«المارونية السياسية» بين شباطين وتفاهمين

المارونية السياسية

تفاهم مار مخايل

لعل من سخرية القدر أن يحصل ما حصل من إعتداء في جونيه الأسبوع الماضي على المواطن الطرابلسي على أيدي أنصار نائب جزين عن التيار الوطني الحر زياد أسود، عشية ذكرى إتفاق مار مخايل في 6 شباط 2006 بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وعشية التحضيرات لنيل حكومة حسان دياب التي هي في الواقع حكومة ” تفاهم مار مخايل “الثقة من مجلس النواب الذي يملك الأكثرية فيه أيضاً “تفاهم مار مخايل” والموالين له، فهذا الإتفاق الذي سُوِّق له ولا يزال على أنه لحماية لبنان وحفظ وحدته، كانت تظهر إحدى تداعياته بالأمس أو عينة مما أدى إليه في الواقع بغض النظر عن النوايا من قبل الطرفين أو على الأقل من قبل حزب الله. 

اقرأ أيضاً: المارونية السياسية بنكهة إيرانية

هذا الإتفاق كما هو معروف أبرم عام 2006 بين طرفين كانا بأمس الحاجة لبعضهما البعض، حزب الله لمواجهة تحالف 14 آذار في ذلك الوقت رغم الإتفاق الرباعي بينه وبين قوى هذا التحالف الذي أثبتت الأيام أنه كان إتفاقا مرحليا وتكتيكيا من الجانبين كسبا للوقت، وبين التيار الوطني الحر الخارج حديثا والمنقلب على قوى 14 آذار والمتعطش لدخول جنة السلطة بعد أن منحته المناطق المسيحية أكثرية نسبية في إنتخابات 2005 النيابية حاول أن يستغلها لفرض نفسه ممثلا أوحد للمسيحيين في السلطة وهو ما رفضته قوى الرابع عشر من آذار، فكانت الصفقة – الإتفاق وتقضي بأن يغطي التيار الوطني الحر سلاح حزب الله الذي كان مطروحا بقوة على بساط البحث في الداخل وكذلك في الخارج، مقابل منح حزب الله الدعم السياسي للتيار في الداخل في مواجهة قوى الرابع عشر من آذار وبخاصة المسيحية منها المتمثلة بالقوات اللبنانية. 

إنتفاضة 6 شباط أفضت لمؤتمري جنيف ولوزان وجعلت من الميليشيات الإسلامية يومها شريكا في السلطة

اختبار

كان أول إختبار لهذا الإتفاق في حرب تموز 2006 أي بعد أشهر قليلة على قيامه، وكان إختباراً نجح فيه التيار الوطني الحر حين وقف مع حزب الله دون قيد أو شرط، وكانت ضربة معلم بلا شك أحسن إستغلالها التيار ليكسب عطف وتعاطف بيئة حزب الله والموالين له، إستكمله بإنضمامه للمعركة ضد المحكمة الدولية يومها التي بدأت بإنسحاب الوزراء الشيعة من حكومة السنيورة تبعه إعتصام وسط بيروت ومحاصرة السراي الحكومي تحت شعارات إسقاط “حكومة فيلتمان” وترددات حرب تموز، هذه المرحلة التي إنتهت بإجتياح بيروت في أحداث 7 أيار التي إعتبرها العماد عون يومها بأنها أعادت القطار إلى السكة الصحيحة وأفضت إلى إتفاق الدوحة الذي أدخل التيار الوطني الحر إلى السلطة لتبدأ مسيرته التعطيلية مدعومة بقوة الدفع الذي وفره له إتفاق مار مخايل في 6 شباط 2006 الذي لا يزال حتى اليوم مصدر قوته الأساسية في الحياة السياسية ولممارساته السابقة والحالية التي تذكِّر وتوحي بعودة الروح إلى ما كان يسمى بـ”المارونية السياسية” ولكن هذه المرة بأبشع صورها وتجلياتها الفاشية والعنصرية المستفزة للبنانيين بكل فئاتهم حتى المسيحية منها.

المارونية السياسية

وإذا كان البعض من اللبنانيين يعتبر يوم 6 شباط 1984 وهو اليوم الذي شهد ما سمي بانتفاضة 6 شباط على عهد الرئيس السابق أمين الجميل، بأنه يوم نهاية ما كان يسمى بـ”المارونية السياسية” التي كانت في ذلك الوقت تحاول إستعادة سلطتها وهيبتها التي تزعزعت إبان الحرب الأهلية، مستغلة الضعف في الصف الإسلامي يومها جراء الإجتياح الإسرائيلي للبنان وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منه، فكان أن خسرت كل شيء جراء حرب الجبل ومن بعدها إنتفاضة 6 شباط التي أفضت لمؤتمري جنيف ولوزان وجعلت من الميليشيات الإسلامية يومها شريكا في السلطة، فإن هذا البعض يعتبر أن يوم 6 شباط 2006 كان يوم بداية إعادة الروح إلى هذه الذهنية التي كانت أحد الأسباب الرئيسية للحرب الأهلية اللبنانية بحسب الشارع الإسلامي الذي كان ممثلا يومها بالقوى الوطنية والإسلامية الموجودة على الساحة السياسية، عبر التحالف مع أحد أسوأ ممثليها على الساحة السياسية المسيحية وأكثرها تطرفا وعدوانية في إتفاق أفضى بنتيجته إلى ما يشبه إتفاق القاهرة الشهير والذي كان هو أيضاً أحد أهم مسببات الحرب الأهلية بحسب الشارع المسيحي الذي كان ممثلا يومها بحزبي الكتائب اللبنانية والوطنيين الأحرار، بحيث وصلنا اليوم إلى وضع شبيه بالوضع الذي كان سائدا عشية الحرب الأهلية عام 1975 على المستوى السياسي والعسكري بالإضافة طبعاً إلى الوضع الإقتصادي المنهار الذي يذكر بأحزمة البؤس حول بيروت عشية العام 1975. 

اتفاق معراب

في الجانب السياسي نشهد إنهيار التسوية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر التي أوصلت الرئيس ميشال عون وتياره إلى السلطة، مع ما يمثله هذا الإنهيار من مضاعفات على المستوى الوطني كونه وقع بين مكونين سياسيين وطائفيين كبيرين، ومن ناحية أخرى يستمر ربط النزاع بين تيار المستقبل وحزب الله دون إيجاد أرضية للتفاهم كون كل طرف منهما يمثل رديفا محليا لمحوري النزاع الإقليمي إيران والمملكة العربية السعودية، وكذلك نرى العلاقة على الساحة المسيحية بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ليست على ما يرام، كذلك بين التيار والمردة. وعلى المستوى الوطني بين التيار ومعه العهد والحزب التقدمي الإشتراكي علاقة دائمة التوتر، فضلا عن علاقات باردة بين التيار وحركة أمل، وهكذا يبدو أن لا علاقات سياسية صحية بين الأطراف السياسية بعضها ببعض.

إنهيار التسوية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر أوصلت الرئيس ميشال عون وتياره إلى السلطة

على المستوى السيادي أيضاً هناك معضلة سلاح حزب الله التي تشكل عبئاً دائماً على الحياة السياسية اللبنانية حيث يرى البعض أن وظيفة هذا السلاح ودوره شبيه بوظيفة ودور السلاح الفلسطيني في السابق من حيث إرتباطاته الإقليمية وإمتداداته في المنطقة وإن كان البعض من حلفاء حزب الله وخاصة التيار الوطني الحر يعتبره سداً وحاميا للبنان من التوطين الذي خاض المسيحيون الحرب الأهلية بهدف منعه بعد أن ساد يومها أن المؤامرة والحرب إنما كانت لهذا الهدف كما كانت توحي بذلك التصريحات والقناعات وآلة الدعاية الإعلامية. 

الوضع الاقتصادي المزري

أما على المستوى الإقتصادي فالوضع اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه عشية الحرب الأهلية، يومها كان لبنان يعتبر مزدهرا قياسا بالدول العربية المحيطة رغم أحزمة البؤس التي كانت تطوق العاصمة بيروت بعكس لبنان اليوم الذي لم يزل يعاني من تراكمات وتداعيات الأحداث منذ أكثر من أربعين عاما، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من إذلال أمام المصارف وبالتالي أمام المستشفيات والمدارس والجامعات بحيث طالت الأزمة كل قطاعات الحياة في لبنان وحتى خارجه إذ تأثر اللبنانيون في الخارج من طلاب ومرضى بهذا الوضع الذي أنتج ثورة بدأت في 17 تشرين أول من العام الماضي ولا زالت في ظل لا مبالاة من قبل السلطة السياسية وطبقتها التي تبدو عاجزة أو غير راغبة بإجتراح حلول جديدة ومنطقية وتكتفي بحلول تقليدية ترقيعية لن تجدي كمن يداوي مرض السرطان بحبوب المسكنات وهو الأمر الذي لن يستمر طويلاً وسيأخذ البلد إلى الإنفجار لا محالة، خاصة في ظل أفكار فاشية وممارسات عنصرية كالتي صدرت مؤخرا عن أنصار النائب زياد أسود والتي تتكرر في ممارسات وتصريحات كثيرين من أنصار التيار الذين يرون في كل تحرك أو إعتراض على ممارسات السلطة بكل فئاتها بأنه محاولة لسلبهم هذه السلطة ومن منطلق طائفي بغيض، بينما توجهات الحراك والثورة ليست في هذا الوارد إطلاقا، بل على العكس تبدو الثورة وقد نجحت في تخطي الحاجز الطائفي وباتت مطالبها موحدة في سبيل بناء وطن جديد تسوده الشفافية والعدالة والحرية.

اقرأ أيضاً: انتهت «المارونية السياسية» … وانتهى لبنان

إن المكابرة والإستمرار في تجاهل مطالب الناس المشروعة سواءً لأهداف حزبية وسلطوية أم لأهداف طائفية عنصرية، أم لمصالح أقليمية وأيديولوجية بعيدة عن مصلحة لبنان واللبنانيين كما هو حال أطراف تفاهم مار مخايل وما ينتج من تصرفات عن بعض نواب التيار ومسؤوليه كما حدث مؤخرا في جونيه، إنما هو وصفة وخارطة طريق لبقاء لبنان في عين العاصفة الإقليمية التي قد تضرب ما تبقى من مقومات العيش فيه وتتسبب بإنهيارات متتالية خاصة ونحن على أبواب مرحلة جديدة وخطيرة في المنطقة بعد إعلان ما يسمى بصفقة القرن التي لا يمكن مواجهتها إلا بمجتمع قوي ومتماسك قادر على المقاومة الحقيقية التي لا تكون إلا عبر إحساس المواطن بكرامته في بلده وسيادته على مصيره، لا بإهانته بوقوفه في طابور أمام المصرف كي يتمكن من الحصول على ما لا يسد رمق أطفاله ناهيك عن طبابتهم وتربيتهم التي باتت من الكماليات في ظل هذه التفاهمات الثنائية التي أثبتت فشلها عند كل الأطراف، فالتفاهم الوطني العام على مبادئ وقيم وأسس دستورية وقانونية تحترم هي السبيل الوحيد لإستعادة الوطن وسعادة المواطن.

السابق
روسيا مهدّدة في سوريا.. ليلة «حميميم» الحمراء!
التالي
مسيرة حافلة لم يحدها قِصر العمر..إحتفالية بميلاد زعل سلوم!