«النصف الملآن».. من سعد الحريري!

سعد الحريري

مرة أخرى تنطلق الحملات ضد سعد الحريري بعد خروجه من السلطة إثر إنهيار التسوية التي قام بها مع التيار الوطني الحر والتي أفضت إلى إنتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية . 

نبدأ لنقول أن الهدف من كتابة هذه السطور ليس تبرئة سعد الحريري مما وصلت إليه الأمور ، بل محاولة طرح رؤية أخرى قد تساهم في توضيح الصورة وفهم أكثر لمواقف الرجل في المرحلة السابقة. فالرجل اليوم خارج السلطة  ومهما كان رأينا السياسي به وبممارسته السياسية لها إلا أن ما يحسب له أنه إستجاب لضغوط الشارع أو في أسوأ الأحوال إتخذ من هذه الضغوط وسيلة لقلب الطاولة على شركائه المضاربين في السلطة، وتبنى مطالب الحراك في تشكيل حكومة مستقلة من الإختصاصيين بعيدا عن الأساليب السابقة في تشكيل الحكومات من محاصصة وتقاسم مناصب وإحتكار حقائب وغيرها ودفع ثمن هذا الموقف إقصاءً من السلطة من الحلفاء والخصوم.

اقرأ أيضاً: سعد الحريري.. المنتفض على نفسه!

الحريرية السياسية

التظاهرات في لبنان

اليوم والبلد يمر بأسوأ أزماته بعد فرض حكومة من لون واحد على الناس، وأزمة إقتصادية ومالية خانقة دفعت الحكومة الجديدة إلى تعليق دفع سندات اليوروبوندز لأول مرة في تاريخ لبنان، وفي الوقت الذي يذل فيه المواطن على أبواب المصارف، وفي ظل حراك هو أقرب إلى ثورة بدأت في 17 تشرين الأول الماضي والتي علقت نشاطها مؤقتا بسبب تطورات فايروس كورونا، في هذه الظروف يتجدد الهجوم العنيف على سعد الحريري ليس من خصومه السياسيين من أحزاب وتيارات وشخصيات تختلف معه إستراتيجيا أو تكتيكيا أو مصلحيا تحت شعار محاربة “الحريرية السياسية” فحسب، بل من “أهل بيته” إذا صح التعبير ومن بيئته السنية تحت شعار مسؤوليته عن خروج السنة من المعادلة الوطنية، وفي موقع إخباري موجه يبدو وكأن “أساس” وجوده هو فقط للتصويب على سعد الحريري وتهشيمه تمهيدا لتهميشه سنيا وتحميله وحده مسؤولية ما آلت إليه الأمور في الساحة السنية وحتى الوطنية ولعل أهم ما كتب مؤخرا وأكثرها تأثيرا وجدلا ما كتبه د. رضوان السيد وهو من هو في البيئة السنية والوطنية كذلك في مجاله الأكاديمي والفكري ما يجعل لرأيه وقعاً وصدى قويا الأمر الذي إستدعى رداً قويا من المكتب الإعلامي للحريري.

في محاولتنا لمقاربة الموضوع نقول وبكل محبة وإحترام لكل صاحب رأي حر بأن لا أحد ينكر مسؤولية سعد الحريري النسبية عن الوضع الراهن سنيا ووطنيا بإعتباره زعيم السنة في لبنان منذ العام 2005 وزعيم وطني تصدى مع بعض الحلفاء لمسؤولية وطنية في ظروف تكاد تكون من الأصعب التي مرت على لبنان بعد إغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما خلفه هذا الإغتيال من فراغ وخطر على لبنان كدولة وكيان، ظروف بدأت في 2005 ولما تزل مستمرة يعاني منها الوطن وأوصلته إلى ما هو عليه اليوم من مأزق على كل المستويات.

في هذه الظروف يتجدد الهجوم العنيف على سعد الحريري ليس من خصومه السياسيين من أحزاب وتيارات وشخصيات تختلف معه إستراتيجيا أو تكتيكيا أو مصلحيا تحت شعار محاربة “الحريرية السياسية” فحسب، بل من “أهل بيته”

مصير لبنان

من هنا يمكن القول بأن دراسة ومناقشة هذه المرحلة ونقدها هو أمر طبيعي لا بل مطلوب من أجل إستخلاص العبر والإشارة إلى مكامن الخلل بشرط أن تكون مقاربة موضوعية بعيدة عن الشخصانية والإتهام  “بتجاهل” مصلحة الطائفة والوطن تارة، و”التواطؤ” ضد هذه المصالح تارة أخرى بشكل أقرب ما يكون إلى التخوين وهو الأمر الذي كانت هذه الجهات تأخذه دائما على فريق 8 آذار على مدى السنين الماضية ولا تزال، أو التنظير البعيد عن الإحاطة بكل الظروف المحيطة خاصة المداخلات الخارجية والصراع الإقليمي الذي لم يكن يوما بعيدا عن تقرير مصير لبنان للأسف، والذي هو في صلب وأساس هذه المرحلة من الصراع التي يمكن القول أنها بدأت حتى قبل 2005 والتي كان إستشهاد الرئيس الحريري أحد فصولها حيث تغير المشهد الدولي والإقليمي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي قادت إلى الحرب في أفغانستان وبعدها إحتلال العراق وما سمي الحرب على الإرهاب التي كان واضحا أنها تستهدف المكون السني في المنطقة بإعتباره هو الأساس في بنية الأمة.

اميركا

هذه التطورات خاصة الإحتلال الأميركي للعراق المجاور لسوريا كان من الطبيعي أن تترك آثارها على الوضع في لبنان الذي كان قد تحرر من الإحتلال الإسرائيلي في العام 2000 مع ما كان يعنيه هذا التحرير من إستحقاقات كان على سوريا أن تدفعها عبر إنسحابها من لبنان بعد أن زالت موجبات بقائها بإنسحاب الجيش الإسرائيلي، وترافق هذا الحدث الكبير مع بداية تحرك للأطراف الداخلية اللبنانية بداية من مصالحة الجبل وصولا إلى بيان المطارنة الموارنة ما إستنفر أنصار سوريا التي كانت أيضا قد دخلت مع هذا الإستحقاق في نظام الأسد الإبن بنزقه وعنجهيته في التعامل والذي كان بداية النهاية لحقبة من الإستقرار بدأت في العام 1991 بعد إنهاء تمرد ميشال عون يومها  على الشرعية وقادها التفاهم السعودي – السوري. الرد السوري على التطورات في المنطقة والمطالب الأميركية التي حملها يومها كولن باول وزير الخارجية الأميركي إلى دمشق وكذلك الحراك اللبناني الداخلي، كان المزيد من التشدد ترجم بالإصرار على التمديد للرئيس إميل لحود ما سرَّع الخلاف مع الأطراف الداخلية وعلى رأسها الرئيس رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي وصلته ألرسالة الأولى عبر محاولة إغتيال مروان حمادة وكانت الرسالة التالية هي القاتلة والفاصلة في حياة لبنان واللبنانيين بإغتيال الشهيد رفيق الحريري.

اغتيال الحريري

بعد إغتيال الحريري بات الفرز واضحا في البلد الذي إنقسم لفريقين، فريق شكرا سوريا الذي تحول فيما بعد إلى تحالف 8 آذار المدعوم بطبيعة الحال من سوريا وإيران وكان على رأسه حزب الله الذي إنتقلت إليه مهام الوصاية على لبنان ومن وراءه إيران بعد إنسحاب القوات السورية تحت ضغط المجتمع الدولي وثورة الأرز، وبين فريق الولاء للبنان والوفاء لرفيق الحريري الذي تحول بعدها لفريق 14 آذار وكان مدعوما من السعودية بشكل أساسي وكان يحظى بتعاطف من المجتمع الدولي بداية تحت تأثير جريمة الإغتيال وهو ما سهل عملية إنطلاق لجنة التحقيق الدولية ومن ثم إقامة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لكشف الحقيقة في جريمة إغتيال الحريري ورفاقه، وبدأ الصراع بين الفريقين صراع تداخلت فيه المصالح الداخلية لكل طرف مع المصالح الخارجية والصراع الإقليمي بين داعمي كلا الفريقين تخللته حرب إسرائيلية على لبنان في عدوان 2006 وما جره على البلد من خراب ودمار وتداعيات سياسية خطيرة، وإغتيالات طالت الكثير من قيادات فريق 14 آذار من نواب ووزراء وصحفيين إلى أن كان يوم 7 آيار 2008 حيث إجتاح حزب الله مدينة بيروت وحاول التمدد إلى الجبل في محاولة لكسر هيبة سعد الحريري ووليد جنبلاط وإظهارهما بمظهر العاجز وكان مؤتمر الدوحة الذي كان بمثابة بداية  التراجع والإنكسار وباتت السلطة عمليا بيد حزب الله وحلفائه خاصة مع دخول التيار الوطني الحر في المعادلة لينتهي الأمر إلى ما إنتهى إليه اليوم.

أحداث 7 أيار

صورة ارشيفية

هنا يُطرح سؤال ماذا كان بإمكان سعد الحريري ووليد جنبلاط وغيرهما من قيادات 14 آذار أن يفعلوا أكثر مما فعلوا وهم يرون التخلي الإقليمي والدولي عنهم في أحداث 7 آيار؟ نقول هذا ليس تبريرا ولا تخفيفا من آثار ما إرتكبوه من أخطاء قد تكون نتجت عن حسن نية أو عن سوء تقدير للموقف كإمتناعهم عن متابعة الزحف إلى بعبدا لإسقاط عهد إميل لحود يومها أو إبرامهم الإتفاق الرباعي مع الثنائي الشيعي مثلا عام 2005. وماذا كان يمكن لسعد الحريري أن يفعل أكثر مما فعل بعد إنتصاره في إنتخابات 2009 التي أعقبها إنسحاب وليد جنبلاط من تحالف 14 آذار وهو إنسحاب كان ناتجا عن قراءة للأحداث المقبلة التي تمثلت بمبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز بمصالحة النظام السوري والتي قادت سعد الحريري إلى قصر المهاجرين، فهل كان على سعد الحريري أن يرفض يومها؟ ربما، ولكن هل كان بإستطاعته أن يفعل دون أن يُعرِّض علاقته مع راعيه الإقليمي للخطر؟ وأين كان من يتهجمون عليه اليوم وماذا كان رأيهم يومها؟

كان يوم 7 آيار 2008 حيث إجتاح حزب الله مدينة بيروت وحاول التمدد إلى الجبل في محاولة لكسر هيبة سعد الحريري ووليد جنبلاط وإظهارهما بمظهر العاجز

حرب أهلية جديدة

أسئلة كثيرة تتطلب مراجعات ودراسة موقف وطرح الأمور بصراحة كما هي، فالوضع في لبنان ليس مشكلة داخلية شخصية بين سعد الحريري وحسن نصرالله، أو بينه وبين جبران باسيل، ولا أعتقد بأن هواية سعد الحريري هي الإنبطاح كما يصفها البعض أو التنازل والتهاون في صلاحياته ومصلحة طائفته، فالمشكلة بكل صراحة هي صراع إقليمي يضاف إليه صراع أميركي – إيراني يرتبط بأمن وسلامة إسرائيل من جهة وبالبرنامج النووي الإيراني من جهة أخرى، والمواجهة ليست فقط سياسية بل هي مواجهة عسكرية وأمنية والغلبة فيها لموازين القوى التي كانت ولا زالت في صالح حزب الله، فهل كان على سعد الحريري مثلا إنشاء ميليشيا مقابل ميليشيا والدخول في حرب أهلية جديدة؟ ربما، ولكن هل هذا هو الحل؟ وهل كانت الجهة الإقليمية الداعمة قادرة على إدارة هذا الموضوع وهي التي ما فتئت منذ خمس سنوات تقاتل في اليمن ميليشيات مدعومة من إيران بدون القدرة على الحسم في ظل أوضاع إقليمية ودولية معقدة؟

التعايش مع الواقع

سعد الحريري

نقول هذا الكلام للتأكيد بأن “تلبيس” ما آلت إليه أوضاع لبنان والسنة فيه خاصة فقط لممارسات وسياسة سعد الحريري فيها الكثير من التجني والظلم والجلد للرجل الذي لم يفعل بالسياسة إلا ما فعله أبوه قبله وهو محاولة التعايش مع الواقع بأقل الأضرار الممكنة، فكما تعايش رفيق الحريري مع الوصاية السورية مدة خمسة عشر عاما تحت خيمة التوافق السعودي – السوري وتحمل ما لم يتحمله بشر في سبيل إعادة إعمار البلد وإعادته إلى الخريطة العربية والدولية، ومع ذلك فعندما إختل التوازن في العلاقات الدولية والإقليمية كان أن دفع الثمن من حياته، كذلك حاول سعد الحريري التعايش مع الواقع ومحاولة تدوير الزوايا كي يتخطى لبنان المراحل الصعبة ومحاولة إبعاده عن الصراعات الإقليمية ولكنه فشل، نعم فشل ليس لأنه قاصر أو متجاهل أو متواطئ كما يحلو لخصومه اليوم أن ينعتوه، ولكن لأن خصومه في المواجهة كانوا ولا زالوا أناس أصحاب إيديولوجية شمولية  شرسة لا يقيمون أدنى إعتبار لمصالح بلدهم وناسهم هم الذين رموا بخيرة شبابهم في حروب خارجية بدعم من عقيدة دينية غذتهم بها دولة متسلطة وقوية ومراوغة مثل إيران من جهة، وأناس آخرين سكنهم الحقد والشبق للسلطة وأتخذوه هدفا وضعوه أمام أعينهم وسوقوا له بلغة عنصرية مقيتة غير آبهين بما تتركه هذه اللغة من تداعيات وإستعادة لأدبيات الحرب بين اللبنانيين جعلت حتى حلفاء الحريري المسيحيين ينساقون في أغلب الأحيان ويخضعون لمزايدات هذه الجهة المسماة التيار الوطني الحر كما حصل في قبول القوات اللبنانية للقانون الأرثوذكسي وما حصل أيام ما سمي تشريع الضرورة من تهييج للعصبيات الطائفية، فكان أن ركب التحالف الماروني – الشيعي او لنقلها كما هي أي تحالف الأقليات في المنطقة ضد الغالبية العربية السنية، كل هذا حصل مقابل تخبط في سياسة الداعم الرئيسي لسعد الحريري ألا وهي المملكة العربية السعودية التي تفتقر لمشروع عربي واضح تواجه به المشاريع الإسرائيلية والإيرانية والتركية في المنطقة، بل على العكس إنخرطت بصراعات عربية – عربية حتى داخل البيت الخليجي الواحد ما أثر سلبا على كل المنطقة وهي سياسات لم يسلم منها سعد الحريري نفسه فيما بعد سياسيا وماليا عندما أحتجز في الرياض في العام 2017 الأمر الذي تركه عاريا أمام خصومه السياسيين ما يؤكد مقولة أن من له أصدقاء وحلفاء مثل السعودية ليس بحاجة إلى أعداء ، لهذا لم يكن أمام سعد الحريري إلا حلان لا ثالث لهما الأول هو التفاهم وهذا ما فعله، والآخر هو الإنسحاب من المشهد السياسي وتسليم البلد للآخرين كما فعل اليوم تحت ضغط الشارع، ويكتفي بالمعارضة مع ما يحمله هذا الخيار من خطورة عليه شخصيا وعلى مصالح طائفته التي كانت ستهمش كما حصل اليوم وكما حصل للمسيحيين إبان الوصاية السورية ، فإختار التفاهم الذي هو أهون الشرين حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، أصاب أو أخطأ، بالنهاية كان هذا خياره وهذا إجتهاده وأعتقد أنه كان من أكثر المتضررين من هذا الخيار سواء على المستوى الشخصي أو السياسي ما ينفي عنه تهمة التجاهل والتواطؤ. كنا نتمنى على الذين يتصدرون اليوم الهجوم على سعد الحريري لشخصه على ما يبدو أكثر منه نقدا لتجربته، أن يكونوا أكثر إنصافا للرجل وهم الذين كانوا الأقرب إليه في كل هذه المراحل الآنفة الذكر والذين كانوا بشكل أو بآخر مسؤولون معه عن غالبية إن لم نقل كل السياسات المتبعة، ومنهم من كان معه في السلطة ومارس كل الموبقات وغطى كل الممارسات الأمنية ضد أبناء طائفته حتى إذا ما أزيح عنها أصبح فارسا من فرسان الطائفة وأحد منقذيها من سعد الحريري وتخاذله.

حاول سعد الحريري التعايش مع الواقع ومحاولة تدوير الزوايا كي يتخطى لبنان المراحل الصعبة ومحاولة إبعاده عن الصراعات الإقليمية ولكنه فشل

خروج السنّة من المعادلة

ومن منطلق من طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأصابه، من الظلم إتهام الرجل والطعن في مصداقيته وإخلاصه لما ومن يمثل، ربما نتفق مع هؤلاء في توصيف الكثير من الممارسات السياسية اليومية السيئة لسعد الحريري على مستوى السلطة، ولكننا بالتأكيد نختلف على تصنيف الرجل ووصفه بالمتجاهل والمتواطئ، نعم نحن معهم في إنتقادهم له على تساهله في تمرير الصفقات وقبوله بالمحاصصة وتغاضيه عن تمسك البعض بوزارات معينة بدل المداورة بين الطوائف والأحزاب وكذلك عدم تشدده في ضبط القضايا الإقتصادية والمالية التي أوصلت البلد اليوم إلى شفير الإفلاس وغيرها من الأمور التي يُنتقد عليها سعد الحريري، ولكن كنا نتمنى أن يكون الإنتقاد من منطلق وطني وشعبي وليس منطلقا مذهبيا لا يسمن ولا يغني من جوع تحت شعار خروج السنة من المعادلة الوطنية بينما هم في الحقيقة أخرجوا وليسوا وحدهم بل كل من يعارض هذا النهج السلطوي الذي ينتهجه العهد وداعميه  بفعل توازن القوى على الأرض والظروف الإقليمية الضاغطة متلازما ربما مع سوء إدارة الأزمة كتفصيل لكنه لا يغير في الواقع الكثير، إذ ماذا ينفع الطائفة السنية أو غيرها من الطوائف إن ربحت نفسها وخسرت الوطن، هذا هو السؤال، فأتقوا الله في بلدكم وناسكم وإبتعدوا عن المصالح السلطوية الخاصة من جهة وعن العصبيات الإيديولوجية طائفية كانت أم مذهبية من جهة أخرى، وإذا كنتم فعلا من أنصار الإصلاح والعودة إلى دخول ما تسمونه المعادلة الوطنية فعودوا من الباب الواسع والشرعي باب الشعب المنتفص على السلطة الفاسدة بكل أطيافها، وإنضموا إلى ثورة هذا الشعب وإدعموها لتنال حقوقها من كلن يعني كلن بدل التلهي بالحرتقة فقط على سعد الحريري على طريقة ” قوم لأقعد محلك ” والعمل على تنفيذ أجندات إقليمية عاجزة هي عن تحقيق أقل منها  في محيطها بسبب تخبطها وقلة حيلتها وكل هذا بإسم إنقاذ الطائفة السنية من الإحباط وإعادتها إلى المعادلة الوطنية لتجعل منا كوطنيين لبنانيين أكياس رمل في صراعها مع إيران ومن ثم تتخلى عنا كما تخلت عن سعد الحريري قبلا في 2008 يوم 7 آيار وبعدها في العام 2011 أيام القمصان السود.

اقرأ أيضاً: لا تفقد رصيدك يا سعد الحريري

قوى الظلام المتسلطة

عودوا إلى ضميركم وإنظروا في أمركم فالبلد لم يعد يحتمل حرتقات ومناكفات، ومن لديه كلمة طيبة فليتصدق بها أو مشروع فليطرحه بصراحة ويعمل على تحقيقه بالوسائل المشروعة البعيدة عن الإتهامات والتهييج وليقف مع ثورة الشعب ومطالبه المحقة في وجه قوى الظلام المتسلطة على البلد بدل اللجوء إلى المناكفة عبر موقع إلكتروني موجه ومعروف الأهداف يضم قلة قليلة من الناقدين الموضوعيين والبعض من الناقمين من إعلاميين مسرَّحين من مؤسسات الحريري الإعلامية والذين يعانون بحق من تأخر دفع مستحقاتهم المالية، علاوة على الإستعانة ببعض القامات الفكرية المحترمة والنظيفة كالدكتور رضوان السيد والتي نتمنى أن تكون قد خانتها بعض التعابير في سعيها للإصلاح وإنقاذ ما يمكن إنقاذه والذين يتلطى وراءهم بعض الحاقدين الساعين لمكان لهم في السلطة بعد أن ذاقوا “حلاوتها” ولم يعودوا يطيقون البعاد عنها للتصويب على سعد الحريري بدل التصويب على مكمن العلة الحقيقي ومواجهته، ومحاولة طرح البدائل الموضوعية التي قد تعيد التوازن إلى المشهد السياسي الوطني اللبناني ومحاولة إقناع الناس بهذه البدائل والشروع بتنفيذها، بدل مواصلة البكاء على الأطلال ومحاولة التملص من المسؤولية وتحميلها لشخص سعد الحريري فقط في حركة قد تكون محاولة لتقديم أوراق إعتماد – من قبل الحاقدين وليس من قبل الكُتَّاب – لمن هم في السلطة اليوم من خصوم سعد الحريري ومحاولة إيجاد موطئ قدم جديد لهم في السلطة تحت شعارات فضفاضة ومغرية مستغلين نقمة الناس وإحباطها ليطرحوا أنفسهم كبديل لسعد الحريري والذين كانوا يمثلون جزءاً من فريقه السياسي وشركاء له في القرار ليهربوا اليوم من السفينة التي أنهكتها الأنواء والأعاصير السياسية التي ضربتها من الحلفاء قبل الخصوم، فهل سينجحون أم أن الحريري سينجح في إعادة ترتيب بيته السياسي عبر إصلاح تياره وتنقية صفوفه من المتسلقين والمنتفعين والتقرب أكثر من نبض الشارع والإستماع إلى صوت الناس  الموالين والأنصار ويستعيد زمام المبادرة في بيئته السنية ومن ثم على الصعيد الوطني العام؟

هذا ما ستكشفه التطورات المقبلة داخليا وإقليميا مع ما إستجد عليها من أحداث ليس أقلها إنهيار أسعار النفط جراء الخلاف بين أوبيك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وروسيا وما تثيره من تداعيات على إقتصاد العالم المشغول اليوم بحدث لم يكن يتوقعه وهو وباء كورونا الذي قد يعطي إنشغال العالم به فرصة لإلتقاط الأنفاس السياسية والتفكير بما بعده من تطورات نأمل أن تكون إيجابية للمساهمة في إحتواء تداعياته السلبية صحيا وإقتصاديا وإجتماعيا على العالم أجمع عسى أن تنال منطقتنا قسطا من الإستقرار المفقود منذ سنين.

السابق
جنبلاط يتساءل.. اين هي الخطة الاقتصادية للحكومة؟
التالي
في زمن «كورونا».. مجلس النواب يلتئم الكترونيا!