الشيخ حسين شحادة: انميازات فردية في سعي إلى تحقيق رؤى الدين في الوحدة الإنسانية

الشيخ حسين شحادة

انبثقَ الزَّمنُ فجراً، للمرَّة الأولى، عند الشَّيخ “حُسين أحمد شحادة”، يوم وُلِدَ في منطقة “برج حَمُّود”، في شرق بيروت، عاصمة لبنان، سنة 1952. كانت بيروت، وقتذاك، تهتزُّ طرباً لتدفُّق الأموال الأجنبيَّة، إلى صناديق مصارفها، وورود رؤوس أموالِ إلى كثيرٍ مِن مؤسَّساتها والشَّركات النَّاشطة فيها. كان كثيرون، من ناس لبنان، يعملون، زمنذاك، بكدٍّ وجدٍّ، في مجالات الفِكر والثَّقافة وساحاتِ السِّياسة ومصالِح الاقتصاد، على أن يكونَ بلدهم بقعةً برَّاقًة للرَّفاه والبحبوحة والانفتاحِ الإنسانيِّ الشَّاملِ على الغربِ “الحضاريِّ”، الذي كان قد نهض قائداً منتصراً، إثر خوضه أهوال الحربِ العالميَّةِ الثَّانية.

اقرأ أيضاً: إيران وقدر المدن العربية

اشتركَ ضوء ذلك الفجر، للطِّفل الوليد، في بزوغه هذا، مع ولادة كثيرٍ من الأطفال؛ فالكلُّ خلقُ الله، والمتوقَّع أن ينهضَ كلٌّ منهم، إلى سعيٍّ له في ركاب مسيرة عيشٍ، سيجدها بين ناسِهِ. فانشغلَ الطِّفلُ، منذ أوَّلِ صرخةٍ صدحَ فيها بأنَّه حيٌّ، بعيشِ ما وجده قُبالته في رحابِ الحياة. وكما كلّ من وُلِدوا مثله، تفتَّح وجوداً غضَّاً بين أهله؛ وبدأ يعي، وفاق ما كان يُزهِرُ في وجوده من قدرات، ما هُم فيهِ وعليهِ من شؤون العيشِ. وكان لهذا الطِّفلِ أن يُلَحقَ بمدارسَ “بيروت”، التي كَبُرَ وتربَّى بين قاعات درسها وباحاتِ اللَّعبِ والمرح فيها؛ حتَّى أنهى تعليمه “الابتدائي” ومن ثمَّ “الإعدادي” حتَّى أنهى”الثَّانوي” فيها.

كان لبنان، برمَّتهِ، وانطلاقاً من عاصمته بيروت، حيث كان يعيشُ “الفتى” “حسين أحمد شحاده”، قد استحقَّ لقب “سويسرا الشَّرق”؛ لِما صار فيه من نهضةٍ ماليَّةٍ، وما عرفه ناسه من انفتاحٍ كبيرٍ على دولِ الغرب الأوروبيِّ والولايات المتَّحدة الأميركيَّة؛ وما ازدهر، في أفيائه، من مرافق سياحيَّة ونشاطات فكريَّةٍ وثقافيَّةٍ وفنيَّةٍ وقِيَمٍ ومفاهيم غربيَّة. ومع كلِّ هذا، فإنَّ الضَّوء الذي بزغ، من فجر ولادة الطّفل “حسين أحمد شحاده”، أتَّخذ توجُّهاً مختلفاُ، تمام الاختلاف، عمَّا كان عليه توجُّه معظم ناس “لبنان”، وتحديداً غالبيَّة من كانوا يعيشون، زمنذاكَ، في “بيروت”.
انتبه الفتى، “حسين شحاده”، وهو يعيشُ في منطقة “برج حَمُّود”، الحافلة بتنوِّع ديموغرافيِّ وديني واجتماعي وسياسي ومناطقيِّ، شديد التنوُّعِ والتَّعدُّد، إلى “الحوزة العِلميَّة”، التي أسَّسها وعمل على إدارتها، في تلك المنطقة، سماحة العلاَّمة السيِّد “محمَّد حسين فضل الله”. لقد رأى الفتى، “حسين شحاده”، في دعوَّة سماحة السيِّد “فضل الله”، مذ ذاك الزَّمن، تشجيع القابليَّة الانسانيَّة، بين ناس المجتمعِ، على الانفتاح الثَّقافيِّ التَّكامُليِّ والتكاتفِ الاجتماعي، فيما بينهم، عنوان رسالة حياة يعيشُ بها، ومنهاج دعوةٍ يقتدي يه.

كانت هزيمة العرب، في “حرب 1967″، تضجُّ مدوِّيةً ومرعبةً في نفوس النَّاس، وقد اشتدَّ إثرها عود المقاومة الفلسطينيَّة ضدَّ الإجرام الصُّهيونيِّ، يوم يمَّم الفتى “حسين أحمد شحاده”، إثر إتمامه تعليمه الثَّانوي في مدارس بيروت، صوبَ الالتحاقِ بالِّدراساتِ الفقهيَّةِ وعلومِ الشَّريعةِ، من جامعتي “النَّجف الأشرف”، في العراق، و”قُم المقدَّسة”، في إيران؛ وكلتاهما تنبثق في رأيها ورؤاها من الشَّرقِ، بل ومن أعمق ما في الرُّوحانيَّة الدِّينيَّة من أبعاد، وأكثر ما في الفقهِ من اعتدادٍ بالميراث الدِّينيِّ وآفاق منطقِهِ غير المتآلِف مع منطق الماديَّة الغربيَّة، بإشراف من يعتبروا “العلماء الكبار ومراجع التَّقليد العظام”، وإدارتهم وتوجيههم.

أقام الشَّاب “حسين شحاده”، في “مدرسة البروجردي الكبرى، التي كان يصلِّي فيها “الإمام الخميني”؛ فكان للشَّاب أن يتعرَّف على “الإمام” عن قرب، وأن يتفاعل بإيجابيَّةٍ مع “عرفانه”، كما مع فقهه السِّياسي.
كان النِّظام التَّعليميُّ، المعتمد، وقتذاك، في “النَّجف الأشرف” و”قُمّ المقدَّسة”، ينهضٌ على مبادئ الدَّرسِ في “الحَوْزَةِ العلميَّة”؛ القائم على أساسيَّة “محوريَّة المتن”. وهكذا، يتمُّ اختيار متنٍ معيَّنٍ للدِّراسة والتَّحليل العلميَّين؛ وعلى المتعلِّمين، العملَ، بإشراف القيمين على دراستهم، قراءة المتن، ووشرح عباراته، وفكِّ مغليقها، والغوصِ في رموزها ودلالاتها، وصولاً غلى ما يمكنهم مِن مراميها. وواقع الحال، فهذا منهجٌ، بلغة اليومُ، لا يخرجُ على الإطلاقِ عن منهج النَّظرِ عبر التَّفكيك وإعادة البناء، Deconstruction and Reconstruction))، المعتمد حاليَّاً، في كثير من معاهد العِلم ومجالات البحث المعاصرة. ويبدو أنَّ في هذا ما ساهم في تفتُّح آفاق العقليَّة التَّفكيكيَّة التَّحليليَّة عند الشيَّخ “شحاده”؛ وساعد، كذلك، في تكوين الشَّيخِ لفهمٍ معمَّقٍ لحقيقة كل ما يجده من أمور، بل والغوصِ على جوهرِ هذه الحقيقةِ واستكناه ما فيه.

تمكَّن الشَّيخ “حسين شحاد”، بهذين المرانين، العقليِّ والمفهوميِّ، اللَّذين خبرهما، إبَّان تلقِّيهِ دراسته الدِّينيَّة والفِقهيَّةِ الجامعيَّة، مِن أن ينفلتَ من عقال “الظَّاهر”، ليكون في صلب جوهر حقيقة “الباطِن”. رأى في الدِّين، سعيَّاً إلى الله، الواحدِ الأحد؛ وآمن بأنَّ طموح كلَّ مؤمن، لن يجد تحقُّقاً له إلاَّ في هذا الوصول؛ فبات المؤمنون عنده مجموعة متبارين، ولكلٍ طريق اختاره ومنهجٌ ارتضاه؛ وكلٌّ، في سعيه الذي يقيمه، قد يصل قبل الآخرين، أو يصحبهم، أو يتأخر عنهم؛ والأهم، وأسُّ عمل أهل الفكر والرَّأي والثقافة والاجتهاد، أن لا يضيَّع الانسان الطَّريق. وهكذا أصبح، الشَّيخ “شحاده”، مفكِّرَ الانفتاحِ على الآخر، بحثاً عن جوهر الحقيقة الذي يَكْمُنُ في وجود هذا الآخر، وهكذا، أيضاً، انطلق نحو المختلف، مفتِّشاً بإخلاصٍ وإصرار عن الأرضيَّات الجوهريَّة للحقيقة التي تربطه بهذا المختلف. وكان للشَّيخ الشَّاب “حسين أحمد شحاده”، وهو في مراحل درسهِ هذه، أن ينشر أوَّل مقالاته على صفحات مجلَّة “العِرفان” الشَّهيرة، متأثِّراً بحركة الإصلاح التي كان يقودها، وقتذاك، (الشَّهيد) “محمَّد باقر الصَّدر”. وكان له، أن يعمل في “قُم المقدَّسة”، أستاذاً للعلوم القرآنيَّة، في “دار التَّبيلغ”، بإشراف “الإمام شريعتمداري”؛ وأن ينشر مقالاتٍ علميَّة في مجلَّتي “الهادي” و”الفِكر الإسلامي”، اللتين كانتا تصدران من “طهران”.

لعلَّ من أجمل السَّاحاتِ الذي صال فيها “الشَّيخ حسين شحاده” وجال، برؤيته الدينيَّة، وعمقه الانسانيِّ وانفتاحه القياديِّ أنَّه كان “رئيس الجمعية الثَّقافيَّة الإسلاميَّة” ومؤسِّس ومدير “المعهد العالي للدِّراسات الإسلامية” في سيراليون؛
كما كان عضو “اللَّجنة التَّأسيسيَّة لرابطة أهل البيت”، في لندن، مع (الشَّهيد) السيِّد “مهدي الحكيم”؛ وكان، أيضاً، مؤسساً “إذاعة القرآن الكريم والمعرض الدَّائم للكتاب الإسلاميِّ”، في لبنان الجنوبي؛ فضلاً عن كونه مؤسِّس وصاحب مجلَّة “المعارج”، المتخصِّصة بالدِّراسات القرآنيَّة وحوار الأديان؛ ومؤسِّس “منتدى المعارج لحوار الثَّقافات و الأديان”، في بيروت؛ ناهيك بنشاطات أخرى كثيرة، لا تخرج، على الإطلاق، عن نطاق اللقاء بالآخر والمختلف، بحثاً عن إبراز جوهر حقيقة الوجود الإنسانيِّ السَّاعي إلى الله الواحد الأحد.

يعتبر سماحة الشَّيخ “حسين شحاده” من أبرز الدَّاعين المعاصرين إلى الانتقال بـ”حوار الأديان”، مِن كونِهِ حواراً موضوعه “الدِّين”، إلى حوارٍ موضوعه “الإنسان”؛ ويعتبر، سماحته، كذلك، من أهمِّ من دعوا إلى فكرة مرجعيَّة “الأصول الإبراهيميَّة”، للأديان التَّوحيديَّة، فضلاً عن جهوده في مجال اعتماد مرجعيَّة “السيِّدة مريم العذراء”، منطلقاً للحوار المسيحي الإسلامي، ومدخلاً إلى البحثِ في مرجعيَة “القِيم والأخلاق” في حوار الأديان والعلمنة.

هو ذا، ابن لبنان، الذي بزغ فجر وجوده، طفلاً، في لبنان وعلى رحاب بيروت؛ تلك التي كانت ناهدةً إلى أن تكون درَّةً في تاجِ “كونِيَّةٍ” (كوزموبوليتية) لوجود عالميٍّ ناشط وفاعل؛ وهو ذا، ابن النَّهجِ الحوزويِّ، في أبعاده الدِّينيَّة والفقهيَّةِ، الذي تمكَّن من إدراكِ أعماق إيجابيَّات هذا الفكر وطاقاته، وقدر أن يفيدَ منها معتقده الدِّيني. ها إنَّ “الفجر”، معطاء الضِّياء، ومقع الألقِ الرَّائع، وفاتِح أيَّامِ الدُّنيا، ومسبِّح وجود ربِّ الدُّنيا وخاق الكَون، ما أنفكَّ يمشي، بثقةٍ ووعد عطاء، مع وجود الشِّيخ “حسين شحاده”، طفلاً وتلميذاً ودارساً وشيخاً وداعية وجود إنسانيٍّ، يعمل بكل وعيٍّ وإيمانٍ وإخلاص وإنسانيَّةٍ لفاعليَّةِ الإنسانِ الحقِّ السَّاعي إلى لقاء إنسانيٍّ جامع، في “كونيَّةٍ” (كوزموبوليتيَّة) همُّها خدمة النَّاس، إنطلاقاً من فهمٍ جوهريٍّ لحقيقة دعوة الله إلى الدِّين.

السابق
«كورونا» وصل الى لبنان.. ووزير الصحة سيعلن عن اول اصابة!
التالي
بالفيديو.. ثوار صور في تحرك امام مصرف لبنان!