هل تستوي العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة العراقيين؟

حسن فحص
لعل التحدي الأبرز الذي قد يواجهه الكاظمي هو مع المكونين السني والكردي.

يمكن القول إن تجربة عادل عبد المهدي والمدة التي تولى فيها رئاسة الوزراء في العراق، اسستا لمسار على المستوى السياسي والعمل المؤسساتي لا يتفق مع ما أقره وتضمنه الدستور العراقي ما بعد 2003، في ما يتعلق بتوزيع الصلاحيات وحدودها بين الرئاسات الثلاث (الجمهورية والتنفيذية والتشريعية) التي رسمت طبيعة النظام الجديد حيث تتمتع السلطة التنفيذية فيه (رئاسة الوزراء) بالمرجعية العليا في قيادة البلاد والقرارات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، في ظل رقابة برلمانية، ويكون موقع رئيس الجمهورية تشريفياً في التنفيذ ما عدا كونه حارساً للدستور والالتزام به واحترامه.

وتركة عبد المهدي على هذا المستوى قد تشكل مصدر أزمات لرئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي، في حال استطاع تشكيل حكومته ونيل الثقة البرلمانية. ويبدو أن لا عراقيل حتى الآن أمامه لتحقيق ذلك، على الرغم من التعقيدات والعصوبات التي تبرز أمام كل مكلف– والكاظمي ليس استثناء بين أقرانه ممن ألفوا أو كلفوا، لكنه سيسعى بما يملك من قدرة للسير بين نقاط مطالب المكونات وحصص القوى السياسية في السلطة التنفيذية وتوزيع المناصب عليها.

على الرغم من الصداقة التاريخية التي تجمع بين رئيس الجمهورية برهم صالح والرئيس المكلف، إلا أن من المتوقع أن تدور بينهما معركة، وربما سيحرص الطرفان على ابقائها بعيدة عن الاضواء. وقوام تلك المعركة محاولة الكاظمي استعادة الصلاحيات الدستورية الخاصة برئيس الوزراء، التي تحولت إلى مسرح لتوسيع نفوذ رئيس الجمهورية ودوره ومهماته في ظل الضعف في الاداء الذي ظهر في ممارسات عادل عبد المهدي لسلطاته وصلاحياته الدستورية على رأس السلطة التنفيذية. ما سمح لرئيس الجمهورية بأن يمارس سياسة “ملء الفراغ” على صعيد التواصل مع المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي، وجعل موقع رئاسة الوزراء كأنه محلق أو مستحلق برئاسة الجمهورية وينقل التفاهمات التي يعقدها الرئيس إلى حيز التنفيذ الذي يفترض أنه من صلب صلاحياته ومهماته.

ولن تشكل سياسة الانفتاح والتواصل مع المستويين الاقليمي والدولي أزمة للكاظمي، فهو بعد توليه موقعه في جهاز الاستخبارات وحتى قبل هذه المسؤولية، لعب دوراً في ترتيب كثير من العلاقات والحوارات بين الدولة العراقية بكل مستوياتها وبين حكومات دول الجوار والعواصم الغربية المعنية بالعراق، وما يدور على ساحته من صدامات وصراعات سياسية وأمنية وعسكرية تهدف إلى فرض كلٍّ من هذه الاطراف موقعه ودوره على حساب الخصم والمنافس.

الكاظمي استطاع توظيف تراكم العلاقات التي يمتلكها في سياق تعزيز خطاب عراقي جديد ومختلف عما سبقه، خصوصاً في حواراته مع دول الجوار، وفي مقدمها الجوار العربي. وقد ساهم ذلك في إحداث تغيير في كثير من المواقف والانتقال إلى مستوى جديد من التعاطي مع الحدث العراقي. وهو يعرف ماذا تريد تلك الدول من العراق، وما يمكن أن تقدم له، ومدى قدرتها على التأثير داخل الساحة العراقية وفي القوى السياسية والمكونات الإثنية والعرقية التي تشكل النسيج العراقي. فهو لم يغب عن أي لقاء أو زيارة قام بها رئيسا الجمهورية والوزراء، وكان حاضراً في النقاشات الداخلية في أروقة مجلس الوزراء وخارجه، وفي الحوارات والصراعات التي تدور بين القوى والأحزاب والمكونات على حصصها وطموحاتها السلطوية.

اقرأ أيضاً: صراع الهوية والانتماء في عراق ما بعد 2003

ولعل التحدي الأبرز الذي قد يواجهه الكاظمي في مهمة “السيادية”، وعلى العكس من الكلام عن الألغام التي قد يزرعها المكون الشيعي في طريقه، قد تأتي من جهة أخرى من المفترض أن تتعامل مع توليه هذه المسؤولية بكثير من الايجابية. أي من المكونين السني والكردي، اللذين سيتغيّر تعامل الكاظمي معهما.

فإذا ما كان الكاظمي متفهما في السابق مطالب المكون السني الذي يسعى لتعويض ما تراكم من سياسات استبعاد وتهميش وتداعيات ووقوع جغرافيته في دائرة التنظيمات الإرهابية، عليه في هذه المرحلة أن ينتقل من مستوى التفهم إلى مستوى إعادة الدمج وتعزيز الثقة بين هذا المكون ومؤسسة الدولة بما يقطع الطريق على ما تبقى من نزوع نحو الإنعزال وصولاً إلى الانفصال أو الأقلمة. وهي مهمة لن تكون يسيرة في ظل ما تتطلبه من قدرة على التوازن والاستيعاب.

أما علاقته مع المكون الكردي، وعلى الرغم من العلاقات العميقة التي تربطه بقيادات إقليم كردستان، فإن الكاظمي سيكون بين تجاذبين، إعادة تأكيد حدود صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي مهمة قد توتر صداقتهما وقد تسمح علاقته الودودة مع قيادة الاقليم في توظيف التمايزات الكردية في هذا السياق. إضافة إلى العمل مع هذه القيادة على التخفيف من الاتجاهات الانفصالية التي هددت في مرحلة من المراحل وحدة أراضي العراق وسيادته. وهي الآن تتطلب من الكاظمي مستوى مختلفاً من التعامل مع هذه الهواجس ببعيديها العراقي والكردي، وأن يضع نسقاً جديداً من التعامل بين الحكومة الاتحادية والاقليم لا تقترب من الاستفزازية التي مارسها سلفه الأسبق نوري المالكي، ولا تلقي الحبل على الغارب كما حصل مع الحكومة التي يرثها ويرث معها الأزمات التي ساهمت في تفاقمها وتراكمها.

السابق
تفاصيل جديدة.. من هو القيادي في «حزب الله» المستهدَف بالغارة الإسرائيلية؟
التالي
الصين في دائرة الاتهام.. معلومات جديدة عن المريض «رقم صفر»: هكذا أصيب بـ«كورونا»!