ماذا بعد؟

توفيق الهندي

حان الوقت لتصويب خطى الإنتفاضة. ولذا، بداية يتوجب تحديد معالم الواقع اللبناني بموضوعية تامة.
تتحكم الجمهورية الإسلامية في إيران بلبنان عبر تحكم حزب الله بالقرار الوطني اللبناني. 
فحزب الله هو جزء لا يتجزأ من هذه الجمهورية (وإن كان عناصره لبنانيين) وهو في واقع حاله المكون الرئيسي لفيلق القدس المسؤول في الحرس الثوري عن تصدير الثورة إلى كافة أصقاع العالم، وأمينه العام بات عملياً» قائده بعد إغتيال قاسم سليماني كما قائد «محور المقاومة».

يمكننا القول أن الدويلة إبتلعت الدولة: فالحزب يسيطر على المؤسسات الدستورية الثلاث (البرلمان، رئاسة الجمهورية والحكومة)، كما على مؤسسات وأجهزة الدولة العميقة مباشرة و/أو عبر حلفائه وخصومه سيان من الطبقة السياسية الفاسدة التي تأقلمت مع واقع سطوته على الدولة وتقبلتها.

اقرأ أيضاً: حكومة «حزب الله» تطل برأسها من سوريا.. وتنأى «غب الطلب»!

فساد الطبقة السياسية المشكو منه قائم على نظام المحاصصة والزبائنية السياسية حتى يخال لك أن مكوناتها تتقاتل فيما بينها على سرقة المال العام ولكنها سرعان ما تتفق على توزيع المغانم. لذا، ثمة فساد ولكن دون فاسدين. 
وحزب الله ليس منزهاً» عن الفساد وهو راعي الطبقة الفاسدة. وهنا، لا يفيد القول أنه مضطر أن يراعي مصالحها نظرا» لأولوياته الجهادية والإقليمية التي ليس لغالبية اللبنانيين أية ناقة وجمل فيها، لا بل أن هذه الأولويات تضر بأمن اللبنانيين وسيادة الدولة ومناعة الكيان وحضارته وإقتصاد لبنان وعافيته.

فلبنان يعاني من مشكلتين أساسيتين: سطوة إيران على لبنان عبر حزب الله من ناحية، وسطوة الطبقة السياسية الفاسدة على الدولة من ناحية أخرى. إن هاتين المشكلتين مترابتطان ولا يمكن حل واحدة من دون حل الأخرى. 
ولأن سقوط الطبقة السياسية الفاسدة يضعف نظرياً» حزب الله، فإنه بالتأكيد لن يسمح بذلك، وهو قادر الآن على أن لا يسمح بذلك. بالمقابل، إن رفع يد إيران وحزب الله عن لبنان يفتح الباب واسعا» لسقوط هذه الطبقة. والحقيقة أن هذه الطبقة خسرت كثيرا» من شعبيتها وباتت في حالة من الموت السريري من هذه الزاوية. 

الهدف النهائي للإنتفاضة هو إقامة الدولة المدنية الحرة السيدة المستقلة الآمنة المتحضرة التي تنتشل لبنان من أزمته الإقتصادية-المالية-النقدية-الإجتماعية وتؤمن للمواطن حقوقه وعيشه الرغيد وتصون له كرامته الإنسانية وتسترجع للبنان كيانه المختطف. 
الدستور وإتفاق الطائف يؤمنان الآليات الضرورية لبلوغ هذه الأهداف. المشكلة ليست بالنصوص، إنما بعدم تطبيقها أو تطبيقها إنتقائيا» أو بشكل مشوه. المشكلة ليست بالدولة، إنما بالسلطة التي أدارت وتدير الدولة.

اليوم، لا قدرة للسلطة على معالجة الأزمة لأن الحلول المتاحة دون مساعدات خارجية، تقضي بأن يتخلى طوعا» سارقو المال العام أقله عن قسم من سرقاتهم؛ وهم بالطبع غير راغبون بذلك. أما المساعدات الخارجية، فهي لن تأتي لأن حزب الله بتناقض عدائي مع كل من له القدرة على المساعدة (أميركا، الغرب، العرب)، وهو لن يقبل بمساعدات يعتبرها مشروطة لأنها تقوض وضع يده على لبنان وحركته في الإقليم (رفضه للقبول بأي خطة لصندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من أزمته بحجج واهية).
النتيجة: لبنان سائر نحو الصوملة و/أو إلى العودة إلى الكانتونات من خلال إعادة إحياء الميليشيات المذهبية. وفي الحالتين، يحافظ حزب الله إلى حد بعيد على كينونته «الجهادية» وتدخلاته في الإقليم في حين يقع الشعب اللبناني في الفقر والعوز.

ثمة من يطرح إنتخابات مبكرة وفق قانون جديد أو وفق القانون السابق. آسف أن أقول أن هذا الطرح غير واقعي (كما طرح حكومة إختصاصيين مستقلين) لسبب بسيط هو أن الممسك بالسلطة لن يقبل بها (القضية قضية ميزان قوة!). وإن قبل، فهو الذي سيضع القانون وهو الذي سيدير الإنتخابات ويشرف عمليا» عليها في ظل السلاح غير الشرعي، فضلا» عن أن مكونات الطبقة السياسية الفاسدة لا تزال تمتلك بعض عناصر القوة: حماية حزب الله لها، المال، نفوذها على الدولة العميقة الناتجة عن ممارسة المحاصصة والزبائنية السياسية على مر السنين. النتيجة تكون عمليا» إعادة المشروعية الشعبية لهذه الطبقة الساقطة.

وبشكل أكثر عمومية، أقول أن لا حل في الوقت الراهن وفي ظل موازين القوى القائمة بإعتماد المسارات الدستورية لتحقيق أهداف الإنتفاضة، لا سيما أن حزب الله وإيران لن يتخليا عن علة وجودهما ولب قضيتهما، أي الجهاد العسكري والأمني لتصدير الثورة الإسلامية كما يفهمونها إلى العالم.
بالمقابل، الإنتفاضة باقية ولا يمكن ولا يصح قياسها بالأعداد وأشكال التعبير. لقد أثبتت وجودها على الساحة الوطنية اللبنانية داخليا» وخارجيا» وأضحت رقما» صعبا» بالمعادلة، ولا سيما أن السلطة باتت عاجزة عن إجتراح الحلول. واليوم، بات واضحا» للإنتفاضة أن بمواجهتها للطبقة السياسية الفاسدة، بات من الصعب التغاضي عن دور حزب الله المركزي في السلطة اللبنانية.

في هذا الوقت المستقطع، سوف تجهد الإنتفاضة إلى تنظيم صفوفها وتوضيح آليات عملها ورؤيتها السياسية وأهدافها النهائية واستراتيجيتها وتكتيكاتها لبلوغ هذه الأهداف. كما أنها سوف تمثل السلطة المضادة، أي سلطة المراقبة والمحاسبة والمبادرة لطرح الحلول البديلة في كافة ميادين الشأن العام.
والأهم أن لا يسقط لبنان الكيان والدولة والمجتمع في هذه المرحلة العصيبة، ريثما تتضح معالم الوضع الإقليمي المضطرب ويتضح معه مصير الجمهورية الإسلامية في إيران وسلاح حزب الله في لبنان، فيفتح الباب للتغيير المرتجى.

السابق
مستشار ظريف يلتحق بقافلة المُصابين بالكورونا!
التالي
برلمان إيران «بؤرة كورونا» مُخيفة.. 23 نائباً يُصارعون للبقاء!