وأخيراً فعلها دياب.. تنصل وتخلف وكيدية!

حسان دياب

وأخيراً تأكد المؤكد وأعلنت حكومة الرئيس حسان دياب تعليق سداد سندات اليوروبوندز عبر خطاب ألقاه رئيس الحكومة كان فيه جردة بالأسباب الإقتصادية التي أدت إلى الوضع الحالي وهي أسباب كانت معروفة للقاصي والداني ولم يكن فيها أي جديد، وكان مليئا بالوعود الفضفاضة دون أية خطة واضحة أو خارطة طريق جدية لمعالجة الأزمة.

سخرية القدر

الجديد والمفاجئ في كلمة رئيس الحكومة كان تجاهله للأسباب السياسية التي أدت لهذا الوضع المأساوي الذي جعل من لبنان لأول مرة بلداً متعثراً عاجزاً عن الوفاء بإلتزاماته المالية، مكتفياً بتحميل المسؤولية للنموذج الإقتصادي المتبع في البلد وكأن هذا النموذج هو إبن اليوم والأمس القريب ولم يكن نموذجاً متبعاً منذ إستقلال لبنان.

اقرأ أيضاً: السنيورة يفضح السلطة «الفاشلة»: هذه أسباب الإنهيار!

الإصلاح الإقتصادي على أهميته القصوى لن يجدي نفعاً دون وضع الإصبع على الجرح الحقيقي

قد نفهم أن يُحَمِّل رئيس الحكومة المسؤولية لبعض السياسات المالية التطبيقية الخاطئة التي مورست والتي كانت في معظمها ناتجة عن الخلل السياسي الذي مر به البلد منذ العام 2008 على أقل تقدير إن لم نقل منذ العام 2005، ولعل من سخرية القدر أن يكون إعلان التعثر يوم 7 آذار 2020 والذي يصادف مرور 15 عاما على يوم 8 آذار 2005 الذي يمثل فعلياً بدء الوصاية الإيرانية التي حلت مكان الوصاية السورية التي كتبت جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري نهايتها، وكان أن بدأت بوضع يدها على البلد بالترغيب تارة عبر الإتفاق الرباعي السيء الذكر، أو بالترهيب عبر السياسات التي أتبعت بعد حرب تموز 2006 والتي أدت إلى إستسلام ورضوخ الفريق الآخر بعد أحداث 7 أيار وإتفاق الدوحة حتى يومنا هذا ما وضع البلد على سكة التعثر بالتضامن والتكافل بين كل الأفرقاء.

مرآة الوضع السياسي

ولعل من نافل القول بأن الوضع الإقتصادي هو مرآة للوضع السياسي في أي بلد من حيث الأستقرار الذي يؤدي إلى الثقة بالنظام ويؤدي بالتالي إلى زيادة في الإنتاج القومي للبلد، وهو الأستقرار الذي لم يكن موجودا طيلة 15 عاما تخللها حروب وتعطيل وصدامات داخلية كانت ذروتها في 7 أيار 2008، ومن ثم إنقلابات سياسية وتحالفات متبدلة وحروب خارجية شارك بها ولا يزال أحد الأطراف اللبنانية وهو حزب الله مع ما نجم عنها من تداعيات أضرت بالعلاقات اللبنانية – العربية ولا تزال، وغير ذلك من فراغ في رأس هرم السلطة وحكومات تصريف أعمال أكثر من حكومات أصيلة بسبب التنازع على الحصص والمكاسب،  كل ذلك جعل البلد في حال من عدم الإنتاجية والفوضى الإقتصادية والمالية كيف لا والبلد كان يدار لعدة سنوات بلا ميزانيات وكان الصرف يجري على القاعدة الإثني عشرية دون أن يرف للقوى السياسية المكونة للسلطة أي جفن هي التي كانت جميعها مشاركة فيها بإستثناءات قليلة جدا ولفترات زمنية محددة.

جرعة دعم

كل هذه الأسباب والتي هي في جوهر ما وصل إليه الوضع، لم يتطرق لها رئيس الحكومة في كلمته التي أرادها جرعة دعم وأمل للبنانيين فكان بتجاهله هذه الوقائع كلها كمن يهرب إلى الأمام ويختار الطريق الأسهل بإتهام النموذج الإقتصادي للبلد بأنه السبب دون أن يشير إلى مكمن العلة الحقيقي ألا وهو الجو السياسي الغير طبيعي والذي تتحكم فيه مجموعة سياسات وخيارات على مستوى المنطقة تتعارض بشكل واضح وصريح مع المصلحة اللبنانية عبر الدخول في محاور لا ناقة لنا فيها ولا جمل وفي لعبة أمم تتصارع فيها قوى إقليمية كبرى ونكون نحن لها وقودا ندفع الثمن من شبابنا وإقتصادنا وإستقرارنا ومستقبل أجيالنا.

الجديد والمفاجئ في كلمة رئيس الحكومة كان تجاهله للأسباب السياسية التي أدت لهذا الوضع المأساوي الذي جعل من لبنان لأول مرة بلداً متعثراً عاجزاً عن الوفاء بإلتزاماته المالية

الهروب إلى الأمام

إن سياسة الهروب إلى الأمام، ودفن الرأس في الرمال يا سيادة الرئيس لن تنتج إصلاحاً ولا ترميما لإقتصادنا وإستعادة لعافيته، ولا نقول هذا بدافع اليأس أو التيئيس بل نقوله من منطلق واقعي ومنطقي، فالإصلاح الإقتصادي على أهميته القصوى لن يجدي نفعاً دون وضع الإصبع على الجرح الحقيقي بحيث لا يمكن أن يكون هناك إصلاح حقيقي دون الأخذ بالإعتبار للواقع السياسي الداخلي الذي يجب أن يشهد تغييرا في الممارسة والأهداف، وكذلك الواقع السياسي الإقليمي بحيث يخرج لبنان من منطق الإصطفافات والمحاور ويلتزم فعلا لا قولا بسياسة النأي بالنفس التي تضمن له إستعادة علاقاته العربية ودوره الفاعل في محيطه مما يساهم في دعم أي خطة إصلاح إقتصادي وإعادة نهوض للبلد، فلبنان لا يمكن أن يعيش إستقرارا سياسيا وإنتعاشا إقتصاديا بمعزل عن بيئته الطبيعية المتمثلة بالمنطقة العربية التي وللإنصاف لم تتأخر يوما في تلبية إحتياجاته ومساعدته في كل الظروف التي مر بها.

اقرأ أيضاً: لبنان.. أزمة إقتصادية أم وجودية؟!

سياسة الكيد

من هنا نبدأ، أما سياسة الكيد والإنتقام وتصفية الحسابات السياسية القديمة مع مرحلة رفيق الحريري التي يدعو إليها ويشجع عليها ويمارسها بعض الموتورين الذين كانوا يمثلون أحد أقبح وجوه تلك المرحلة، وبعض الحاقدين أسرى عقدهم الشخصية، فلن تجدي وستوصل البلد والناس إلى الإنهيار الكامل تنفيذا لسياسة ومشاريع أسيادها في الخارج القريب منهم والبعيد، الذين لا يريدون الخير لهذا البلد وشعبه لأن لبنان رغم كل متاعبه وإخفاقاته التي ساهموا فيها عن قصد سيبقى يمثل لهم نقيضا في القيم، قيم الحرية والتعايش وحقوق الإنسان وهي قيم يخافونها لأنها تنسف وجودهم القائم على الطغيان والتعصب وهدر كرامة الإنسان. فهل نتخذ القرار ونسلك سبيل الحكمة والواقعية السياسية لإنقاذ بلدنا، أم سنبقى نردد شعارات ولغة خشبية عفا عليها الزمن لا تسمن ولا تغني من جوع ونترك بلدنا في مهب المصالح الإقليمية ؟ لكم أيها المسؤولون القرار، وللتاريخ الحكم النهائي لكم أو عليكم فإختاروا.

السابق
تحرير 100 مليون دولار.. سلامة يعلن عن إيجاد حل دائم للصناعيين!
التالي
وسائل اعلام ايرانية تكذب الاحصاءات الرسمية.. ضحايا «كورونا» يتخطون الألف!