دياب رسمياً يتبنى موازنة الانهيار القادم بعد 3 أشهر!

مجلس النواب جلسة الموازنة

نجحت كتلة “المستقبل” النيابية في إنتزاع إعتراف رئيس الحكومة الجديدة بتبني مشروع موازنة سنة 2020، المشروع الذي هو فعليا يعود الى الاكثرية التي يقودها “حزب الله” والتي أتت بحكومة دياب، وليس المشروع الذي إنطلقت به حكومة الرئيس سعد الحريري قبل ان تستقيل بضغط من ثورة 17 تشرين الاول 2019.

ماذا يعني تبني رئيس الحكومة الحالية لموازنة هذه السنة؟

أكثر من أشارة أتت خلال الايام القليلة الماضية، تفيد ان الرئيس دياب وعدد من أعضائها في بعض الوزارات الحساسة، يتصرفون وكأنهم يتعاملون مع المسؤوليات الملقاة على عاتقهم ككرة نار يتجنبون إلتقاطها. وفي مقدم هذه المسؤوليات موازنة  السنة الحالية  التي إرتفعت حولها جدران العزل الامني، لكنها في حقيقتها تشبه مبنى بلا سقف وبلا جدران  يقع في مهب الانهيار الذي يقترب سريعا من البلاد.

اقرأ أيضاً: حكومة لبنان الجديدة: مسك ختام الانقلاب

يتساءل وزير سابق ونائب حالي عاصر حقبة طويلة من العمل السياسي عبر “النهار” عن الحكمة وراء القرار الذي إتخذه الرئيس دياب بالانتقال الى السكن في السراي الكبير مع عائلته ، وذلك للمرة الاولى منذ إنشاء هذا المبنى أيام السلطنة العثمانية. وقال ان ما جرى أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الذي أقام أبان حصار “حزب الله” لمقر الرئاسة الثالثة في مكان عمله بعد سيطرة الحزب وحلفائه على ساحة رياض الصلح خلال عاميّ 2007 و2008، لا يشبه المرحلة التي يمر بها لبنان حاليا الذي صار بالكامل تحت نفوذ الحزب. والاخير، بحسب المصدر هو الحليف الاكبر للحكومة الجديدة يوفّر لها مظلة الامن . فهل لدى دياب أسباب أخرى للانتقال للعيش في السراي؟

كان لافتا خلال الايام الماضية، إرتفاع جدران جديدة في وسط ساحة رياض الصلح ،ما جعل السراي معزولة تماما عن التظاهرات التي كانت تسمح سابقا قبل يوم السبت الماضي لسكان السراي برؤيتها بالعين المجردة. وبفضل هذه الجدران صار مقر الرئاسة الثالثة متصل براحة تامة بمبنى البرلمان في ساحة النجمة.

خلف جدران السراي، لفت المراقبين الصمت الذي لاذ به رئيس الحكومة .فهو لم يعلّق على المشهد الصاخب الذي رافق محاولة المتظاهرين ليلة السبت الفائت، إقتلاع الحواجز التي تمنعهم من الوصول الى السراي.

حول أبعاد عدم إسترداد حكومة دياب الموازنة، يقول خبير إقتصادي بارز لـ”النهار” ان الاحتمال الابرز لهذا السلوك انه كانت  هناك رغبة لدى  الحكومة في أن تبتعد عن تحمّل تبعات ما يتهدد المالية العامة في الشهور المقبلة بسبب تراجع الامكانات التي تتيح للحكومة بالوفاء بالتزاماتها داخليا وخارجيا.وإستباقا لأسواء الاحتمالات التي تلوح بعد ثلاثة أشهر تقريبا ، كانت الحكومة تستعد  لحملة التبروء من تبعات ما يتهدد الاوضاع المالية بعبارة: “إنها موازنة الحكومة السابقة ولست مسؤولة عن نتائجها”. لكن هذه الرغبة باءت بالفشل الكامل. وفي إعتقاد هذا الخبير، ان هذا التصرّف الذي سبق تبني دياب للموازنة، كان  أشبه بـ”لحس المبرد”. لأنه بعد أشهر قليلة سينسى المواطنون أمر الحكومة السابقة، وسيوجهون السؤال الكبير للحكومة الحالية: “ماذا فعلتم كي لا يحدث الانهيار”؟

في معلومات لـ”النهار” ان الصيغة الحالية الموازنة مرّ بثلاثة مراحل هي: المرحلة الاولى، هي في الصيف الماضي عندما أقرت حكومة الحريري مشروعا يطمح الى ان يكون العجز فيها بحدود 7 في المئة.والمرحلة الثانية، بعد 17 تشرين الاول الماضي، عند إنطلاق الاحتجاجات الشعبية، فتقرر اللجوء الى إصلاحات صارت قرارات بعد موافقة مجلس الوزراء عليها، من بينها إعداد مشروع موازنة يبلغ فيها العجز صفرا من خلال الاتي: يتحملّ مصرف لبنان تصفير فوائد ديون الدولة بمبلغ 3500 مليار ليرة لمدة سنة، ومثله تفعل المصارف بمبلغ 600 مليار ليرة، أي ما مجموعه 4100 مليار ليرة، على ان يقترن هذا الاجراء بتنفيذ إصلاحات ابرزها معالجة ملف الكهرباء بتشكيل الهيئة الناظمة وتصغير حجم الدولة التي يضم قطاعها العام قرابة 300 الف موظف.

أما المرحلة الثالثة، فهي بدأت بعد إستقالة حكومة الحريري في نهاية تشرين الاول الماضي وما رافقها من تبدّل المعطيات المالية، ما دفع وزير المال السابق علي حسن خليل وبالتعاون مع رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابرهيم كنعان الى صياغة المشروع الحالي الذي تشوبه عيب التقديرات لواردات لم تعد موجودة،بل هناك معطيات تفيد ان الناتج المحلي تراجع بنسبة 20 في المئة، ما يعني ان الواردات تقلصت بحدود تقارب ال 50 في المئة. فهل بالامكان إعتماد إرقام موازنة هي على الورق فقط، في حين انها في واقع الحال لن تعالج عجزا يقدّر الان بنحو 4 مليارات ونصف مليار دولار؟

هل يتجه لبنان الى هذا القدر الصعب، أم ان هناك فرصا لتفادي هذا الكأس المرّ؟ بحسب الخبراء، هناك سبل للخلاص مما يعتبروه “إنهياراً” آت بلا إبطاء إذا تدارك أصحاب القرار على كل المستويات الامر بسلسلة إجراءات تتراوح ما بين تغيير سلوك الانفاق الحكومي جذريا وبين إنهاء محنة تبعية لبنان للمشروع الايراني الذي يقفل ابواب إرتباط لبنان بالعالم العربي والمجتمع الدولي.

في المدى المنظور، لم يعد واردا الرهان على حلول وردت في مؤتمر “سيدر” الذي وعد عام 2018 بتوفير 11 مليار دولار لإنفاقها على مشاريع يمتد تنفيذها لنحو 5 سنوات. وصار المطلوب اليوم قرابة 25 مليار دولار كحد أدنى و50 مليارا كحد أقصى على مدى الاعوام الخمسة المقبلة. والسؤال:من سيوفر مثل هذا المبلغ، بعدما إستحال توفير ما هو أقل منه بكثير، أي أموال “سيدر”؟

ولتقريب هذا الواقع الى الاذهان، يقول خبير مالي بارز لـ”النهار” ان تنفيذ إنشاء معمل للكهرباء الذي يتطلب إستثمارا بمبلغ مليار دولار صار الان مستحيلاً، لإن من سيستثمر بمبلغ كهذا ، سيجني أرباحه بالليرة اللبنانية  التي تتجه نزولا نحو قعر لا حدود له في المدى المنظور. كما بات مستحيلا أيضا الاعتماد على البواخر لفقدان السيولة بالعملة الصعبة.

هل من المفيد، بعد عرض هذه الوقائع، ان يتوارى رئيس الحكومة وراء جدار الاسمنت الجديد، والاعلان إضطراراً: “هذه موازنتي”؟ 

السابق
بعد سليماني.. واشنطن تستفرد بإيران وتعزل أذرعها
التالي
بيانُ القمّة المسيحية يناشد المجتمع الدولي.. الشَّارعُ يغلي!