لقد دمّروا حياتنا. دمِّروا حياتهم على طريقة غاندي ومانديلا

عقل عويط

“نحن نسخر منهم. وأمّا هم فقد دمّروا حياتنا. شتّان!”

لقد دمّروا حياتنا. ونحن نكتفي بالسخريّة منهم. نحن، والحال هذه، خانعون، قابلون، راضخون، خاسرون، ومهزومون. فهل يكفي أنْ نسخر منهم؟

إقرأ أيضاً: «كلن يعني كلن» !

طبعًا، هذا لا يكفي. إذًا، ما العمل؟!

جوابٌ بسيطٌ، مباشرٌ، يُغني عن كلّ تفلسفٍ وتنظيرٍ برج عاجيّ: يجب أنْ ندمّر حياتهم. نعم. يجب أنْ ندمّر حياتهم. بالقانون. بالدستور. بالحقّ. بالعدل. بالمساواة. وبالميزان السليم. لكنْ، كيف؟ كيف؟

لا بالعنف. لا بالقتل. لا بالقوّة. بل بحيث لا يستطيع هؤلاء الرعاع المتمكّنون أنْ يردّوا الصاع صاعين.

كيف؟

أنا سأقول لكم كيف: دمِّروا حياتهم تدميرًا معنويًّا. روحيًّا. اجتماعيًّا. فكريًّا. ثقافيًّا. أخلاقيًّا. قيميًّا.

أنا سأقول لكم كيف: إجعلوا حياتهم وحياة عائلاتهم جحيمًا. أمطِروهم بالكوابيس. بالصواعق. أرشقوهم بالحمم. بالطيور الأبابيل. بالأشعار. بالرسوم الكاريكاتوريّة. بالأعمال المسرحيّة. بالكتب. بالروايات. بالأغاني. بفنون الرسم والنحت والغرافيتي. وبالرقص الجنونيّ تحت البرد والمطر والجوع.

أنا سأقول لكم كيف: دمِّروا حياتهم. اخترِعوا الأساليب والطرق المناسبة، التي لا تخطر في بال أحدٍ منهم.

أنا سأقول لكم كيف: واجِهوهم بمواهب العقل. بالمنطق. بالذكاء. بالفروسيّة. بالشجاعة الروحيّة. بالأمل. بالصلابة. بالإرادة. بالعزم. بالفتيان. بالفتيات. بالصراخ الأبيّ النقيّ المهيب الرهيب. بالصراخ بلا هوادة.

وبعدم الرضوخ للأمر الواقع.

هم أقوياء حقًّا وفعلًا. وهم ماكرون وخبثاء وقادرون حقًّا وفعلًا. ويملكون الأدوات. كلّ الأدوات لإسكاتكم. لترويضكم. لتدجينكم. ولجعلكم تيأسون.

إنّهم نظام. إنّهم النظام بكامله. بشروشه. بجذوره. ببيت رحمه. بذكورته. وبنخاعه الشوكيّ.

بماذا يستطيعون أنْ يدمّروكم أكثر ممّا يدمّرونكم؟

فقط، بالإمعان. بالاستمرار.

إنّهم ممعنون. غير مبالين. وإنّهم يسخرون منكم. منّا. لأنّهم متّحدون. متكافلون. متشاركون.

أنا سأقول لكم كيف: إفعلوا كلّ ما يؤذيهم في المعنى والقيمة. شهِّروا بهم. هنا، وفي العالم.

شوِّهوهم. احتقِروهم. إذهبوا إلى أحيائهم. وبيوت سكنهم. وجيرانهم. وأقربائهم. وأصدقائهم. ومكاتبهم. ومنتجعاتهم. وشهِّروا بهم هناك. وفي كلّ مكان.

أنا سأقول لكم كيف: إذهبوا إلى مدارس أولادهم. وقولوا لأولادهم ماذا يفعل بكم آباؤهم. فهِّموهم بالعقل والتفسير والمنطق والدليل والبرهان أنّ آباءهم أشرار، وفاسدون، ومجرمون، وأنّهم يخرّبون البلاد، ويجعلونها أرضًا لنعيق البوم والموت.

أنا سأقول لكم كيف: إذهبوا إلى أولادهم، لا من أجل إهانة هؤلاء الأولاد، وتعنيفهم. بل لكي ينتفض هؤلاء الأولاد على آبائهم المجرمين. ويثوروا عليهم. ويخرجوا على طاعتهم. ولكي يقف هؤلاء الأبناء إلى جانبكم، بعد أنْ يكتشفوا حقيقة آبائهم.

أنا سأقول لكم كيف، إذا أعيتكم كلّ السبل المذكورة أعلاه: دمِّروهم بالامتناع عن الطعام. بالإضراب العامّ. بالموت جوعًا وعطشًا. على الطرق. في الشوارع. على الشرفات. في المعامل. في المدارس. في البيوت. في المصانع. في المكاتب. في الكنائس. وفي الجوامع.

تتذكّرون نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، وكيف انتصر هو وشعبه على حكومة العنصريّين البيض. لا بالعنف. ولا بالقتل. بل بالعصيان المدنيّ السلميّ الديموقراطيّ.

وتتذكّرون غاندي في الهند. كيف انتصر هو وشعبه على المستمعمرين الإنكليز، سلميًّا، وسلميًّا فقط لا غير.

وتتذكرون كيف انصاع العنصريّون البيض في جنوب أفريقيا، والمستمعرون الإنكليز في الهند، للشعب المطالِب هنا وهناك بالحرّيّة والكرامة وحقّ العيش ولقمة القانون العادل الاستقلال.

لقد دمّروا حياتنا. فدمِّروا حياتهم على طريقة غاندي ومانديلا.

ماذا تنتظرون؟!

السابق
صوت لبنان يعود الى الأمم المتحدة.. المستحقات سُددت!
التالي
هل توقفت مستشفى المقاصد عن إستقبال المرضى؟