..وترجل «شمس» الفن وناعي الحلم الماركسي

محمد شمس الدين

رحل الفنان التشكيلي الدكتور محمد شمس الدين، الشهير بلقب “شمس”، في الوسط الإبداعي اللبناني (وفي عموم مختلف مجالات هذا الوسط). ورحيل شمس، الذي توفي في الخامس والعشرين من آذار الحالي (2020)، هو برأينا رحيل ناعي الحلم الماركسي، (أي الذي أعلن أسفاً وحزناً وإلى الأبد، موت ما كان يُعتقد وعلى مدى عقود بكاملها ابتلعت أجيالاً متتالية بكاملها،) حلماً بشرياً واعداً بتحقيق “اليوتوبيا”، أو ما يعرف بـ”المدينة الفاضلة “على سطح الكرة الأرضية.

رحيل الشمس

ومن هنا، نرى أن لرحيل شمس خصوصية، تفيض بمعناها ودلالاته، عن المعنى التقليدي لكلمة رحيل فنان من وزن محمد شمس الدين، وذلك لأن ما يجعلنا نشير إلى هذا المعنى الفائض، هو أن شمس الذي كان – وعلى حد قوله حرفياً – يساريا متطرفاً، تجرأ على نعي هذا الحلم وعلى رؤوس الأشهاد، في الحياة وفي الفن معاً.
وعلى صعيد الفن خصوصاً فأن جميع أعماله التشكيلية التي أنتجتها في عمره المتقدم، تلهج بهذا الإعلان، تلميحاً وتصريحاً، ظاهراً وباطناً.

إنهزمنا وضاعت أحلامنا نحن جيل اليساريين أتباع تروتسكي والسريالية التي تمثلت بالشاعر بروتون وغيره

وإنني لا أحسب أن فناناً تشكيلياً عربياً تبنى الحلم الماركسي، منذ نعومة أظفاره، ثم نعى موت هذا الحلم في أعماله الفنية، كما فعل الفنان الراحل محمد شمس الدين، الذي خصص معرضاً بكامله من أجل إعلان هذا النعي، والمعرض الذي نقصده هنا معرضه الفردي الذي أقامه تحت عنوان “الرغبة في الأرض “(ما بين 8 و15 من حزيران 2010)، في قصر الأونيسكو بيروت.

انكسار الحلم الجماعي

ولقد أجريت معه حواراً في ذلك الوقت، لمجلة “شؤون جنوبية “حول هذا المعرض، الذي كان ذا مضمون سياسي بالدرجة الاولى والأخيرة، وقد قدم فيه شمس، وللمرة الأولى، لوحات يزاوج مضمونها بين الواقع والتجريد والكتابة، إضافة الى أعمال تجهيزية خاصة بهذا المعرض.
سألته عن رسالة هذا المعرض فأجاب: “أردت التعبير عن انكسار الحلم الجماعي – حلم الماركسية المتمثل – وككل الثورات التحررية – في محاولة تحرير الإنسان والعالم، وحماية الكوكب الارضي، الذي هو ملك لجميع كائناته، من الإستبداد والتدمير اليومي”.
على أن هذا المعرض، وبمجمل محتوياته كان – وبحسب شمس – نعيا واضحا لاضمحلال الحلم الماركسي، بإنكفاء الوعد الشيوعي العالمي.

اقرأ أيضاً: محمد شمس الدين.. «شمس» الألوان تغيب ولا تنطفئ!

ضاعت أحلامنا

فـ”الرغبة في الأرض”، المعرض الذي كان بمثابة نقلة تحولية نوعية في المسيرة الفنية لشمس، وهي نقلة انسحبت على ما أقامه شمس من معارض شخصية أخرى بعد ذلك، هو معرض جسد – وفي تجريبية فنية ملحوظة التطور – رؤى سياسية جامعة لصاحبها، تُحذر من نسيان قضايانا التحررية الكبرى، لا سيما قضيتنا الأم، قضية فلسطين.
وما أعلنه شمس في الـ(2010) اكد مضمونه أيضاً في حوار أجرته معه مجلة “نزوى” العمانية في العام (2013)، حيث جاء في هذا الحوار قوله بالحرف: “تخلصت من قناعاتي السياسية القديمة التي انهزمت. إنهزمنا وضاعت أحلامنا نحن جيل اليساريين أتباع تروتسكي والسريالية التي تمثلت بالشاعر بروتون وغيره. كان حلمنا هو تدمير العالم بمعنى تدمير التقليد، وما هو متحفيّ. كل هؤلاء الثوريين ما عاد لهم من مكان بهذا العالم”.

السابق
الأمطار والثلوج عائدة.. طقس «شتوي» بإمتياز!
التالي
«كورونا» يحصد المزيد من الارواح في لبنان.. حالة وفاة جديدة و23 اصابة اضافية!