دياب «اللاهث» وراء «خصومة» الحريري!

الحريري دياب
لم يمن موقع رئاسة الحكومة اللبنانية بإنتكاسة هزت مداميكه الوطنية و أخلت بالتمثيل المذهبي للطائفة السنية التي تمثله بقوة العرف لا الدستور اللبناني، كتلك التي ألمت به اليوم مع وصول حسان دياب إلى سدة الرئاسة الثانية. وبعيداً من المبالغة، لم يدخل إلى نادي رؤساء الحكومات منذ الإستقلال مع الرئيس رياض الصلح حتى اليوم، مع التفاوت في الأحجام السياسية، أي رئيس بلا حيثية كالماء لا طعم ولا لون، جل ما قاده إليه، سخرية القدر السياسي الذي رماه في أحضان "حزب الله" في لحظة تخل، بعد أن "تخلى" عنه الرئيس سعد الحريري الذي آثر عدم الخضوع لشروطه وشروط "رئيس جمهورية الظل" جبران باسيل.

إذا لم يكن  حسان دياب رجل مواقف أو مبادرات سياسية، او صاحب حضور في المشهد السياسي، لم تكن رئاسة الحكومة التي شغلها منذ نحو اربعة اشهر، تعبر عن انتقال الرئاسة الثالثة في لبنان من حيّز سياسي الى حيّز سياسي معارض أو منافس لما كان قائما قبله.

لعل حسان دياب الذي جيء به من موقع النائب الثاني او الثالث لرئيس الجامعة الأميركية، كان محل استهجان رئيس الجامعة فضلو خوري نفسه الذي حرص في اطلالة تلفزيونية قبل نحو ثلاثة اسابيع، ان يظهر عدم اعتداده باختيار دياب لهذا الموقع الذي وصل اليه في السلطة، حين قال لم يكن ديان نائبا اول لي انما هناك نواب آخرون متقدمون عليه.

إقرأ أيضاً: حكومة «نيرون» تحرق شعبها!

وفي حين لم يجد المروجون لرئاسة حسان دياب، في سيرته المهنية المكونة من مئات الصفحات، كي يقنعوا الجمهور بأنه مناسب لرئاسة الحكومة، بدأوا يرددون باعتداد انه نائب رئيس الجامعة الأميركية، ذلك أن وظيفته هذه كانت المبرر الوحيد – ويا للمفارقة – لفريق الممانعة الذي يقوده حزب الله والذي سما دياب، كي يروّج لوصوله الى رئاسة الحكومة.

من وزارة التربية الى رئاسة الحكومة

في العام ٢٠١١ وصل دياب الى وزارة التربية وزيرا في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كان من سماه آنذاك او مهد لتعيينه هو الرئيس نبيه بري، وهذه التسمية او الترشيح جعل دياب في حينه ملتزما بتوجيهات الرئيس بري على حساب العلاقة مع رئيس الحكومة، ومنهمكا باعداد مجلد صور لنشاطاته في وزارة التربية وفي الحفلات الاجتماعية والفنية التي شارك فيها خلال توليه الوزارة، وهو المجلد الذي حظي بتعليقات واسعة اتسمت بالتهكم، ورسم معالم شخصية مشغولة بالاستعراض الشكلي من دون ان يستطيع او يسعى لأن يترك بصمة او جملة سياسية ذات معنى.
في مسيرته الحكومية السابقة اي التربوية والسياسية، لم يكن دياب اكثر من رجل لا يثير الانتباه، ولا الدهشة، ولا الخصومة ولا الوّد، اشبه برجل يمر من دون ان يثير اي انتباه أو ملاحظة مهما كانت ودودة او حاقدة.

لم يكن دياب اكثر من رجل لا يثير الانتباه، ولا الدهشة، ولا الخصومة ولا الوّد، اشبه برجل يمر من دون ان يثير اي انتباه!

الرئيس حسان دياب الذي يفتقد مقومات الهوية السياسية، او الجرأة المعرفية، وحتى الكفاءة الأكاديمية في مقارباته في شؤون الدولة ومؤسساتها ووسائل ادارتها، حاول ان يجد له مرجعا أو جذورا ما، ولا يُقصد هنا ما يمكن ان يفهم عن الوراثة السياسية في لبنان، بل المقصود البحث عن جذور قد تشكل له حصنا ويكون هو امتدادا لها، فزار قبل اسبوع رئيس الحكومة السابق سليم الحص، الذي لم يصدر عنه اي موقف يتبنى فيه دياب، كما لم يكن دياب الستيني يعرف عنه اي صلة او علاقة سابقة مع الرئيس الحص، ومحاولة دياب ان يتشبه به، او ان يحدث في ذهن اللبنانيين نوعا من صلة بين النموذجين تحيل دياب الى مدرسة الرئيس الحص، كان فاشلا ومفتقدا الى اسس موضوعية وعلمية بل الى الفارق الكبير بين الرجلين. 

أن يُحدث في ذهن اللبنانيين نوعا من صلة بين النموذجين تحيل دياب الى مدرسة الرئيس الحص، كان فاشلا!

‏في مسيرة الرئيس الحص ثمة سمة رئيسية ومؤسسة لشخصيته وتاريخه السياسي، هي الاستقلالية والبعد الوطني في شخصيته، الى جانب استقامة سياسية اكسبته احتراما وحضورا وهوية سياسية خاصة. 

‏ما ينقص رئيس الحكومة الحالية حسان دياب الاستقلالية، والشخصية السياسية التي تحمل فكرة او رؤية او عصب سياسي ما. والعصب هنا ليس مقتصرا على عصب مذهبي او طائفي، بل عصب يتصل بفكرة او مشروع وطني او هدف يشكل مركز استقطاب نخبة ما او فئة في المجتمع.

‏بعد اشهر على توليه رئاسة الحكومة، لم يخرج دياب على الحدود التي رسمها له من جاء به، لم تستدعه الانهيارات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، لأن يستثمر عدم تورطه في ما آلت اليه السياسات السابقة، الى ان يأخذ مسافة عن رموز السلطة، لم يلمح الى ذلك، لم يهدد، لم ينتفض، وهو بالطبع لم يقم بأي خطوة من ضمن صلاحياته الدستورية، يشتم منها انه يختلف او يتمايز عن رئيس الجمهورية او عن “حزب الله” او حتى الرئيس نبيه بري، باختصار عن السلطة التي جاءت به.

‏في كل يوم من ولايته المستمرة لم يظهر من حسان دياب الا حرصه على المحافظة على مقعده في رئاسة الحكومة، لذا هو يجاري في سلوكه وادائه السلطة القائمة، يتفادى الاصطدام مع الفساد ومنظومته، مع اسباب الخلل في ادارة الشأن العام، هاجسه البقاء، والبقاء في السلطة لمثله هو عدم تجاوز الخطوط التي رسمها له “حزب الله” في الدرجة الاولى ومعاوناه في موقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب.

في كل يوم من ولايته المستمرة لم يظهر من حسان دياب الا حرصه على المحافظة على مقعده في رئاسة الحكومة

يبقى أن حسان دياب الرجل الذي اعتاد ان يكون موظفا تقليديا، حتى حين كان وزيرا للتربية، يريد ان يتشبث بوظيفته الجديدة، فرئاسة الحكومة ليست لديه اكثر من وظيفة ادارية، هكذا يتعامل معها، اي انه يتخلى عن البعد السياسي فيها ويحيله الى شأن تبعي، لا مسؤولية وطنية مفروضة على من يتولاها.

‏من هنا يحاول حسان دياب ان يستجيب لمتطلبات الاتيان به، اي ان يفرض حضوره في مواجهة اقرانه من رئاسات الحكومة السابقين، ولا سيما الرئيس سعد الحريري، وهي مهمة لا تتلاءم مع طبيعة شخصيته، فالرجل لا يريد اكثر من البقاء في رئاسة الحكومة، لكنه مرغم على أن يستجيب لمتطلبات الجهة التي جاءت به، وهذا بالضرورة يفرض عليه السعي لارضاء من يحمي بقاءه، ويتم له ذلك من خلال التصويب على المرحلة السابقة وسياساتها، لكن حصرا في ما يتصل بحكومات الحريري ان كان في زمن الأب أو الابن، مغيبا كل تلك القوى التي كانت في صلب ااسلطة بل اساسها في عهدي الوصاية السورية والوصاية الايرانية.

عبث الحكومة السياسي

وفي ظل العبث السياسي الذي تمارسه الحكومة التي تحولت إلى ما.يشبه “حارة كل من إيدو اله”، بالتزامن مع عودة الحريري قبل أيام، يبدو أن دياب “المرتاب”، إستشعر بخطر غير موجود  ما دفعه إلى إتخاذ قرار منفرد او أوحى له به فريقه السياسي و الإعلامي الخاص، الذي يحتاج إلى إعادة النظر به، بفتح معارك “دونكيشوتية” مباشرة من العيار الثقيل ووضع نفسه في خصومة سياسية وهمية مع الحريري لم تتشكل أصلاً  ، كونه يحتاج إلى “إختراع” منافس سياسي قوي يمده بحيثية لا أساس لها، لا في المعادلة السياسية او داخل سياسته،مستوحياً هذه الفكرة الممجوجة من الحص، مع الفارق الكبير بينهما كونه يتمتع بحيثية إقتصادية ووطنية ويحتاج إلى تدعيمها سياسياً عبر تشكيل خصومة سياسية مع الرئيس رفيق الحريري وخاض معارك إنتخابية وسياسية رفعت من أسهمه ونجح فقط لكون خصمه الرجل القوي رفيق الحريري.

دياب “المرتاب”، إستشعر بخطر غير موجود  ما دفعه إلى فتح معارك “دونكيشوتية” مباشرة من العيار الثقيل ووضع نفسه في خصومة سياسية وهمية مع الحريري!

غير أن ما  فات دياب ان حاله لا ينطبق على حال الحص فهو “فاقد شيء لا يعطيه”، وبالرغم من ذلك شن حملة إعلامية شخصية مفتعلة مستنسخة مع الحريري الأبن على مواقع التواصل الإجتماعي ، وانتشرت على السوشال ميديا رسالة من ” الست هدى”، بوصفها هي من  تقود هذه الحملة البائسة، ‏تطلب فيها من الجيش الإلكتروني “النفخ” بدياب والتعرض بالمقابل الحريري ووزعت نماذج لما المطلوب منهم ترويجه، وهي عبارة عن “كليشيهات” كانت تفترض أن يستخدمها كل على طريقته، لكنهم استسهلوا ونشروها copy paste، فضلاً عن “إستفتاء” حول شعبيته وشعبية الحريري.. والنتيجة “المعلبة” بالطبع لصالحه!

يبدو ان دياب إستعجل كثيراً ولعب بالنار باكراً، إذ سرعان ما عاود تأليب الشارع عليه، الذي رفضه منذ اليوم الاول، وخرق قرار التعبئة و تظاهر أمام منزله ليسمعه صوته من جديد.  لا “دياب” لمن تنادي!

السابق
لا حالات جديدة بالكورونا..ماذا عن تقرير مستشفى الحريري؟
التالي
مجزرة بعقلين تابع.. ما حقيقة إلقاء القبض على الشقيقين من آل حرفوش؟