تسع نقاط مضيئة في تسع سنوات من الثورة السورية!

الثورة السورية
في سنواتها التسع رسمت الثورة السورية لنفسها مساراً مستقلاً استقى مفاهيمه من الحراك العربي وطورها إلى محطات حافلة بالأمل كما الألم!

قطعت الثورة السورية شوطاً كبيراً حتى بلغت عامها التاسع، في جغرافيا معقدة من الصراعات والتدخل الدولي الذي حوّل الحراك الشعبي من شارع ثائر انتفض ضد نظام الحكم إلى قتال مسلح لا تعرف نهايته في المدى القريب مع تعدد الفصائل المقاتلة وفوضى السلاح الذي يملأ البلاد.

لكن ذلك لم يثنِ المعارضون السوريون عن إيمانهم بالثورة ومبادئها المحقة رغم محاولات الأسد الفاشية لإجهاض الفكر الثوري في ذهن السوريين وإقصاء مفاهيم الحرية والعدالة من ذهنهم محاولاً استعادة النهج الذي أخضع به والده سوريا البلاد عقب محاربته الإخوان المسلمين في حماة وحلب عام 1982.

إلا أن الثورة السورية بمقدار ما حملت من خسائر للشعب وللبنية التحتية في سوريا، حملت في جوهرها الكثير من النقاط المضيئة التي لا يمكن تجاهلها أو التغافل عن ذكرها في الذكرى التاسعة لثورة سميّت بـ”ثورة الكرامة”.

وهذه تسع نقاط مضيئة في مسيرة التسع سنوات:

كسر حاجز الصمت

كسر السوريون مع أولى صرخة “حرية” خرجت في سوق الحريقة بدمشق الحاجز الذي دأب آل الأسد على بنائه لمدة تجاوزت الأربعة عقود، وهناك من الحي الدمشقي العريق الذي تعرض لحريق على يد الفرنسيين إبان القصف المدفعي الذي تعرضت له العاصمة على يد الجنرال غورو، جاءت كلمة الرفض الأولى على لسان مواطنين يعملون في التجارة ويدركون أن السطوة التي أوهمهم بها نظام الأسد لا تعني شيء أمام الكرامة إذا تلطخت جراء الاستبداد.

فيديو المظاهرة الأولى في تاريخ الثورة السورية 17/2/2011

أطفال سطّروا الحكاية

شكلت الطفولة ملمحاً أساسياً من ملامح الثورة السورية رغم حجم المعاناة الهائلة التي تعرّض لها الأطفال من اعتقال بدأ لأطفال في حي العمري بدرعا البلد أشعل شرارة الثورة الأولى وليس انتهاء بصور أطفال اللاجئين على الحدود التركية اليونانية، وبينهما عبرت الثورة بسنواتها التسع مع رموز صنعها أطفال تمكنوا من صناعة الرمز بمفهمومه الجديد فقد يكون الطفل ثائر، رغم استغلال دول ومنظمات ووسائل إعلام لصوره ومعاناته، لكن لا يمكن إلا استذكار صورة حمزة الخطيب في درعا التي أشعلت المظاهرات على امتداد المدن السورية، وصورة إيلان كردي على شاطئ تركيا والتي حركت العالم لوقف الهجرة غير الشرعية عبر اتفاق تركيا مع الاتحاد الاوروبي.

صورة إيلان الكردي
صورة إيلان الكردي الطفل الذي توفي على شواطئ اللجوء

الغناء بمفهوم الثورة

أن تصنع أغنية من حراك شعبي، ليس بأمر سهل فهو يعني أن توثق المشهد الثائر بأغنية قد تستمر لأجيال ويذكرها التاريخ بأنها عبرت عن مرحلة من تاريخ بلد بأكمله. إذاً صوت عزف عود مع أنة أصدرها المغني السوري سميح شقير استطاعت جمع نبض المتظاهرين السوريين حين قال “يا حيف وإخ يا حيف”. كانت أغنية شقير استقراءاً باكراً لنهج نظام الأسد الذي سيتسمر بعد ذلك لتسع سنوات من القتل والتنكيل بالشعب السوري، فكلمات “الرصاص النازل ع الناس العزل” “ابن بلادي تقتل بولادي” و”ظهرك للعادي” كلمات حفظها السوريون عن ظهر قلب وردودها في مظاهراتهم وجلساتهم المغلقة وصنعوا من الأغنية أنشودة خرجت في آذار 2011 ولما تمُت بعد في 2020.

أغنية يا حيف أولى أغنيات الثورة السورية للفنان سميح شقير

الحنجرة حين صرخت

ليس بعيداً عن مفهوم الغناء، لم يستعن السوريون بمكبرات صوت تعيد بث أغان وطنية من أرشيف احتكره آل الأسد وصنعوا كل أغنياته تمجيداً للبعث والسلطة والأسد الأب ثم الابن، بل اختاروا أن يهتفوا بحناجرهم الحية وهنا سمع السوريون صوت القاشوش لأول مرة في ساحة العاصي بحماة قبل أن يقتلع النظام حنجرته، وتتردد صدى أغنياته بصوت الساروت في حمص باتكاء على شعارات ولدت من رحم الثورة وبنيت على التراث السوري العريق ولعل أشهرها “سكابا” و “جنة جنة”.

جنة جنة أنشودة الثورة بصوت عبد الباسط الساروت

جدران هدّت التأليه

في عُرف النظام السوري تشويه الجدران بعبارات تؤيد الأسد وتصدره على أنه القائد الأبدي للبلاد انطلاقاً من شعار “القائد الخالد” والذي كان جزءاً من النظام المدرسي يردده الطلاب قبل دخول شعبهم صباح كل يوم، ترافق ذلك مع عبارات تبرز الأسد الأب على أنه باني الدولة الحديثة وبفضله تعمرت المدارس وانتشر التعليم في سوريا.

إقرأ أيضاً: في السنة العاشرة، سنة “كورونا”، يرحل الأسد

ومع انطلاق الثورة تغيّر المشهد بعدما كتب أطفال في درعا عبارة “الشعب يريد إسقاط النظام” على جدار مدرستهم وبخّ ما عرف بالرجل البخاخ جملة “جاييك الدور يا دكتور” على جدران في مدينة دمشق، وبهذا انكسرت هالة التأليه لأول مرة في تاريخ سوريا المعاصر لتنطلق رحلة من التمرد العلني والشعارات التي تحولت فيما بعد إلى دلالة على توجه الفصيل المسيطر على المنطقة، لكنّ الصرخة الأولى بقيت محفوظة على جدران قلوب السوريين.

اجاك الدور
“اجاك الدور يا دكتور” العبارة التي كتبت في بداية الثورة على غلاف جريدة دنماركية

المرأة كناشطة ثورية

عبر الحراك السوري عن تواجد نشط للمرأة السورية خلال السنوات التسع من عمر الثورة وبأشكال عدة، ورغم تغييب المظهر المدني للحراك في بعض المناطق نظراً لانطلاق المظاهرات في الأرياف التي تحكمها العادات الاجتماعية ويقوم معظمها على فرز التجمعات بين الرجال والنساء، إلا أن طيف واسع من الناشطات عرف من خلال الثورة السورية بصوته العالي في وجه النظام. كان أبرزهن منتهى الأطرش ابنة زعيم الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، والناشطة الحقوقية رزان زيتونة التي اختفت في الغوطة الشرقية مع مجموعة من الناشطين بينهم الناشطة سميرة الخليل، وسهير الأتاسي ودورها الفاعل في الحراك السياسي السوري، وبسمة القضماني ومرح البقاعي وأليس مفرج وغيرهن من الناشطات اللواتي ما زلن لليوم يمارسن العمل السياسي ضد النظام رغم المضايقات الكبيرة التي تعرضن لها كنساء وحملات تشويه السمعة والتخوين من قبل نظام الأسد. وهنّ جزء من حراك نسوي خرج بشكل متماسك مع حراك المعارضين وإن لم يحمل استقلاليته الخاصة لكنّه برز في كثير من الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية.

رزان زيتونة
تحول اسم رزان زيتونة إلى مثال للناشطة الثورية في العالم

الفن بطابعه الحر

لا يمكن ذكر الثورة السورية دون التعبير عن الفن الحر الذي خرج من قيود آل الأسد وهيمنة المؤسسات الثقافية والفنية الرسمية، وبدا ذلك واضحاً للعيان بعد تسع سنوات بين هامش إنتاج الأعمال الفنية المتحررة عن سلطة الأسد والقيود على النتاج الفني السوري في الداخل، فبرزت رسومات الكاريكاتير التي أكملت مسيرة الفنان علي فرزات وغيره من رواد هذا الفن السوري، وانتشرت معارض السوريين بكافة أشكال الفنون في مدن العالم لا سيما مع موجة اللجوء إلى أوروبا، كما عبر الفنانون السوريون عن استقلاليتهم في صناعة الأفلام وبلغوا جوائز الأوسكار لثلاثة أعوام متتالية، مع تقديم حكايات فنية عبر الدراما والسينما تقاطعت مع نبض الشارع دون هيمنة الفكر البعثي، وعبرت الموسيقى السورية من أوروبا إلى كندا وأميركا مع أوركسترات ما كانت لتخرج للنور لولا الثورة.

كاريكاتير علي فرزات
كاريكاتير علي فرزات الرسام الذي كسر نظام الأسد أصابع يده

انهيار ثقافة الرعب

لا شك أن العامل النفسي واحد من أبرز العوامل التي منعت عدد من السوريين من الانضمام لصفوف المتظاهرين في الشوارع، عبر ثقافة الرعب التي نشرها آل الأسد على مدى عقود من الزمن، لكن الذي تغير في ذهن الشارع السوري هو لحظة الوعي بانهيار منظومة النظام الفكرية في ذهن المواطن دفعة واحدة وكأن اللحظة التي كشف فيها النظام عن أنيابه كانت المسمار الأول في نعشه وتتالت المسامير على مدى تسع سنوات، فلا الشعب والذي صمت في معظمه تحت ظل النار والبارود قبل برواية النظام عن الإرهاب وصدقها ولا الأحرار الذي منحتهم الحرية انعتاقهم يمكنهم أن يقبلوا العودة إلى ما قبل آذار 2011 من مفاهيم زائفة فارغة وظلامية.

الحرية
الحرية كشعار انتقل لينادي كل الأحرار في المنطقة العربية

المستقبل السياسي الجديد

مع أن شكل الحل السياسي في سوريا لم يرتسم على الأرض بعد في ظل النزاعات الدولية واقتسام مناطق السيطرة بين الدول الكبرى، لكن لا يمكن إغفال تقدم السوريين في مجالات توثيق الانتهاكات والعدالة الاجتماعية والحقوق السياسية وهو ما يسير في مستويين الأول خرج من الحراك نفسه حين رفض بشعاراته الأولى البقاء تحت قوانين ودساتير الأسد البالية والثاني من النشاط في حقول العمل السياسي والحقوقي والذي أفرز مجموعة من الناشطين المعارضين البارزين سيشاركون بلا شك في الحل السياسي القادم في سوريا، وهذا يدّل على أن أي دستور جديد لسوريا خارج نظام الأسد وأي نظام انتخابي أو قانون نافذ سيكون أفضل من مرحلة الأسد على صعيد حقوق الأقليات والقوميات والتوزيع الطائفي في مناصب الدولة والتعددية الحزبية والسياسية، وهذا جاء نتيجة كفاح طويل من حراك معارض على الأرض استمر لليوم برغم التخاذل الدولي الكبير الذي شهدته سوريا في أكبر أزمة لجوء في القرن الحالي.

علم الثورة
الثورة لم تكن علماً فقط بل إيمان بحرية الوطن من آل الأسد

كيف لا يفخر السوريون بثورتهم وهم الذين تجاوزوا بها الوطن من هيمنة الرئيس باسم مفرد إلى حرية جماعية يتشاركها المواطن مع بني شعبه، فمن التمس الحرية في داخله لن يقبل اليوم أن يهزم من قبل الاستبداد لتكون التسع الماضية برغم مرارتها الدموية وخسائرها الفادحة مرحلة انتقالية لا بد منها لسوريا جديدة دون آل الأسد.

السابق
بيروت تخضع لخطة الطوارىء.. إقفال ودوريات تجوب الشوارع!
التالي
وزير الصحة يُحذر من الأسبوعين المقبلين.. لتحمّل المسؤولية!