لبنان : «أيها المصرف… ارتعدْ»

حان الوقت لكي تشعر المصارف بالخوف. حان الوقت لكي تعيد الأرباح التي حققتها بغير وجه حق.

بعد أن ارتكبت المصارف اللبنانية قذارتها الكبرى المتمثلة بالمقامرة بودائع نحو مليون لبناني، وجني الأرباح الهائلة من ورائها، ومن ثم تبديدها ضمن مشروع الهندسة المالية التي موّلت عبرها فساد السلطة وأهلها، ها هي جمعية مصارف لبنان قد باشرت بارتكاب حماقة موازية بحق موظفي القطاع وبحق منشآت المصارف وبحق نفسها.  

المصارف هي الحلقة الأضعف سياسياً واجتماعياً وأمنيا في منظومة النهب اللبنانية، وهي الأقل حصانة في وجه الغاضبين ممن سرقت إدارات المصارف ودائعهم، وإشارات التصعيد في وجه البنوك وفروعها بدأت تلوح في شوارع لبنان، ولن يقوى رجال الشرطة الذين انتدبتهم المصارف إلى فروعها على الوقوف في وجه المودعين الغاضبين.

وفي مقابل الخطر الحقيقي المحدق بأمن المصارف، تضاعف هذه الأخيرة من أسباب هذه المخاطر عبر زيادة الإجراءات التي تخنق المودعين وتزيد من مصاعب وصولهم إلى حساباتهم، لا بل أن الإجراءات الجديدة شملت رفعاً لنسب العمولات على عمليات مصرفية داخلية لا علاقة لها بشح العملات، فلكي تُصدر شيكاً مصرفياً صار عليك أن تدفع عمولة تبلغ ٤ بالألف، ولكي تجري تحويلاً من حساب إلى حساب صار عليك أن تدفع نفس النسبة من العمولات. مهمة هذه العمولات هي رفع نسبة أرباح البنوك في لحظة الاختناق المالي التي يعيشها المودع وتعيشها الأسواق. وهذا من دون شك ناجم عن نوعٍ من الانفصال عن الواقع وعن قلة دراية بما يجري في الشارع لجهة اقتراب موعد المواجهة المباشرة بين المصرف وبين المودع.

اقرأ أيضاً: توحيد وقوننة الإجراءات المصرفية تحمي المودِع والمصرف معاً

 المصارف ماضية إلى مزيد من الأرباح وتعرض كل يوم مصير موظفيها لمخاطر حقيقية، فيما يطل أصحابها بين الحين والآخر فيضيفون إلى فعلتهم حماقات وحماقات، فتارة يطلبون من الناس الكف عن الاستهلاك وتارة أخرى ينصحون بتحويل الودائع إلى الليرة اللبنانية في لحظة انهيارها، فيما ودائعهم في الخارج بخير وأمان.

والحال أن السياسيين بإمكانهم أن يمارسوا هذا الانفصال، ذاك أن طبقة واسعة منهم تتمتع على رغم فسادها بغطاء اجتماعي وطائفي قد يؤجل القضاء عليها في الشارع. أما المصارف فستكون في العراء، ولن يذرف أهل السلطة دمعة عليها طالما أنها ستكون كبش فداء في حفلة الإفلاس الكبرى التي تنتظرنا في لبنان.

لا تشعر جمعية المصارف أنها في موقع المبادر لتقديم أرباحها في السنوات الثلاث الفائتة لخزينة الدولة. وهي، اذا كان في نيتها أن تفعل شيئاً من هذا، فهذا هو الوقت، وإلا فإن الناس أصبحت على بعد خطوة من الانقضاض على الفروع والأصول، لا بل أن لوائح أسماء أعضاء مجالس إدارات المصارف وعناوين منازلهم بدأت تتوزع على وسائل التواصل الاجتماعي، وهؤلاء لن تحميهم السلطة الخائفة أصلاً على منازل وزرائها ونوابها، لا سيما وأن تقديم الأرباح إلى الخزينة لن يكون منة ولا هبة، ذاك أنها (الأرباح) هي حصيلة حفلة النصب الكبرى التي كانت المصارف طرفاً رئيساً بها مع المصرف المركزي والحكومة. الدولة مولت فسادها في هذه الحفلة، لكنها دفعت منها أيضاً رواتب الموظفين والجيش وهدر الكهرباء. حصة المصارف من هذه “المنهبة” لم يشاركها أحد بها. الأرباح كاملة وصلت لأصحاب البنوك، وفي السنوات الثلاث الفائتة رحنا نشهد بذخاً غير مسبوق بالمباني والمنشآت والأجهزة، وامتد ذلك إلى ربطات عنق المدراء التي راحت تزينها أساور مذهبة تنعكس على وجوههم وتضيء ابتساماتهم المتكلفة. وراحت المصارف تشتري المباني تلو المباني وتُنشء فروعها في البيوت التراثية في بيروت. جرى ذلك في وقت كانت كل القطاعات الاقتصادية في حال من التداعي والتقهقر، وكانت الفوائد وجهة التوظيف الوحيدة.

الدولة أنفقت الودائع فيما الفوائد التي تقاضتها المصارف تم خزنها في حسابات أصحاب المصارف. هذه المعادلة صار يعرفها أصغر مودعٍ في المصرف، وهو حين يتوجه صباحاً إلى فرع المصرف، لكي يسحب المائتي دولار التي سُمح له بها، يبدأ بمعاينة الموجودات وما يمكن أن يعوض له منها عن وديعته التي أفنى عمره في مراكمتها، وأرسلها المدير إلى مصرف لبنان وتولى الأخير تبديدها.

أن تسارع جمعية المصارف إلى اتخاذ خطوة استيعابية تحدث صدمة إيجابية في العلاقة مع المودع هو السبيل الوحيد لتجنب انفجار المودعين في وجه مصارفهم. بالأمس بدأت فرق موسيقية تتوجه إلى فروع المصارف وتعزف فيها أغان مطالبة بالإفراج عن الودائع. هذا الأمر لن يدوم طويلاً. موظفو المصارف يعرفون ذلك، لكن الإدارات غائبة عنه ومنفصلة عن الواقع. هذا سيكون السبيل الوحيد للتخفيف من وطأة الكارثة التي كانت المصارف سبباً رئيساً فيها.

لكن ما يجري هو عكس ذلك تماماً. المصارف ماضية إلى مزيد من الأرباح وتعرض كل يوم مصير موظفيها لمخاطر حقيقية، فيما يطل أصحابها بين الحين والآخر فيضيفون إلى فعلتهم حماقات وحماقات، فتارة يطلبون من الناس الكف عن الاستهلاك وتارة أخرى ينصحون بتحويل الودائع إلى الليرة اللبنانية في لحظة انهيارها، فيما ودائعهم في الخارج بخير وأمان.

حان الوقت لكي تشعر المصارف بالخوف. حان الوقت لكي تعيد الأرباح التي حققتها بغير وجه حق.   

السابق
بالأغاني والمسيرات.. السوداني مرفوض «بأمر الشعب» العراقي
التالي
برّي ماض حتى الآن في تسمية الحريري.. ولكن!