جبران باسيل.. حيث لا «يفشل» الآخرون!

جبران باسيل

عندما قرأنا وتتبعنا مقررات و”شروط” الحكومة على المغتربين الراغبين بالعودة إلى وطنهم في زمن الكورونا، ومن ثم أسعار تذاكر العودة التي إرتفعت حوالي ثلاثة أضعاف عن الظروف العادية، وكل ذلك بحجة عجز الدولة عن تلبية متطلبات العودة، هذه العودة التي فرضت بقوة التهديد بتعليق مشاركة حركة أمل في الحكومة، في هذه الأجواء لا يمكن إلا أن يذهب تفكيرك إلى “صهر العهد المدلل”، و” فتى الممانعة الأغر” رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية السابق جبران باسيل “المقيم” منه و”المنتشر” رجل كل الطاقات ، لإستعراض إنجازاته وتياره على مدى 12 عام في السلطة منذ العام 2008، عام 7 أيار وإتفاق الدوحة السيء الذكر بصفته كان وزيرا للخارجية والمغتربين حتى الأمس القريب هو الذي عقد عدة مؤتمرات لـ”الطاقة” الإغترابية تكلفت ولا شك ملايين الدولارات دون طائل ولا نتيجة ملموسة على الأقل حتى الآن لصالح المغتربين اللبنانيين وما الأزمة الحالية إلا دليل دامغ على هذا الكلام.

اقرأ أيضاً: «كل شيء مختلف».. كيف سيكون شكل العالم بعد أزمة كورونا؟

هوس باسيلي

بداية لا أجد تفسيراً لـ”هوس” هذا الرجل وعلاقته بكلمة “الطاقة”وتوقه لدمغ كل تحرك له بهذه الصفة، فمنذ بداية دخوله جنة السلطة وهو يتمسك بحقيبة الطاقة في الحكومات المتعاقبة حتى لكأنها أضحت وزارة مسجلة بإسمه وإسم تياره السياسي أو تكتله النيابي، فأطلق عليها وزارة الطاقة وكل الطاقات فكانت النتيجة بعد 12 سنة من العمل أن البلد كله أصبح بلا “طاقة” على كل المستويات، لا طاقة كهربائية ولا طاقة سياسية ولا إقتصادية ومالية ولا حتى طاقة إجتماعية بعد أن تراكم العجز في قطاع الطاقة الكهربائية حتى أضحى يقدر بثلث الدين العام للبلد في أقل التقديرات ومع ذلك لا يزال عنده “طاقة” الخروج على الناس بمؤتمرات صحفية موضوعها الوحيد وبرنامجها اليتيم تلك الأسطوانة المشروخة عن الـ30 سنة الماضية والحريرية السياسية التي ربما خانته طاقة الذاكرة لديه بأنه دخل مع وريث هذه الحريرية السياسية في إتفاق سياسي وإقتصادي عام 2016 أصبح بموجبه مرشده وعرابه السياسي والحزبي والعائلي رئيسا للجمهورية.

غيض من فيض

هذا غيض من فيص باسيل المقيم وإنجازاته في الطاقة حتى باتت  الوزارة صغيرة عليه ولا تليق به وبمركزه المتقدم في النظام السياسي نتيجة للإتفاق التسوية مع سعد الحريري، فكان أن تركها لمستشاريه كي يستكملوا مخططاته فيها والتي لم تجلب للبلد والناس إلا البواخر التي تحولت ككل شيء في لبنان من حل مؤقت إلى أمر واقع دائم بقوة المحاصصات السياسية وسياسة “مرقلي تمرقلك” المتبعة  في البلد. ترك الطاقة ليقفز إلى وزارة الخارجية والمغتربين وهي الوزارة التي لا تقل شأنا وأهمية عن الطاقة، والتي تعبر عن وجه لبنان في الخارج ووجهته السياسية، فلم تكن النتيجة بأفضل من الطاقة إذ أن البلد هنا أيضا قد “أفلس” سياسيا وديبلوماسيا بعد أن أمعن باسيل بضرب كل ثوابت الدبلوماسية اللبنانية عبر التاريخ وهي الدبلوماسية التي أنجبت أمثال شارل مالك وفيليب تقلا وفؤاد بطرس وغسان تويني وغيرهم الكثير الذين أتاح وجودهم للبنان أن يكون في مقدمة الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية والمؤسسات الدولية الاخرى والمساهمة في وضع وصياغة القوانين لبعض هذه المؤسسات، فكان أن شهدت الدبلوماسية اللبنانية في عهد باسيل تراجعا على تراجع كي لا نظلم الرجل فالتراجع بدأ مع تولي رجال الثنائي الشيعي لهذا المنصب وجاء باسيل ليستكمله تنفيذا لنفس السياسة التي قلصت الصلات القوية مع الدول العربية العمق الحيوي للبنان إلى أدنى مستوى، وكذلك مع العالم لدرجة أننا لا نذكر زيارة واحدة لباسيل لدولة عربية ولا زيارة مؤثرة وذات منفعة للبنان إلى أي دولة بالعالم، ولم يتذكر المروءة العربية والأخوة إلا مؤخرا وبعد “خروجه” من الوزارة حين غرد مرحباً بإتصال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بصديقه بشار الأسد، ولتغطية هذا الفشل الذريع بإقامة علاقات جيدة ومثمرة مع العالم “إخترع” مؤتمرات ما أسماه الطاقة الإغترابية محاولا الإستثمار في العواطف الوطنية اللبنانية وضرورة إستعادة الجنسية اللبنانية للمغتربين وكالعادة لم يكن الإستثمار وطنيا للأسف بل إستثمار سياسي وطائفي بإمتياز وصل في بعض الأحيان لدرجة العنصرية عندما تحدث مرارا عن الجينات والخصائص اللبنانية، نقولها هنا كما هي وبدون قفازات ولا مجاملات، فكانت المحصلة كالعادة جعجعة من دون طحين إلا لبعض المحظيين ربما المقربين له ولتياره، أما الغالبية العظمى من المغتربين فلم يطالهم شيء من هذه المؤتمرات أللهم إلا إقرار التصويت الإنتخابي لهم في الخارج وهي تجربة لم تأخذ مداها بعد، وكلمة “المنتشرين” التي تكرم بها علينا بدل المغتربين، وما الأزمة التي نمر بها اليوم نحن المغتربين إلا أكبر دليل على ما نقول وعلى فقدان أية آلية للمساعدة من قبل الدولة والوزارة إبان الأزمات والحالات الطارئة.

لا أجد تفسيراً لـ”هوس” هذا الرجل وعلاقته بكلمة “الطاقة”وتوقه لدمغ كل تحرك له بهذه الصفة

لا نقول هذا من باب التصويب السياسي والشخصي المتعمد على الوزير جبران باسيل، فنحن من القائلين والداعين بأن لا تكون المسؤولية فردية، فكل وزير هو جزء من حكومة وكل حكومة هي جزء من عهد، فالجميع مسؤول عما آلت إليه الأوضاع ما دام الجميع ممثل في الحكومة وإن بصورة نسبية وبدرجات متفاوتة، وإلا نكون كالوزير باسيل وتياره السياسي نُجَهِّل الفاعل والمسؤول ونضع اللوم كل على الآخر ولكن يبقى لكل وزير شخصيته وأسلوبه في العمل وطريقته في مقاربة الأمور خاصة إذا كان وزير من وزن جبران باسيل يسعى لوراثة العهد وبما يتمتع به من شخصية جدلية مدعومة من سيد العهد ومن تحالف أثبت قوته مع حزب الله رغم كل ما إعتراه من مطبات ليس أولها وقد لا يكون آخرها قضية عامر الفاخوري الذي أدخل على لبنان وأخرج منه بطريقة ملتوية، إذا ما أخذنا برواية الحزب على لسان أمينه العام بأنه علم بالأمر من وسائل الإعلام.

باسيل يختزل المسيحيين

فباسيل الذي يحاول دائما إختزال المسيحيين بتياره السياسي بعد أن إختزل التيار بشخصه وأبعد كل المعارضين أو لنقل أصحاب الرأي المخالف لرأيه وغالبيتهم من الكوادر المهمة ومن الرعيل الأول والمؤسسين للتيار، يدفعه غروره ربما وموقعه الشخصي بإعتباره الصهر المدلل لسيد العهد من جهة، وموقعه السياسي المدعوم من حلفائه متل حزب الله – هل هو فقط دعم أو دفع من الحلفاء لغايات سياسية – إلى التنمر على الآخرين في الوطن وخاصة الطرفين السني والدرزي في محاولة منه للتأثير إن لم نقل فرض موظفين تابعين له أو لـ”حلفاء” تياره من نفس البيئة المذهبية في التعيينات التي تجري خاصة في هذه المرحلة وهذه الحكومة التي هي في الحقيقة حكومته وحلفائه وهذا ما بدأ يتضح أكثر فأكثر مع بدء الحكومة بمناقشة القضايا المهمة فبانت الوجوه على حقيقتها من تهديد سليمان فرنجية بالإنسحاب ، وتهديد الرئيس بري بتعليق المشاركة، إلى تصريحات وتغريدات وزيرتي العدل والمهجرين المتشنجة التي تتسم بطابع الحدة وضيق الصدر والمنطق السياسي العوني الباسيلي الواضح.

فباسيل الذي يحاول دائما إختزال المسيحيين بتياره السياسي بعد أن إختزل التيار بشخصه وأبعد كل المعارضين أو لنقل أصحاب الرأي المخالف لرأيه وغالبيتهم من الكوادر المهمة ومن الرعيل الأول والمؤسسين للتيار

كل هذه الأمور تجعل من باسيل هدفا للإنتقاد السياسي لأن تصرفاته وهو في السلطة مباشرة أو خارجها بطريقة غير مباشرة وعبر وكلاء ومستشارين برتبة وزراء، هذه التصرفات لن توصل البلد إلا إلى إستمرار الصراع السياسي وإستمرار حال عدم الإستقرار الذي هو الأساس لأي تنمية إقتصادية وأي إصلاح مطلوب في هذه السلطة التي يطمع باسيل ويطمح إلى الوصول إلى أعلى المراكز فيها، فضلا عن أن هذه الممارسات تثبت بأن باسيل تنقصه الحصافة السياسية وفهم التاريخ السياسي اللبناني البعيد منه والقريب الذي لم يسلس قيادة لبنان لأي شخص مهما كبر أو لاقى من الدعم الإقليمي والدولي، لأن لبنان بنظامه الحالي بغض النظر عن رأينا فيه لا يُحكم إلا بالتوازنات الطائفية للأسف التي ربما تستدعي ربما التطرف ضمن الطائفة ولكنها تستدعي الإعتدال في التعامل مع الآخر وإحترام خصوصياته وموقعه السياسي مهما كان الرأي السياسي فيه، وإلا فالبديل هو دولة مدنية علمانية بعيدة كل البعد عن الطائفية السياسية وتوزيع المناصب والوظائف طائفيا ومذهبيا بحيث يكون الصراع صراعا سياسيا من منطلق وطني تمثله أحزاب لا طائفية وعقليات مدنية متحضرة بعيدة عن العشائرية والعائلية والمناطقية كما هو الحال اليوم في لبنان، فهل جبران باسيل وغيره من أطراف هذه السلطة على إستعداد لهذه “الثورة”؟

اقرأ أيضاً: الإفتراء على «الحريرية السياسية» يفضح «الشيعونية السياسية»!

وهل هو قادر أن يخرج من جلده ليكون بحق زعيما وطنيا ممثلا للبنان كدولة لا لبنان المزرعة التي يحاول أن يختزلها بشخصه معتمدا على دعم إقليمي يوفره له طرف غير عربي عبر ممثله في الداخل اللبناني متلحفا بفكر سياسي ضيق أفرز ما يسمى حلف الأقليات؟ هذا هو السؤال، وفي الإنتظار يبقى أن ممارسات جبران باسيل السابقة سواء في الطاقة أو الخارجية تتحمل جزءاً لا يستهان به من المسؤولية عما وصلت إليه حال البلاد والعباد، وكفى مكابرة وتقاذف مسؤوليات وإدعاء العفة والطهارة السياسية وتمثيل دور “إمرأة قيصر” على المسرح السياسي اللبناني الذي لم يعد يحتمل التمثيل، بل يتطلب من الجميع مواجهة النفس والغير بالحقيقة ولا شيء غير الحقيقة إذا كنا نريد الخير والسلام والإستقرار لهذا البلد.

السابق
الليرة اللبنانية تواصل تراجعها.. اليكم سعر صرف الدولار لدى الصرافين اليوم!
التالي
مذكرة جديدة تتعلق بتمديد مهل تسديد اشتراكات «الضمان».. هذا ما جاء فيها