2020…هل يكون «الحصاد» لثورات 2019 ؟

لبنان ينتفض
تختلف طبيعة ثورات الشعوب العربية التي حدثت العام الماضي 2019 من بلد الى آخر، ففي حين اندلعت في الجزائر والسودان ثورتان ضدّ العسكر الحاكم وقياداته التاريخية الصدئة، فان ثورتي لبنان العراق توجهتا ضدّ الطبقة السياسية الفاسدة، التي تتصرف كمافيا حاكمة نبذها المجتمع الدولي فتقرّبت الى ايران كي تحتمي بها وتنفّذ مآربها غير المشروعة في البلدين والجوار.

اندلعت الثورة اللبنانية ضد الفساد في 17 أكتوبر من العام الماضي 2019، إثر الإعلان عن خطط حكومية لفرض المزيد من الضرائب على البنزين والتبغ، إضافة إلى استحداث ضريبة على استخدام تطبيق المكالمة الهاتفية “واتسآب”.

المميز في ثورة 17 أكتوبر اللبنانية هي “السلمية” الذي تتمع به. فأي ثورة في العالم على السلطات الحاكمة لا بد أن تتخللها دورات من العنف. في الثورة العراقية التي تعاصر الثورة اللبنانية اليوم، سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، وتعرضت مبان حكومية ودبلوماسية ومنازل مسؤولين للحرق والتدمير. في لبنان، حالات الصدام مع الجيش اللبناني تكاد لا تذكر.

لم يسجل عنف حقيقي إلا عندما هاجم أنصار حركة أمل وحزب الله مسلحين بالعصي والسكاكين المتظاهرين العزل في ساحات الاعتصام ببيروت، وعندما هاجم أحد أنصار التيار الوطني الحر، تيار رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، المحتجين في منطقة جل الديب بسلاحه الحربي، وأخيرًا عندما سقط علاء أبو فخر أول شهيد للثورة في خلدة برصاص مرافق أحد ضباط المخابرات اللبنانية.

إلى ذلك، كانت استقالة الحريري تحت ضغط الشارع كسرًا لكلمة حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، الذي كان يؤكد في خطبه منع سقوط الحكومة في الشارع، معلنًا أنه يحميها من السقوط، مؤكدًا أنها ستستمر. وهذا الأمر أيضًا قوّى عزيمة الثوار اللبنانيين، الذين يرون في نصرالله شريكًا في هذه السلطة الفاسدة.

حركة حزب الله

في الأيام الثلاثة الأولى من الثورة، كان الجمهور “الشيعي” المؤيد لثنائية أمل – حزب الله في مناطق محسوبة على هذه الثنائية عصب الثورة. نزل هذا الجمهور في الشارع، مهاجمًا رئيس حركة أمل ورئيس البرلمان نبيه بري، ونصرالله ونوابه ووزراءه، متهمينهم بأنهم من الفاسدين، ومدخلينهم في سياق شعار الثورة “كلن يعني كلن”، في دعوة إلى محاسبة كل أركان هذه السلطة ونبذها من الحياة السياسية اللبنانية.

تمكنت قوى الأمر الواقع في البيئة الشيعية من تخفيف زخم الثورة في مناطق الثنائي لكنها أكدت ان تياراً شيعياً عارماً لا يريد بري ونصرالله

أدرك حزب الله أن استمرار هذا الأمر يعني فلتان زمام الأمر من يده في عقر داره بالجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية، فكان أن خطب نصرالله طالبًا من أنصار “الحزب” الخروج من الشارع، وأرسل من اعتدى على التظاهرات في صيدا وصور والنبطية ومناطق جنوبية أخرى، في غزوات نفذها عناصر الحزب وعناصر رديفه الشيعي “أمل”.

تمكنت قوى الأمر الواقع في البيئة الشيعية من تخفيف زخم الثورة في هذه المناطق، لكنها لم تتمكن من إخفاء حقيقة تعتبر بالنسبة إلى الثنائي نصرالله-بري “مرة ثمة تيار شيعي عارم لا يريدهما، وضاق ذرعًا بفسادهما وتحكمهما بأرزاق الناس وأعناقهم.

ثورة العراق ضدّ مليشيات ايران

أما في العراق فقد اندلعت التظاهرات اندلعت في 1 تشرين الأول 2019، في بغداد وبقية محافظات جنوب العراق احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة. ووصلت مطالب المتظاهرين إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة واجراء انتخابات مبكرة. وندّد المتظاهرون أيضاً بالتدخل الإيراني في العراق وحرق العديد منهم العلم الإيراني. واجهت القوات الأمنية هذه المظاهرات بعنف شديد واستعملت قوات الأمن صنف القناصة واستهدف المتظاهرين بالرصاص الحي، وبلغ عدد القتلى من المتظاهرين حوالي 490 شخصا منذ بدء المظاهرات، وأصيب أكثر من 17 ألف بجروح خلال المظاهرات ومن بينهم 3 آلاف “إعاقة” جسدية،   فضلاً على اعتقال العديد من المحتجين وأيضاً قطع شبكة الانترنت.

يطل اليوم الأول من عام 2020 وسط قلق عام واضطراب يسود منطقتنا العربية التي لم تزال تعاني من مخاض ثورات عصية على الولادة

وفي أعقاب حرق القنصلية الإيرانية في النجف في 27 تشرين الثاني 2019 سقط عشرات القتلى والجرحى وكانت أكثر أيام الاحتجاجات دموية، خاصة في محافظة ذي قار التي جرت فيها مجزرة الناصرية، والتي أدّت إلى إعلان رئيس الوزراء العراقي نيته تقديم استقالته. وفي 30 تشرين الثاني قدم عادل عبد المهدي استقالته من رئاسة مجلس الوزراء استجابة لطلب المرجع الديني علي السيستاني، وتمهيدا لإجراء انتخابات جديدة تعمل على تهدئة الأوضاع في البلاد. ولقد أعلنت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، ارتفاع حصيلة ضحايا الاحتجاجات خلال الشهرين الماضيين إلى 490 قتيلا وأكثر من 20 ألف جريح.

يطل اليوم الأول من عام 2020 وسط قلق عام واضطراب يسود منطقتنا العربية التي لم زالت تعاني من مخاض ثورات عصية على الولادة بفعل احتدام الصراعات الدولية والاقليمية من جهة، وبفعل العصبيات الطائفية والاثنية المختلطة بمنظومة فساد عامة تجمع التناقضات في دول فاشلة .

فهل تكون سنة 2020  مميزة كما هو حال عدديها المتسلسلين بتناسق لن يتكرر الا بعد ألف عام، فتلد تلك الثورات العربية في لبنان والعراق واليمن وشمال افريقيا، انظمة ديموقراطية حديثة متطورة، أم ان التدخلات الدولية سوف تتزايد وتتعاظم فتؤخر ولادتها لسنوات قادمة؟

السابق
نتنياهو يهرب من المحاكمة ويتحصن بالكنيست!
التالي
صُوَر بحجم الوطن.. لبنان ينتفض