاضة 17 أكتوبر التي كانت سبب استقالة الرئيس سعد الحريري من الحكومة، مقتنعة في مجمل تياراتها، بأنّ حكومة الرئيس دياب هي خطوة في طريق الحل، بل أظهرت المواقف التي صدرت وعبّر عنها الشارع المنتفض، رفضاً لهذه الحكومة التي تقاسم حلف “الممانعة” حصص وزرائها، وتنطح بعض أطرافه ليعلن صراحة عن حصصه من دون تهيب أو خجل، بل نشب صراع بين أركانه، قام حزب الله بلجمه بعدما نجح في إقناع أتباعه بما قدّر لهم من حصص.

على هذه الطريقة من التحاصص ووصاية حزب الله، بدأ دياب وحكومته العمل. بالتأكيد لا يتحمل أفراد هذه الحكومة مسؤولية ما وصل إليه لبنان من أزمة اقتصادية حادة، وهي أزمة متناسلة بفعل الفساد الذي استشرى في المؤسسات الرسمية، وفي إدارة الشأن العام، وفاقمها ما يمكن أن يُسمى انهيارا لعلاقات لبنان العربية والدولية، ويعود ذلك كله، إلى غياب مرجعية الدولة بعدما جرى إلحاقها بالدويلة من جهة، وإخضاع لبنان ودمجه بالمحور الإيراني، بما يتعارض مع نظام علاقاته الطبيعية عربيا ودوليا.

لم تلق حكومة حسان دياب ترحيبا عربيا، ولا حظيت بحماسة دولية، والمواقف المعلنة دبلوماسية كما هو حال الموقف الفرنسي الذي أبدى ترحيبا بتشكيل الحكومة، لكن دون أن يسارع لدعوة رئيسها أو استقباله كما كان الحال في السابق، حيث كانت فرنسا من أولى المحطات التي يزورها رئيس الحكومة بعد تشكيل حكومته.

الأزمة كما تبدو لا تتحمل الحكومة الحالية مسؤوليتها، وهذا ما يردده رئيسها وأكثر وزرائها، وإذا ما تمّ تجاوز منهج تأليفها، فإن ذلك لا يعني أنّ حكومة دياب كانت جاهلة بما هي مُقدمة عليه بإرادتها، أي أن الأزمة التي فجّرت “انتفاضة تشرين” كانت جليّة وواضحة، وبالتالي فإنها تعلم أيّ مهمة تتولى وأيّ طريق تسلك، لذا فما يُتوقع منها هو أن تبدأ بالمعالجة.

يعرف كل اللبنانيين أنّ الثّقة باتت مفتقدة بين السلطة والشعب، لأسباب أقلّها الفساد ومحاصصته، وغياب المسؤولية الوطنية تجاه مصالح الدولة بما فيها الشعب والسيادة.

في بيانها الوزاري تحدثت الحكومة عن خطّة اقتصادية ستعدّها، وهي لم تنجزها بعد، لكن ما ينتظره اللبنانيون إلى جانب الخطة، بل قبلها، هو وقف مزاريب الهدر أو النهب، واتخاذ قرارات جريئة على هذا الصعيد، وهي على سبيل المثال لا الحصر، ملف الكهرباء، وملف الاتصالات، والفساد في المؤسسات العامة التي تحوّلت إلى محميات حزبية وفئوية ومصدر من مصادر الفساد والاسترزاق غير المشروع. والأهم ضبط الحدود والمعابر الشرعية التي تشكل أحد أبرز مصادر الفساد، وعنوان غياب السيادة الذي يرعاه حزب الله بذرائع واهية حول المقاومة والحرب على الإرهاب وما إلى ذلك من شعارات طالما كانت تغطية لمافيات التهريب، ولاستخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لمشاريع إقليمية لا ناقة للبنان فيها ولا جمل، بل كرمى لحسابات إيران.

لم تقم حكومة دياب بأي خطوة يُشتمّ منها إرادة أو رغبة في إصلاح ما فسُد، كأن تستعيد الأملاك العامة المصادرة من قبل نافذين، وهي أملاك مصادرة إمّا بوضع اليد، وإما بعقود غير منصفة وتتسم بالغبن. عشرات الأمثلة التي ترمز للفساد وتحتاج إلى قرار حكومي حاسم ليس أكثر، قرار ستجد الحكومة إن أرادت السّير به أنّ الشعب معها وخلفها وسندا لها.

ولكن هذه الحكومة تراكم الأزمات، والتداعيات المالية والاقتصادية والمعيشية حوّلت نحو 70 في المئة من الشعب اللبناني إلى فقراء، عاجزين عن استيعاب انهيار العملة الوطنية، مفتقدين لأيّ أفق، فيما الحكومة ورعاتها يصرّون على إعادة إنتاج السلطة بنفس السياسات السابقة ودون المسّ بنظام المحاصصة، الذي يوفر الحماية لقوى السلطة ونظام الوصاية الذي يتمترس بها ويحميها.

من هنا يمكن فهم لماذا استشرس حزب الله في مواجهة انتفاضة 17 تشرين، التي رسخت حقيقة أن لا قيام للبنان دون حسم حصر حقّ الدولة في احتكار العنف، وهذا ما أدركه حزب الله منذ البداية، فعمل على قمع الانتفاضة بوسائل عدة، من محاولته استنفار عصب مذهبي في وجهها ومحاولة قمعها مباشرة، وعبر محاولة اختراقها عبر مجموعات تابعة له، وفي ما هو أبعد من ذلك، تلقف حزب الله القلق الذي طال أتباعه وشركائه من أحزاب السلطة من هذه الانتفاضة، وأعاد تقديم نفسه كحام لها بشروطه. وهذه الشروط هي تلك التي ترسّخ نفوذه ودويلته وتبقي الدولة مشروعا معلقا.

حكومة دياب ترعى هذه المعادلة وتلتزم بموجباتها، لذا هي حتى اليوم لم تمسّ بما يخلّ باستمرار قواعد الفساد والمحاصصة، ولا هدّدت نظام المحاصصة الذي انتقل اليوم من مرحلة نهب المال العام، إلى مرحلة سلب المودعين في المصارف، من خلال تجميد الودائع والتمهيد للاقتطاع منها، بعدما تمّ اقتطاع أكثر من نصف الودائع بالعملة الوطنية مع هبوط سعر العملة الوطنية إلى أقلّ من النصف حتى اليوم.

وإلى هذا المسار الإفقاري للمجتمع، يحاول حزب الله من خلال ماكينته الإعلامية الترويج إلى أن ما يجري في لبنان هو نتيجة تحميله “ثمن مقاومته” وهو يعكس محاولة فاشلة للتغطية على رعايته لعملية النهب المنظم للمال العام، بتصوير أن الأزمة هي نتيجة ضغوط خارجية عربية وأميركية، فيما الحقيقة لا تحتاج إلى كثير من الجهد لتظهيرها، وهي أن الفساد والنهب وسوء الإدارة وتهميش الدولة وضرب السيادة، واحدة منها كفيلة بالقضاء على الدولة والمجتمع، فكيف إذا اجتمعت؟

حزب الله يراهن على أن الجوع والفقر كفيلان بتحويل اللبنانيين إلى قطيع مستسلم، وحكومة حسان دياب واجهته لتطويع المجتمع وتنظيم عملية نهب ما تبقّى لديه، غير أن ما لا يدركه حزب الله أو يتعامى عنه، أن التغيير بات مطلبا وجوديا لكل مواطن لبناني.

السابق
جنبلاط يستنكر مجزرة بعقلين «الفردية».. ويدعو للقبض على الفاعلين بـ«أي ثمن»!
التالي
حارث سليمان يُفنّد فضائح «حكومة الأقنعة».. في 100 يوم!