هل اختتم ترمب وإيران النزاع.. أم دمرا المستقبل؟

ترامب

عندما أنظر بتجرّد للصدام الأخير بين الرئيس ترامب والمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، فإنه يتضح لي جليًا أننا نشاهد رجلين أصلعين يتقاتلان على مشط.

يتقاتل الرجلان العجوزان وذوي الأفكار القديمة على دولة لا ينبغي لكلاهما أن يرغبا فيها، العراق، وعلى مورد من القرن العشرين، النفط، والذي تتضاءل أهميته لاقتصادات دول القرن الواحد والعشرين، وعلى هدف استراتيجي، الهيمنة على الشرق الأوسط، التي لا ينبغي لأي زعيم عاقل أن يسعى خلفها، لأن جميع ما سيجنيه هو المزيد من الأعباء الاقتصادية.

بالمختصر، سيحقق الأمر الكثير من العنف، ولن يغير سوى القليل.

لذلك عندما أشاهد محللي قناة “فوكس نيوز” المغالين في الوطنية وهم يدّعون بأن من لا يدعم ترامب في ترنحه في الشرق الأوسط هو شخص غير وطني، فإنني أريد أن أنفجر ضحكًا، لأن ذلك مثير للشفقة.

اقرأ أيضاً: رغم الخطابية: ايران خفضت مستوى المخاطرة

وعندما أشاهد عشرات الآلاف من الإيرانيين يخرجون إلى الشوارع حداداً على وفاة اللواء قاسم سليماني – الذي كان إرثه الحقيقي يمثل فوضى الدول المحيطة بإيران والعدد الهائل من جثث الشباب الإيرانيين والعرب الساعين إلى التغيير فإنني أريد أن أنفجر بكاءً، لأن ذلك مثير للشفقة أيضًا.

متى ستتوقف هذه الحماقة؟

إن البيانات هي النفط الجديد. فامتلاكها، وإجادة استخلاص الأفكار منها، ومن ثم انتاج تلك الأفكار وتسييلها هو الدافع الاقتصادي الجديد الذي سيحدد على المدى البعيد ثروة الدول وأمنها في القرن الحادي والعشرين، حيث أن الخام الأسود لن يحدد ذلك. لذا، فإن التحذير القديم لوزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني عندما قال: “العصر الحجري لم ينتهي بسبب نفاد الحجارة، بل انتهى بسبب اختراعنا لأداة جديدة” قد أصبح يصف الحال أكثر من أي وقت مضى.

سيدّعي الآن كلًا من ترامب وخامنئي تحقيهما للانتصار: فترامب بسبب قتله للقاتل الإيراني الملطخة يداه بدماء العديد من الأمريكيين والعرب والإيرانيين (وقد حصل سليماني على ما يستحق)، أما خامنئي فبسبب “الانتقام” عبر إطلاق 22 صاروخًا تجاه قاعدتين عسكريتين في العراق كان يتمركز فيها جنود أمريكيين (لحفظ بعض ماء وجهه).

لكن دعونا ننظر بتمعن فيما اكتسب كلا الطرفين.

تراودني شكوك حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستجني نتائج ردع أفضل جراء قتلها لسليماني – وتحديدًا بسبب مخالفتها لإحدى قواعد اللعبة التي كانت تجري بين الولايات المتحدة وإيران منذ سنوات طويلة: لا ينبغي استهداف أحد قادة الطرفين. لا بد أن القيادة الإيرانية الآن تعتبر ترامب مجنونًا، وترى أنه قد يرد بشكل أقوى وعلى نحو لا يمكن التنبؤ به في حال قيام إيران بمزيد من الأعمال الانتقامية أو التصعيد.

سيكون هذا الوضع مربكًا لرجال الدين في إيران بكل تأكيد. إذ لطالما افترضت إيران وسليماني أنه بإمكانهما تجاوز أي شخص آخر في الجنون مستخدمين الوكلاء والعملاء. حيث بإمكانهم أن يقوموا هم أو وكيلهم حزب الله بتفجير رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بوقاحة أو أن ينسفوا منشأة ضخ نفط سعودية رئيسية، ثم يخرجون للعالم ويقولون: “يا إلهي، من فعل ذلك؟ يا لها من مأساة.”

إن ترامب هو أول رئيس أمريكي يخشاه الإيرانيون وأنهم قد لا يكونوا قادرين على تجاوزه بالجنون. إذ يعرف خلفاء سليماني الآن أنه سيتعين عليهم العمل بتعقل وامتلاك مخاوف أمنية أكبر بكثير مما فعل سليماني، الذي اعتقد أنه كان محصن من الهجمات.

لكن في حين قد يعتقد ترامب أنه بإمكانه تجاوز الإيرانيين بالجنون، فإن هذا سيمثل وهمًا على المدى الطويل. فعلى عكس المرشد الأعلى لإيران، سيكون ترامب مقيدًا من قبل الكونغرس والدستور والصحافة الحرة وقواعد السلوك الأمريكية والانتخابات المقبلة.

وفي حين أنه يمكنه أن يتحدث بثقة ويهدد بصوت عالٍ، إلا أن الحقيقة تكمن في أن الهيمنة على الشرق الأوسط أهم بكثير بالنسبة لإيران مما هي بالنسبة للولايات المتحدة – خاصة في الوقت الحالي بعد أن أصبحت أمريكا أكبر منتج للنفط في العالم، وشعور الأميركيون بأن الشرق الأوسط قد استنفدهم تمامًا – كما أن إيران ستكون هناك دائمًا على عكسنا.

بعبارة أخرى، قدرة أمريكا على تجاوز الإيرانيين بالجنون محدودة. لا يمكننا اغتيال أي شخص سيء يقف ضدنا. إذ أن ذلك قد يمنح رخصة لدول أخرى – مثل روسيا فلاديمير بوتين – للقيام بذات الأمر مع خصومهم، كما أن ذلك سيدعو الآخرين للبدء في استهداف قادتنا.

إن هذا الوضع يمنح إيران القدرة على أن تفعل بترامب مافعلته في الرئيس جيمي كارتر: جره إلى فوضى الشرق الأوسط عن طريق القيام بعمليات صغيرة ضد المدنيين أو القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، مما سيجبر ترامب على الانتقام والغرق في مستنقع الشرق الأوسط – في الوقت الذي أصبح فيه الشرق الأوسط أقل أهمية بالنسبة لأمريكا أكثر من أي وقت مضى – أو ألا ترد وتظهر بمظهر الضعيف.

إن الحالة الوحيدة التي يمكن فيها لكلا البلدين أن يخرجا منها منتصرين ليست تلك التي يُمنح فيها ترامب وخامنئي دفعة سياسية مؤقتة، بل هي التي تخدم المصالح طويلة الأجل لكلا البلدين – وهو ما يتمثل في إعادة الصفقة النووية الإيرانية التي انسحب منها ترامب في مايو 2018.

من المصلحة بالغة الأهمية للولايات المتحدة هي ألا تمتلك إيران سلاحًا نوويًا، لأنها ستهدد أوروبا وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ولأنها على الأرجح ستدفع تركيا والسعودية ومصر أيضًا إلى امتلاك قنابل نووية، مما سيجعل الشرق الأوسط غير المستقر قنبلة نووية موقوتة. وفي الوقت نفسه، من المصلحة بالغة الأهمية لإيران التخلص من العقوبات التي فرضها ترامب على النفط، والتي تتسبب بإفلاس اقتصادها.

لكنني أتساءل عما إذا كان ترامب يمتلك الشجاعة السياسية الكافية لعقد تسوية مع إيران؛ فهو يستمر بطلب الكثير. إذا كان ذكيًا، فسيستخدم حقيقة أنه استعاد الآن، حتى هذه اللحظة، بعض الردع الأمريكي من أجل أن يعود إلى صياغة صفقة نووية بسيطة ومعدلة من شأنها أن تفرض تجميدًا دائمًا على قدرة إيران على صنع الأسلحة النووية، مع فرض عمليات تفتيش تدخلية تفوق ما تفرضه الصفقة الأصلية، في مقابل إنهاء العقوبات النفطية. ومن ثم يتوقف عند ذلك الحد. ولا يبالغ.

لا يمكننا أن نأمر إيران بعدم التدخل في دول أخرى في ذات الوقت الذي نقوم فيه بذلك نحن والدول العربية السنية. من أجل أن نحصل على صفقة جيدة – انهاء الأسلحة النووية الإيرانية مقابل انهاء العقوبات – ونتعامل مع الباقي من خلال الدبلوماسية التقليدية والقوة الناعمة.

يجب أن يغرد ترامب كل يوم: “أيها المرشد الإيراني الأعلى، أي دولة عربية إسلامية احتللت اليوم؟ كم عدد الديمقراطيين الإيرانيين الذين اعتقلتهم أو قتلتهم اليوم؟ أي الشباب العربي حرمتهم من حقوقهم؟ كم من أموال الضرائب الإيرانية أنفقتها على تمويل ميليشيات سليماني في لبنان وسوريا واليمن اليوم؟”، ويقوم بذلك كل يوم. وكل ساعة. وعلى مدار الساعة. صدقوني، النظام الإيراني، الذي يكافح من أجل السيطرة على مواطنيه، لن يروق له ذلك.

ويجب ألا يهدد ترامب إيران عن طريق إرسال المزيد من القوات إلى العراق لمحاربة داعش أو إلى أفغانستان لمحاربة طالبان. هذا جنون!

يجب على ترامب أن يهدد إيران بأنه إذا لم تنسحب من محاولة السيطرة على العراق، فسوف نسحب جميع قواتنا من المنطقة – ونتركها لإيران لوحدها لتحارب داعش وطالبان – الحركات المسلمة السنية التي تعد ألد أعداء إيران.

هذه هي أفضل طريقة لإرهاق إيران وجعلها أكثر البلدان المكروهة في العراق – حيث قام الشيعة العراقيون بإحراق قنصليتين إيرانيتين بدافع الكراهية لهيمنة الإيرانيين – ناهيك عن المنطقة بأسرها.

لذا، عزيزي القارئ، لا تشغل نفسك في عناوين الصحف اليوم أو في الأحداث المحوّرة على قناة فوكس. إذا كنت ترغب في الحكم على ما فعله ترامب للتو في العراق، اسأل نفسك هذه الأسئلة: هل نحن الآن مستنزفون في القتال من أجل الأصول الاقتصادية التي عفّى عليها الزمن أم المستقبلية؟ هل بإمكاننا تنفيذ تكتيكاتنا – الاغتيالات المستهدفة –مرارًا وتكرارًا أم نحن بحاجة إلى التركيز على صفقة مربحة للطرفين: اتفاقية نووية بسيطة ومضمونة ونهائية. هل تهديدنا بمغادرة المنطقة أقل جدوى من التعهد بمضاعفة وجودنا هناك؟ وأخيرا، هل تعد عودتنا إلى الهوس بالشرق الأوسط تصب في مصلحتنا أم في صالح الصين؟

(ترجمة “العربية”)

السابق
لماذا احتفظت القاضية عون بملف سرقة فيلا نانسي عجرم؟
التالي
بالفيديو.. إنتشال سيارة علقت في العاصفة